هل هناك احتمالات للسلام بين سوريا واسرائيل؟ تساؤل طرحه الاعلان المفاجيء عن وجود محادثات غير مباشرة ومنذ فترة قصيرة بين الطرفين بوساطة تركية بعد تأكيد سوريا أنها لم تقبل الانخراط في هذه المحادثات إلا بعد تأكيد رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا استعداد ايهود أولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي لانسحاب كامل من هضبة الجولان في مقابل السلام مع سوريا.. هكذا وبكل بساطة يمكن أن يطرح هذا الحل.. رغم أن كل الشواهد تؤكد انه لا مصلحة لاسرائيل في تغيير حالة اللاحرب واللاسلم القائمة بينها وبين سوريا، وأنها ليست في حاجة إلي تقديم تنازل لها خاصة أن منطقة الجولان التي تحتلها اسرائيل منذ يونيو عام 1967 تمثل وضعا أمنيا واقتصاديا لاسرائيل ولا تمثل لها أي تهديد لأنها جبهة هادئة.. ومصدر أساسي من مصادر المياه التي تحصل منها اسرائيل علي ثلث احتياجاتها المائية.. كما أنها مركز سياحي ومصدر مهم للمنتجات الزراعية بالاضافة وهو الأهم المستوطنون الذين وضعتهم اسرائيل هناك منذ احتلالها للهضبة والذين يصل عددهم أكثر من 20 ألف مستوطن يشكلون قوة سياسية رئيسية ضاغطة وقادرة علي عرقلة أي عملية تفاوض مع سوريا. في الوقت نفسه فإن الخبراء يؤكدون أن توازن القوي الجديد في المنطقة أصبح يميل لصالح اسرائيل في وقت يعاني فيه الموقف العربي من حالة تفكك شديد ويتزايد فيه النفوذ والوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.. اختيار هذا التوقيت المفاجيء للاعلان عن وجود محادثات بين سوريا واسرائيل زاد من جملة التوقعات والتكهنات خاصة انه يمثل مفاجأة في ضوء العلاقات المتوترة بين سوريا واسرائيل وسوريا والولايات المتحدة وفي ضوء علاقات سوريا القوية بايران ودعمها لحزب الله في لبنان وحماس والجهاد في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. المتفائلون بحدوث تقدم في ملف المحادثات السورية الاسرائيلية يرون انه يوجد حاليا قناعة استراتيجية لدي اسرائيل وبعد موافقة لجهات في الحكومة والكنيست علي عودة المفاوضات بأن انهاء احتلال الجولان وحالة الحرب والصراع مع سوريا قد يؤدي لتغيير وجه المنطقة خاصة أن سياسة العزل والجفاء تجاه سوريا لم تجد نفعا.. بل عادت بمزيد من الضرر علي مكانة واشنطن في المنطقة وعلي مستقبل اسرائيل والدليل علي ذلك تفاقم العنف والفوضي في العراق، وتدهور الأوضاع في فلسطين، وانفلات الأحداث في لبنان مؤخرا. في الوقت نفسه فإن اسرائيل تهدف من وراء ذلك إلي سحب سوريا من اطار التحالف مع ايران مما يسهل محاصرة واشنطن وتل أبيب لايران وحلفائها في كل من الأراضي الفلسطينية والعراق ولبنان.. ولكن أصحاب هذه النظرة المتفائلة تناسوا ان النظام السوري لن يتخلي عن أوراقه أو مناطق نفوذه قبل أن يتوصل إلي اتفاق سلام شامل بالفعل مع اسرائيل. أما الواقعيون فهم يرون انها ليست إلا مناورة من رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود أولمرت للالتفاف علي الضغوط التي يتعرض لها ولصرف الأنظار عن التحقيقات الجارية معه بتهم التورط في قضايا فساد ورشاوي.. في الوقت نفسه محاولة من اسرائيل لكسب الرأي العام العالمي من خلال الايحاء بأنها تسعي للسلام مع سوريا في الوقت الذي تؤكد فيه جميع الدلائل ان اسرائيل لن تنسحب من الجولان لأن لها أهمية خاصة في منظومة الدفاع الاسرائيلي.. خاصة ان مكتب أولمرت أعلن انه لا يوجد تعهد صريح بانسحاب اسرائيلي من الجولان.. وقالت ليفني وزيرة الخارجية الاسرائيلية بأن علي سوريا أن تقطع علاقاتها مع ايران وحزب الله وحماس لكي يتم التفاوض معها. في الوقت نفسه فإن واشنطن ترفض أن يكون هناك أي نوع من التقارب بين سوريا واسرائيل وبالتالي لن تقدم أي موقف داعم لهذه المفاوضات.. وهو ما يقطع الطريق أمام نجاح هذه المفاوضات خلال هذا العام وقبل أن تأتي ادارة أمريكية جديدة وتفضل أن يتحقق التقدم علي المسار الفلسطيني الاسرائيلي بنهاية هذا العام. استجابة سوريا لهذه المفاوضات رغم انها تدرك جيدا أنها لن تؤدي إلي أي اتفاق سلام أو غيره.. يفسره المحللون بأن سوريا مثل اسرائيل سوف تستفيد من هذه المحادثات في تخفيف الضغوط التي تمارسها واشنطن عليها والتقليل من عزلتها. في الوقت نفسه فإن السوريين يعرفون جيدا أن أولمرت ضعيف ويفتقر إلي الرؤية وهو لا ينوي وضع اتفاق سلام مع اسرائيل أو اقناع الرأي العام الاسرائيلي بفوائده، وتعتقد أن أولمرت يدعي التقدم في المسار السوري بهدف تخويف السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس كي يقدم تنازلات جديدة حتي لا يبقي وحيدا في وجه اسرائيل ويعرفون ان اسرائيل تسعي دائما للسير في أحد المسارات العربية حتي تضرب المسار الآخر. الطريف ان اسرائيل حاليا تحاول تسريب اتفاقها الجديد مع سوريا والذي يطلق عليه ما يسمي 'بدبلوماسية المسار الثاني' من خلال مسودة اتفاق تنص علي استعادة سوريا سيادتها علي هضبة الجولان المحتلة مقابل سيطرة اسرائيلية كاملة علي منابع المياه في الجولان ونزع الصفة العسكرية عنها وتطبيع العلاقات الدبلوماسية ووضع جدول زمني لانسحاب اسرائيلي من الهضبة السورية يتراوح من 5 إلي 15 عاما..!!