تأتي زيارة العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس الأولي لمصر في الفترة بين4 و6 من الشهر الحالي, ترافقه خلالها الملكة صوفيا في إطار زيارة رسمية يقوم بها علي رأس وفد يضم عددا من الوزراء وكبار المسئولين و50 من رجال الأعمال والصناعة في إسبانيا, وتتضمن محادثات كارلوس بمصر لقاءه مع الرئيس حسني مبارك وأمين عام الجامعة العربية عمرو موسي, كما يفتتح معرض ابن خلدون ويشارك في الاجتماع المشترك لرجال الأعمال المصريين والإسبان, وتقوم الملكة صوفيا بزيارة لمستشفي سرطان الأطفال, ترافقها السيدة سوزان مبارك. وتعكس زيارة كارلوس لمصر عمق الروابط التي تربط بين البلدين وحرص إسبانيا علي تنشيط روابطها العربية والمتوسطية.. فهي كانت مقرا لانطلاق عملية مدريد للسلام في الشرق الأوسط في اكتوبر1991. كما شهدت مدينة برشلونة الساحلية انطلاق عملية التعاون الأورومتوسطي في برشلونة عام1995, ولا ننسي الدور الذي لعبه المبعوث الأوروبي للسلام في الشرق الأوسط ميجيل موراتينوس طوال ثمان سنوات في الفترة بين ديسمبر1996 وحتي ابريل2004, وما تمتع به من تقدير جميع الأطراف المعنية في سعيه واتصالاته قبل أن يتم تعيينه وزيرا لخارجية اسبانيا. تأتي زيارة كارلوس لمصر بعد احتفاله أخيرا ببلوغه السبعين.. وكانت تلك المناسبة سببا في تسليط الأضواء علي العاهل الإسباني.. ولنتعرف عليه عن قرب.. هو من مواليد5 يناير1938 في روما حيث كانت أسرته تعيش في المنفي, حيث غادرت اسبانيا عام1931 لدي اعلان قيام الجمهورية وإلغاء الملكية, وينتمي كارلوس لأسرة البوربون العريقة وتعد أعرق عائلة ملكية حاليا بعد الأسرة الملكية اليابانية.. وكان جده الفونسو الثالث عشر هو الذي يتولي الحكم لدي إعلان الجمهورية, وكان والده دون خوان دي بوربون إي باتنبرج دوق برشلونة وعميد الأسرة الملكية الاسبانية منذ تخلي الجد الفونسو عن هذه الصفة. ومن جانبه حرص والد كارلوس علي أن يتعلم ابنه الأكبر خوان كارلوس في وطنه وعاد الابن وهو في العاشرة من عمره ليواصل دراسته حتي أتم دراسته بالأكاديميات العسكرية البحرية والجوية, كما درس القانون الدولي والدستوري والاقتصاد. وقبل أن يتولي كارلوس الحكم عام1975 وتعود معه الملكية كنظام حكم في اسبانيا كان هناك العديد من الأحداث والتطورات.. وقبل أن يخلف كارلوس الجنرال فرانكو الذي حكم بقبضة حديدية البلاد توفي والد كارلوس عام1941 في المنفي بالبرتغال.. وفي عام1948 اتفق فرانكو والأسرة الملكية علي أن تعود الملكية للبلاد بعد رحيله هو وأن يتم إعداد خوان كارلوس الابن الأكبر للحكم. تزوج كارلوس بعد اتمامه دراساته عام1962 في أثينا من الأميرة صوفيا واقاما في مدريد في ذلك القصر الذي مازال يشغله حتي الآن, وقد أصدر الجنرال فرانكو عام1969 قانونا ينص علي عودة الملكية بعد وفاته علي أن يرأس كارلوس الحكومة ويعتلي العرش, وبعد وفاة فرانكو في20 نوفمبر1975 تسلم كارلوس مقاليد الحكم في22 نوفمبر أي بعد يومين من وفاة فرانكو. وفي أول خطاب له بعد توليه الحكم, أعلن عزمه علي استعادة الديمقراطية ونشرها.. ووعد بأن يكون ملاكا لجميع الإسبان دون استثناء, وأصدر كارلوس قانون الاصلاح السياسي عام1976, وفي صيف1977 جرت أول انتخابات ديمقراطية تشهدها اسبانيا منذ عام1936, ووضع البرلمان الجديد مشروع الدستور الجديد الذي أقر في1978, وكان من بين الاهتمامات التي ركز عليها كارلوس تعزيز الروابط مع دول أمريكا اللاتينية في ضوء وحدة اللغة.. وعقد أول مؤتمر لدول أمريكا اللاتينية في المكسيك عام1991, ويتولي كارلوس الرئاسة الفخرية لمجلس أمناء مركز سيرفنتس الذي يقوم بنشر اللغة الاسبانية في العالم أيضا. وقد شهدت فترة حكمه أيضا التوجه نحو أوروبا والحرص علي تعزيز علاقاتها بها والانضمام الي الاتحاد الأوروبي, وبرغم جهوده في نشر الديمقراطية إلا أنه كان هناك محاولة فاشلة عام1981 للاطاحة بالحكم قام بها أنصار النظام السابق. هذا ما يتعلق بمسيرة خوان كارلوس وصولا الي الحكم.. ويري الكثيرون أن حرص الشعب الاسباني علي النظام الملكي إنما مرجعه تقديرهم وحبهم الشديد لملكهم الانسان.. ويذهب البعض في القول الي أن رحيل كارلوس قد يعني زوال الملكية.. ويتفق مع هذا الرأي خوزيه لويس فيلا لونجا كاتب السيرة الذاتية لكارلوس, حيث يقول: إن الإسبان متعلقون بشخص الملك وليس بالمؤسسة الملكية في حد ذاتها, مما قد يعني أن كارلوس قد يكون آخر ملوك اسبانيا علي حد قوله واهتمت مجلة بونته الألمانية ببلوغ كارلوس السبعين.. وفي ضوء اهتمام الألمان الشديد باسبانيا كمقصد سياحي حيث يزورها سنويا نحو12 مليون سائح ألماني أفردت تقريرا أشارت فيه الي أن خوان كارلوس قد تم تعميده لدي مولده في روما قبل بابا الفاتيكان بيوس الثاني عشر, ذلك أن أسرة البوربون التي ينحدر منها كارلوس يعتبرون حماة الكنيسة الكاثوليكية. ويعرف عن كارلوس أنه محب للسلام ويداه غير ملطختين بالدماء كالعديد من أفراد عائلته.. ويحمل أصبعه الخنصر خاتما ذهبيا يحمل الشعار الملكي, واللافت للنظر أن كارلوس لا يمتلك تاجا أو جواهر تاج ملكي.. ويميل لمخاطبة الجميع ببساطة ودون ألقاب, وهو غير مكلف لشعبه ولا يمثل عبئا ماليا عليه إذ يصل متوسط ما يتحمله المواطن الاسباني سنويا19 سنتا كأعباء ملكية.. بينما يصل ذلك المعدل في بريطانيا الي93 سنتا. ويعرف عن كارلوس الي جانب تواضعه وبساطته إظهاره لمشاعره وانفعالاته.. ويعلق هو علي ذلك بقوله: أنا إنسان طبيعي صحيح انني ملك.. لكنني انسان.. واسباني فوق ذلك كله.. ولا أظن أن التعالي والغرور هو الذي يكسبنا الاحترام. ولا تقتصر العراقة علي الملك كارلوس, فزوجته الملكة صوفيا ابنة ملك اليونان السابق تنتمي لنسب عريق ومن جوانب بساطة الملك كارلوس تظهر حكمته التي أوصي بها ابناءه الثلاثة ابنتان وابن واحد وهي أنه لا شئ أفضل لخدمة الاصالة والاحترام من أن يكون الانسان طبيعيا, ويوصي ابناءه بالابتعاد عن الدوائر المتميزة الرفيعة ويدعوهم لمخالطة البسطاء والأذكياء وكانت قناعة كارلوس تلك وراء عدم معارضته لزواج ابنه الأمير فيليب من ليتيسيا برغم أنها مطلقة.. وزواج ابنته من لاعب كرة سلة.