ليس واضحاً إذا كان وضع إيهود أولمرت في ما يتعلق بالشروع في خطوات للتوصل إلى سلام مع سوريا، يشبه وضع الرجل الذي يريد لكنه لا يستطيع، أو الرجل الذي يستطيع لكنه لا يريد، أو الرجل الذي لا يستطيع ويقنع نفسه بأنه لا يريد في مختلف الأحوال. على الرغم من الجهود التي يبذلها، لم يستطع أولمرت أن يتخلّص من صورة المتسرّع الذي يشكّك الآخرون في حسن حكمه على الأمور. قبل عامين، هب مسرعاً لشن حرب في لبنان؛ والآن يبدو أنه يوجّه رسائل سلام إلى الرئيس السوري بشار الأسد، على الرغم من أن رئيس الوزراء أمضى كامل ولايته في رفض الإشارات التوفيقية التي يرسلها الأسد. لكن سواء تغيّر موقف أولمرت فعلاً أو كانت مجرّد خطوة تكتيكية من جانبه، يجدر بنا التوقف عند رد الفعل العام على الأمر. استنتج استطلاع أجراه معهد مينا تزيماك ونشرته "يديعوت أحرونوت" قبل بضعة أيام، أن 32 في المئة فقط من الرأي العام جاهز لانسحاب كامل من مرتفعات الجولان؛ وبين المجيبين اليهود تتراجع هذه النسبة إلى 25 في المئة. ولا يعتبر 74 في المئة من السكان ككل و80 في المئة من السكان اليهود أن الأسد يهتم حقاً بالسلام. وقد تلقّى السياسيون الخبر عن الاتصالات مع دمشق بطريقة تعكس الرأي العام. أعلن ديفيد تال، رئيس لجنة الكنيست والعضو في الحزب الحاكم، أنه يعمل على تنظيم نقاش في أسرع وقت حول مشروع قانون يهدف إلى فرض إجراء استفتاء وطني حول التنازلات في مرتفعات الجولان أو القدس. وهاجم النائب زيف إلكين الذي هو أيضاً عضو في "كاديما"، أولمرت قائلاً إنه يقطع وعوداً لا يستطيع تنفيذها. بحسب إلكين، يعارض أكثر من نصف النواب المنتمين إلى حزب "كاديما" الانسحاب من الجولان. وأعرب أعضاء الحكومة عن صدمتهم لصدور مواقف عن مكتب أولمرت حول هذا الموضوع الجدي من دون مناقشته معهم أولاً. وقد رفض اليمين (بنيامين نتنياهو، يوفال ستينيتز، إفي إيتام) فكرة التخلي عن الجولان في مقابل السلام رفضاً قاطعاً، وكان سكان الجولان واضحين في قولهم إن الموضوع ليس مطروحاً أبداً على النقاش. يسلّط هذا الوضع الضوء على السؤال الآتي: هل يستطيع أولمرت التنفيذ إذا أراد ذلك؟ لن يكون أولمرت في موقع جيد جداً عندما يبدأ المفاوضات مع الأسد لأن الرأي العام لا يدعمه. وعلاوةً على ذلك، ليس واضحاً إذا كان يحق له أن يطلق اتفاقاً مع سوريا - ثمنه هو التخلي عن كامل مرتفعات الجولان - في وقت لا يدعم فيه الإستابلشمنت السياسي والرأي العام هذه الخطوة. حظي مناحيم بيغن بدعم شعبي وسياسي كبير للتفاوض مع مصر، مما يعني أنه كان هناك استعداد للتخلي عن سيناء بكاملها. وكان إسحق رابين في وضع مماثل عندما أجرى محادثات مع الملك حسين حول توقيع اتفاق سلام بين إسرائيل والأردن. وقاد أرييل شارون خطة فك الارتباط مع دعم من غالبية واضحة في الكنيست. لم يحصل شارون تلقائياً على الغالبية بل كان عليه أن يفوز بها، وقد فعل ذلك من خلال بعض الممارسات غير النزيهة (تجاهل موقف مؤسسات الليكود، إقالة وزراء الاتحاد الوطني للحصول على غالبية في الحكومة). لكن لا شك في أن إجلاء قطاع غزة نُفِّذ في إطار من الموافقة التامة. على هذا الأساس، الدرس الذي يجب أن يوجّه أولمرت هو أنه إذا كان يتحلى فعلاً بالإرادة للتوصل إلى اتفاق مع الأسد يمكنه أن يفعل ذلك. يجب أن يقوم بما قام به أسلافه ويفوز بدعم شعبي واسع النطاق لمبادرة السلام التي أطلقها. ومنصب رئاسة الوزراء هو مركز سلطة مناسب يمكن صوغ الرأي العام انطلاقاً منه، وليس أولمرت مبتدئاً في هذا المجال. إذا كان تحقيق السلام مع سوريا من الطموحات الملحّة بالنسبة إلى أولمرت، وإذا كان يتمتّع بخصال القيادة، يستطيع رئيس الوزراء أن يحصل على الدعم العام الذي يحتاج إليه. ومن أجل القيام بذلك، يجب أن يحتل أولمرت وسط المسرح لا أن يعمل فقط من خلف الكواليس. يعني هذا أن عليه إنشاء ائتلاف مستقر لدعم مبادرة السلام، والحصول على الدعم من المؤسسة الدفاعية، وتحضير الرأي العام للتنازلات التي ستترتّب عن المفاوضات في حال نجاحها. ليست البداية السيئة بالضرورة مؤشراً عن النتائج المتوقّعة. حتى الأمثلة المضادة - اغتيال إسحق رابين وسقوط إيهود باراك السياسي بعد المفاوضات مع الفلسطينيين لا تتناقض مع الجوهر الذي يجب أن يسعى إليه أولمرت قبل أي شيء آخر.