هل تفكر في التخلص من هاتفك المحمول؟ فكر ثانية.. فربما ينبغي عليك أولا أن تنقب فيه عن الذهب والفضة والنحاس ومجموعة من المعادن الاخرى الداخلة في تركيب الالكترونيات بداخلة والتي ارتفعت أسعار كثير منها الى مستويات قياسية. ويطلق على هذا النشاط اسم "التعدين الحضري" وهو البحث في المعادن الخردة في المنتجات الالكترونية القديمة عن معادن كريمة مثل الذهب والايريديوم، وانتشر في أنحاء العالم مع صعود أسعار المعادن إلي مستويات قياسية. وللمعادن التي يتم استخلاصها استخدامات كثيرة، فقد تستخدم في صناعة أجزاء الكترونية جديدة أو صهرها وبيعها لصانعي المجوهرات والمستثمرين وكذلك المصنعين الذين يستخدمون الذهب في صناعة لوحات الدوائر الكهربية بالهواتف المحمولة نظرا لان الذهب موصل فائق للكهرباء. وتشير دراسة لشركة "يوكوهاما ميتال"، وهي شركة عاملة في مجال التدوير، ان الطن الواحد من الخام المستخرج من منجم للذهب ينتج 5 جرامات فقط من المعدن الثمين، في حين ينتج الطن من الهواتف المحمولة المهملة 150 جراما أي حوالي 5.3 أوقية (أونصة)، كما يحتوي الطن من الهواتف المحمولة المهملة على نحو 100 كيلوجرام من النحاس و3 كيلوجرامات من الفضة بالاضافة الي معادن اخري. واكتسبت صناعة التدوير أهمية مع الصعود الكبير لأسعار المعادن، فالذهب يجري تداوله قرب 890 دولار للاوقية (الاونصة) بعدما وصل الى مستوى قياسي بلغ 1030.8 دولار في مارس/ اذار 2008، كما يتم تداول النحاس والقصدير قرب مستويات قياسية، وتجاوزت الفضة متوسطات طويلة الاجل لأسعارها. وتدوير الالكترونيات أمر منطقي بالنسبة لليابان التي تملك موارد طبيعية قليلة لتغذية صناعة الالكترونيات لديها والبالغ حجمها مليار دولار في حين توجد بها سنويا عشرات الملايين من الهواتف المحمولة القديمة وغيرها من الالات الالكترونية الاستهلاكية المهملة. وقال نوزومو ياماناكا مدير مصنع التدوير التابع لشركة "ايكو سيستم" حيث يتم تفكيك اكوام من الهواتف المحمولة المهملة وغيرها من الالات الالكترونية بسبب قيمتها المعدنية، ان الالات القديمة بالنسبة للبعض ما هي الا جبل من القمامة، لكن بالنسبة لاخرين فهي منجم ذهب. وفي المصنع الكائن في هونجو على بعد 80 كيلومترا جنوب غربي العاصمة طوكيو، ينساب شريط من الذهب المصهور إلي قالب حيث يتعرض للحرارة لبعض دقائق قبل أن يتحول الى الحالة الصلبة ليتشكل قالب يزن 3 كيلوجرامات من الذهب بقيمة تبلغ نحو 90 ألف دولار. وتبدأ العملية بفرز وتفكيك الالكترونيات المهملة وغيرها من المخلفات الصناعية الاخرى باليد، م يتم وضعها في مواد كيماوية لاذابة المواد غير المرغوب فيها ثم يتم بعد ذلك تكرير المعادن المتبقية. وتأسست شركة "ايكو سيستم" قبل حوالي 20 عاما قرب طوكيو وتنتج شهريا ما بين 200 و300 قالب من الذهب بدرجة نقاء 99.99% وبقيمة تتراوح بين 5.9 و8.8 مليون دولار، وهو مايعادل انتاج منجم ذهب صغير. وتستخلص الشركة الذهب أيضا من رقائق الذاكرات القديمة والكابلات وحتى الحبر الاسود الذي يحتوي على الفضة والبلاديوم. وبالرغم من تزايد الاهتمام بالبيئة واعادة التدوير الا أن هذه الصناعة تواجه مصاعب جمة في الحصول على ما يكفي من الهواتف المحمولة المهملة لتغذية مصانعها. ويستخدم سكان اليابان البالغ عددهم 128 مليون نسمة الهواتف المحمولة لمدة تبلغ في المتوسط عامين وثمانية أشهر. وقال يوشينوري ياجيما المدير بوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية، انه رغم أن عددا كبيرا من الهواتف المحمولة يتخلى عنها أصحابها سنويا الا أن ما بين 10% و20% فقط يعاد تدويرها لان الناس عادة يفضلون الاحتفاظ بها في خزانات ملابسهم بسبب مخاوف بشأن البيانات الشخصية المخزنة عليها. وتشير أرقام صناعية الى أنه تم جمع 558 طنا من الهواتف المحمولة القديمة بهدف تدويرها في العام المنتهي في مارس/ اذار 2008، بانخفاض بلغ الثلث عما تم جمعه قبل ذلك ب3 سنوات. وعلي صعيد آخر، فإن ارتفاع اسعار المعادن يدفع الصناعة اليابانية الي منافسة متزايدة على الخردة وهو ما يؤدي الى ارتفاع أسعارها، وهو ما يدفعها لإستيراد لوحات الدوائر الكهربية المستعملة من سنغافورة واندونيسيا نظرا لانها تحتوي أيضا على معادن رخيصة تحرص اليابان بشكل خاص على استخلاصها. وهذه المعادن مثل الانديوم - وهو عنصر أساسي في انتاج التلفزيونات ذات الشاشات المسطحة وشاشات الكمبيوتر - والانتيمون والبزموت لا غنى عنها في صناعة كثير من المنتجات عالية التقنية. غير أنه ليس من السهل دائما الحصول عليها حيث شددت الصين القيود على الصادرات مما جعل من الصعب على المصنعين اليابانيين شراءها، وهذا سبب دخول شركات "التعدين الحضري" هذا المجال. (رويترز)