كانت ولا تزال تمثل صندوق الكنوز المصرية المدفونة تحت الرمال , وبين الجبال وتعرجات السهول والوديان علي ارضها .. انها الصحراء الشرقية المصرية. والتى تبلغ مساحتها اكثر من 223 الف كيلو متر مربع والتى ساهمت عبر الاف السنين فى بناء الحضارات الانسانية بثرواتها المعدنية من ذهب ونحاس وحديد ومعادن الزينة النادرة او زهور المعادن كمايطلق عليها من من زمرد وزركون وياقوت ,ولازرود وزبرجد وفيروز وغيرها لذلك كانت طوال تاريخها مرتعا خصبا اامغامرين والمكتشفين الاوروبيينورغم دورها المهم في تاريخ الحضارة والاقتصاد المصري, فإن صناعة التعدين و التحجير علي كنوزها المعدنية وبالذات الذهب تراجعت منذ العصر البطلمي. وتراجع بالتالي دورها في التنمية الاقتصادية والبشرية, رغم انها يمكن ان تحل عقدة البطالة التي يعاني منها الاقتصاد المصري, اذا ما تم توظيف معادنها وكنوزها في الصناعة, التي يمكن ان تقام عليها عشرات الانشطة الاقتصادية, بشرط الاعتماد علي استراتيجية علمية توظف عوامل راس المال والخبرة والتكنولوجيا الحديثة في اقامة صناعات متقدمة في مصر بدلا من تصديرة المعادن والاحجارها الكريمة واحجار الزينة وفي مقدمتها الرخام كمواد خام.. و أخيرا بدأت الحكومة في اتخاذ بعض الخطوات التي تصب في هذا الاتجاه وان كانت عمليات التنفيذ تتم ببطء, وذلك بعد ان قامت بضم هيئة المساحة الجيولوجية الي وزارة البترول والثروة المعدنية, وانشاء مجلس اعلي لعلماء التعدين, يضم12 شخصية علمية من مختلف التخصصات, يراسه العالم والجيولوجي المعروف الدكتور محمد لطفي عبد الخالق, العميد السابق لكلية علوم القاهرة, حيث يقوم هذا المجلس بدراسة عدا من الملفات الخاصة بمشاريع التعدين التي يمكن تنفيذها, ويرفع عنها تقارير ودراسات لوزير البترول والتعدين, وكان قد صدر قرار جمهوري بانشاء12 منطقة صناعية لمشاريع التعدين الثقيلة, وذلك ضمن خطة لانشاء24 منطقة تعدينية. وتبلع المساحة الاجمالية المخصصة للمناطق الاثنتي عشرة7,4 مليون متر مربع تقريبا, موزعة علي كل من الواحات, وطريق الصعيد/ البحر الاحمر, ومحافظات: المنيا, وبني سويف واكتوبر والسويس, حيث يمكن ان تلمع خلال السنوات المقبلة اماكن مثل برنيس والعلاقي ووادي سريرية وجبل غراب وعتاقة, اذا ما نجحت وزارتا الاستثمار والصناعة في جذب استثمارات محلية ودولية الي هذه المناطق لتفتح من جديد صندوق كنوز المعادن المصرية بالصحراء الشرقية المصرية, و بحيث لا يقتصر البحث والتنقيب علي إكتشاف الذهب والفوسفات فقط, ولكن ايضا علي معادن اخري كثيرة يتزايد عليها الطلب الآن في الصناعة و وتزداد مساهمتها في التجارة الدولية, وتملك مصر امكانيات واحتياطيات كبيرة منها. واليوم يحتل الحديد المرتبة الاولي في التجارة الدولية للمعادن, يليه الألومنيوم, ثم النحاس والزنك والرصاص والقصدير, وايضا الفوسفات, بالاضافة الي ما يعرف بزهور المعادن, واحجار الزينة المهمة وفي مقدمتها الرخام الذي تملك مصر منه امكانيات كبيرة ومتنوعة الالوان في اسوان والصحراء الشرقية, يمكن ان تقوم عليه صناعات عديدة بدلا من تصديره خاما الي الصين واوروبا. وفي هذه الرحلة علي الورق, و في هذا الحوار الخاص مع الدكتور محمد لطفي عبد الخالق, نعيد اكتشاف امكانيات صندوق كنوز المعادن المصري, وكيفية استغلاله بطريقة سليمة لصالح التنمية الوطنية الشاملة.. بردية تورين لقد كانت مصر في تاريخ الحضارة البشرية من أولي الدول و الشعوب التي قادت العالم القديم للتحول من العصر الحجري الحديث الي عصر استخدام المعادن من نحاس وبرونز وحديد, وفي عهد الملك سيتي الأول اعد المصريون اول خريطة منجمة في العالم, والمعروفة باسم بردية تورين, والتي ترجمها عن الهيروغليفية العلامة جاردنر في عام1914. وتشير هذه الخريطة الي مناجم الذهب في منطقة درهيب في وادي العلاقي علي طريق الصعيد البحر الاحمر حاليا, حيث عثر علي بئر مياه ومعبد لسيتي الاول في هذه المنطقة. وقادت مصر تحول الحضارة البشرية من الحجر الي النحاس لمدة استمرت حوالي2000 سنة, وكذلك الي التحول الي عصر البرونز منذ5 الاف سنة قبل الميلاد. أما صناعة الحديد او استخراجه من التراب فقد تم أيضا علي الارض المصرية منذ1200 سنة قبل الميلاد, وذلك بعد ان اعتمد العالم القديم, ومنهم المصريون القدماء, علي حديد النيازك الذي يسقط من السماء او ما كان يعرف باسم الحديد الالهي او السماوي كما كان يطلق عليه منذ3500 سنة قبل الميلاد, فقد تمكن المصريون القدماء من استخلاص الحديد من التراب المصري منذ حوالي2000 سنة قبل الميلاد, حتي كان ينظر إلي مهنة الحداد باعتبارها من انبل المهن في ذلك الوقت, فقد كانت هذه مهنة النبي داود عليه السلام, الذي يقول عنه الله في القران الكريم.. و النا له الحديد. ورغم تدهور صناعة التعدين لفترات وحقب زمنية طويلة, توقفت منذ العصر البطلمي حتي بداية القرن التاسع عشر, فإنه بعد انشاء هئية المساحة الجيولوجية في عام1896, واصدار اول خريطة جيولوجية مصرية عام1910, تم تحديثها بعد ذلك بعدة خرائط اخرها في عام1971- كان من المفروض ان تعطي مصر لعمليات التعدين واقامة صناعات علمية اهمية اقتصادية وتكنولوجية لتنويع مصادر الاقتصاد القومي وتخفيف حدة الطلب علي العمل في القطاعات التقليدية المولدة للتوظيف مثل قطاع الزراعة. ولم يلتفت الي اهمية التعدين وكنوز المعادن من جديد الا علي شعاع بريق الذهب المصري, الذي بدا يلمع من جديد, بعد ان بدأت تنفد احتياطيات الذهب في مناجم جنوب إفريقيا وغيرها, وكذلك الارتفاع الكبير والقياسي لاسعار الذهب العالمية بسبب زيادة الطلب الصناعي وصناعة الحلي الذهبية علي الذهب الفطري او الخام, لذلك اتجهت بعض الشركات العالمية الي مناجم الذهب المصرية القديمة لاستخراج الذهب بأساليب تكنولوجية حديثة من اعماق كبيرة. لقد كانت مصر تملك في عصورها القديمة الحقب الفرعونية اكبر احتياطي من الذهب في العالم القديم, وتذكر كتب تاريخ الجيولوجيا المصرية ان المصريين القدماء اكتشفوا وحفروا حوالي95 منجما. وفي هذا الصدد قال لي الدكتور عبد الخالق: اننا لم نكتشف مناجم جديدة للذهب غير التي اكتشفها واستغلها المصريين القدماء. وكان المصريون القدماء يحصلون علي الذهب الفطري من خلال حش عروق المرو الكوارتز وباعماق تتراوح بين15 و20 مترا, الا ان الشركات التسع التي تنقب عن الذهب الان تحصل علي الذهب من خلال الصخور الموجودة حول عروق المرو في منطقة البرانية بالذات, حيث تقوم هذه الشركات بطحن كل الصخور حول العروق واستخدام المحاليل الكيميائية في الحصول علي الذهب. ويذكر الجيولوجي المعروف الدكتور محمد عوض الله في كتابه البديع, الذي سجل فيه رحلاته الجيولوجية في صحراء مصر الشرقية, ومن خلال الدراسات التي اجريت, ان المصريين القدماء استخرجوا الذهب في زمن الاسرة التاسعة عشرة من اعماق كبيرة تراوحت بين70 و80 مترا تحت سطح الارض, وان المناجم كانت في ذلك الوقت عبارة عن فتحات ضيقة يدلف اليها العامل بالكاد, ثم ياخذ في حش عروق المرو الحامل للذهب, ولم تكن هناك فتحات للتهوية اوللتخلص من المياه الجوفية اذا ما ظهرت, لذلك كان العامل يموت وهو جالس القرفصاء, وكان يتم استخلاص الذهب عن طريق كسر العروق وتنعيمها علي حكات صلبة. اما صخر المرو الحالي, فانه يحتاج الي مطاحن كهربائية لكسره. وقد استخدم البطالمة الحديد والنار لتفتيت عروق المرو للحصول علي الذهب من مناجم منطقة واوات في النوبة واسوان وادفو وقفط وقنا. التنتالم وصناعة سفن الفضاء ويقول الدكتور عبد الخالق تعليقا علي ذلك: ان هناك مناطق كثيرة بالصحراء الشرقية يمكن ان يستخرج منها الذهب, ولكن يجب الا نركز فقط علي استخراج الذهب, فهناك معادن اخري في الجبال وباطن الوديان المصرية بهذه الصحراء اصبحت الان مطلوبة في الصناعة مثل التنتالم, الذي يعتبر من الفلزات النادرة المتواجدة في التربة المصرية مثل الزركون, والثوريوم والنيوبيوم وكذلك الانتيمون والزرنيخ والبريليوم. ويعتبر التنتالم من المعادن المستقبلية والضرورية في الصناعة لمقابلة متطلبات عصر الفضاء. ويعتبر فلزا صناعيا مهما نظرا لمرونته وتماسكه, واحتماله للسحب والشد, وله صلابة ومقاومة فائقة للتاكل بالاحماض, ويدخل ضمن سبيكية الصلب المستخدمة في صناعة الطائرات وسفن الفضاء, وبخاصة الاجزاء التي تتعرض لدرجات حرارة فائقة, كما يستخدم الان في صناعة المناشير والات الخراطة ذات السرعات الفائقة, وتقارب صلابته صلابة الماس. الاهتمام بالنحاس هل يعود ؟ لقد اهتم المصريون القدماء القدماء بالنحاس واستخراجه, واستخدامه في في صورته الفطرية في عصر النحاس منذ حوالي10 آلاف سنة حيث استمرت حضارته لحوالي2000 سنة, قبل ان يحل مكانها عصر البرونز ثم بعد ذلك عصر الحديد الحالي. و تندرج مصر الآن ضمن الدول التي بها رواسب من النحاس والرصاص والزنك, وذلك في المناطق الواقعة جنوب الصحراء الشرقية في منطقة ام سميوكي, كما يوجد النحاس ايضا في منطقة منجول في شمال الصحراء الشرقية, اما رواسب الرصاص فانها توجد علي امتداد السهل الساحلي للبحر الاحمر بين القصير ومرسي علم. وحسب ما ذكره الدكتور محمد عوض الله في رحلاته الجيولوجية في هذه المناطق, فان رواسب النحاس والرصاص والزنك تظهر متشابهة في مناطق الانسحاق او الانزلاق شرق وغرب صحراء مصر الشرقية, وهي مناطق قاطعة للصخور البركانية المتحوله في منطقة الدرهيب, حيث وجد في هذه المنطقة بالتحديد ليس فقط النحاس, ولكن ايضا الكوبلت. الفوسفات واليورانيوم و في هذا الصدد, سألت الدكتور محمد لطفي عبد الخالق عن الدراسات التي اجرتها الوزارة عن استغلال مناجم فوسفات ابو طرطور ؟ فيقول: لقد اجرينا دراسة مستفيضة عن ذلك, خاصة ان احتياطيات مصر كبيرة من هذا المعدن, و لكن استغلاله يجب ان يتم بطريقة اقتصادية تراعي متغيرات السوق وأري ان يتم استغلال هذا الخام بالتدريج. ويعتبر خام الفوسفات عالي الجودة هو الخام الذي تصل فيه نسبة تركيز ثلاثي فوسفات الكالسيوم الي اكثر من78%, ومتوسط الجودة ما بين87% و68%, والمنخفض الجودة لاقل من68%. ويستخدم في صناعة الاسمدة والمخصبات الرزاعية. ويتركز خام الفوسفات في مصر اكثر في هضبة السباعية, التي تقع ضمن حزام الخامات الفوسفاتية, والممتد من ساحل البحر الاحمر في نطاق سفاجا القصير حتي وادي النيل بين مدينتي قنا وادفو شرق النيل وغربة, والي منطقة ابو طرطور بواحة الخارجة. ويعتبر منجم الحمراوين اكبر منتج للفوسفات الصخري في مصر حاليا, ويعتبر ضمن مجموعة مناجم القصير بالقرب من ميناء القصير. وسألت الدكتور عبد الخالق عن حقيقة وجود اليورانيوم مع خام الفوسفات خاصة في منطقة ابوطرطور, وامكانية الاستفادة منه في مشاريع المحطات النووية ؟ فقال: بالفعل اليورانيوم يتواجد مع الفوسفات, ولكن ليس كل فوسفات, وقد وضع الروس في الستينيات خطة لاستخلاصه من فوسفات ابو طرطور, الا ان المشروع توقف, وعملية الاستخلاص عموما تحتاج الي خبرة, لانه عندما تستخلص اليورانيوم تستخلص معه يتريوم وعناصر اخري, ولكل معدن طريقة استخلاص ويحتاج الي خبرة كبيرة. ومن وجهة نظري لا بد من تكوين اختصاصيين في كيفية استخراج واستخلاص اليورانيوم والعناصر الاخري, وهذه مسألة تحتاج الي وقت وخبرة خاصة ان عملية تكوين كوادر جديدة توقفت منذ40 سنة. اقتصاديات تعدين الحديد واذا كان الحديد يحتل المركز الاول في تجارة المعادن الدولية, علي اعتبار ان العصر الحالي هو في الواقع عصر الحديد, فان الصحراء الشرقية المصرية زاخرة بتكوينات الحديد الطباقية في رواسب الخامات المتحولة في اكثر من13 موقعا من ابرزها ابو مروات, ووادي كريم, ووادي الدباح, وام خميس الزرقاء, وام نار, وجبل الحديد. ومن وجهة نظر الدكتور عبد الخالق: انه اذا كانت مواقع وجود الحديد معروفة للجيولوجيين, فان المسألة تحتاج الي دراسات تفصيلية لتحديد المواقع التي يمكن استخدامها, مع ضرورة وجود مياه وغاز وامكانيات معيشية في المنطقة التي سيقام بها المصنع, وكذلك تحديد كيفية نقل الحديد, كما لابد من اجراء دراسات اقتصادية حول جدوي استغلال الحديد في هذه المناطق.