النفايات الصناعية, هكذا كانوا يطلقون عليها وكان التخلص منها يسبب مشكلة كبيرة, ولكن بعد الازمة الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار المعادن, فرضت الخردة نفسها علي الساحة الصناعية إلي أن وصلت من قاع الهرم الصناعي إلي قمته. ومع تزايد أسعارها العالمية لجأ الكثير من التجار إلي تصديرها سعيا وراء الربح السريع بالشكل الذي هدد الصناعات المحلية بالبوار, وأدي إلي أرتفاع اسعار الكثير من المنتجات لدينا. ومع تزايد شكاوي اتحاد الصناعات متمثلا في غرفتي الصناعات المعدنية والهندسية من خطورة الامر علي الصناعة المحلية وفي ظل هذا قامت وزارة التجارة والصناعة بفرض الرسوم علي الخردة التي يتم تصديرها ولكنها غير رادعة في كثير من الاوقات خاصة أثناء ارتفاع أسعارها العالمية, مما أوجب طرح التساؤلات حول مدي احتياج الصناعات المحلية للخردة وخطورة نقصها عليها.. ولمذا لا يتم إصدار قرار بمنع التصدير.. وهل توجد استرتيجية لدي الاجهزة المعنية للتعامل معها؟ مشكلة دائمة يقول المهندس محمد سيد حنفي مدير عام غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات: إن جميع المصانع لدينا تعتمد علي خردة المعادن بجميع أنواعها, حيث ان الخردة نوعان منها معادن حديدية التي بلغ حجم التجارة العالمية لها عام2003 حوالي58 مليون طن, ذهب منها إلي الصين بمفردها تسعة ملايين طن, وتعتبر خردة الحديد مادة أولية أساسية في شحنة الافران الكهربائية, كما ان الكميات المتاحة لدينا من خردة الحديد لا تتعدي نسبة10% من الاحتياجات المحلية وتقدر بحوالي200 الف طن تباع إلي المصانع المحلية, بينما يتم أستيراد2,5 مليون طن خردة حديد. ويضيف ان العائق الفعلي يتمثل في خردة المعادن غير الحديدية مثل خردة النحاس و الالمونيوم والرصاص والزنك التي ليس لها مصدر الا تدوير الخردة, حيث إننا غير منتجين لهذه الخامات, ومع الارتفاعات المتتالية في الاسعار خلال عام2008 حيث وصل طن الخردة إلي ما يزيد علي650 دولارا امريكيا مقابل70 دولارا في منتصف الثمانينيات, وفي كثير من الاوقات لجأ التجار إلي التصدير أملا في الربح السريع, مما أدي إلي انخفاض الكميات المتاحة في السوق المحلية بالشكل الذي أثر علي سعر المنتج النهائي مما صعب علي المصانع الاستمرار في الانتاج لعدم وجود المستهلك. رسوم غير كافية ويضيف ان الرسوم التي قامت الحكومة المصرية بفرضها علي تصدير الخردة مع ارتفاع أسعارها العالمية علي جميع انواع الخردة تختلف حسب نوعية المعدن, فنجد تصدير طن الحديد يتكلف خمسمائة جنيه, وطن النحاس يتكلف4500 جنيه وكان هذا الاجراء لمنع الاستنزاف الدائم لعمليات التصدير, ومع ذلك لم تتوافر بالشكل الكافي, حيث بدأ التحايل في أعمال التصدير بتحويلها إلي قوالب وكتل واشكال بسيطة باستخدام وحدات صهر بدائية بورش سبك عشوائية للتهرب من دفع رسوم التصدير, ويوضح المهندس حنفي أن صادرات النحاس في تسعة شهور عام2010 وصلت عشرة ملايين دولار مقابل أربعة ملايين من العام الماضي, وبلغت صادرات الرصاص في نفس الفترة نفسها تسعة ملايين ونصف المليون مقابل أربعة ملايين, ونصف المليون مما ينذر بخطورة علي صناعتنا المحلية. قرار وزاري ويقول المهندس محمد فريد حسنين عضو مجلس ادارة بغرفة الصناعات الهندسية: ان الخردة تؤثر علي الصناعات المحلية من خلال المساهمة في غلاء الخامات المستخدمة, حيث يتوقع الموردون زيادات في الاسعار في فترة ما, مما يؤدي إلي التباطؤ في تلبية احتياجات المصانع المحلية بالكمية الازمة وفي الوقت المحدد مما بسبب عدم الالتزام بعقود التوريد الامر الذي صاحبه ارتفاع في أسعار المنتجات وانخفاض الطلب وصعوبة التسويق وارتفاع المخزون بتلك الشركات, وأن عملية فرض رسوم علي عمليات تصدير الخردة لم تعد كافية, لذلك لابد من وجود قرار وزاري من وزير التجارة والصناعة بمنع التصدير, مع مراعاة فروق الاسعار بين السعرين المحلي والعالمي لعدم تكبد الخسائر. استراتيجية تنموية وتطالب غرفة الصناعات الهندسية بضرورة وجود استراتيجية تنموية في مجال التعامل مع الخردة, لعدم البحث عن مصدر لتصديرها إلي الاسواق بطرق قانونية أو غير قانونية, ان بعض الدول العربية لجأت إلي الحد من تصديرها من خلال فرض الرسوم علي الصادرات بالاضافة إلي وجود التشريعات في معظم الدول العربية لمنع تصدير الخردة باعتبارها سلعة استراتيجية بالشكل الذي لايتعارض مع الاتفاقيات الدولية مثل الجات, حيث نجد السعودية لاتسمح بتصدير خردة السيارات وتحتفظ بها لاستخدامها يوما ما بعد نضوب البترول كصناعة, وتحذر ان السياسات الاقتصادية الجديدة القائمة علي التحرير لن تسمح بإغلاق الابواب امام عملية التصدير, مما ينجم عنه عجز متزايد في توفيرها. وتري في هذه الحالة ضرورة السعي في انتاج بدائل للخردة علي اساس اقتصادي, في مقدمتها الاهتمام بصناعة استرجاع الخردة القائمة علي الاستفادة من الموارد المتاحة واعادة استخدامها مجددا, حيث اصبحت صناعة الاسترجاع تلعب دورا مهما في تطوير العديد من الصناعات الاخري وفي تحقيق الاستغلال الامثل لما كان يطلق عليه اسم نفايات وتحويلها إلي سلع تجارية, وصناعة تلبي احتياجات الصناعات المعدنية وغيرها من الصناعات التي تعتمد علي تدوير الخردة, كما أن تطوير صناعة الاسترجاع سوف يخفف من مظاهر التلوث البيئي ويحافظ عليها بشكل نظيف. إعادة تقييم الرسوم ويقول المهندس جمال العايدي عضو مجلس ادارة بغرفة الصناعات الهندسية ورئيس لإحدي شركات الالمونيوم: إن تصدير الخردة في صورتها الاولية يضر بالصناعة المحلية, حيث يتم حرمان صناعات كثيرة من الاستفادة من هذه الموارد بالشكل الذي يضطرها إلي الاستيراد من الخارج, مما يزيد من سعر المنتج المحلي ولايقدر المستهلك علي شرائه. ويضيف انه لابد من اعادة تقييم الرسوم التي فرضها علي التصدير بناء علي مدي احتياج السوق المحلية لها, حيث نجد أنواعا الطلب عليها غير متزايد فلا مانع من من تصديرها وتقليل الرسوم المفروضة علي تصديرها, وأنواع أخري نحتاجها في السوق المحلية وبها عجز مما يستدعي زيادة الرسوم بصورة تعجيزية للمصدرين أو منع تصديرها مثل مايحدث في كثير من البلدان العربية. ويري أن غرفتي الصناعات المعدنية والهندسية عليهما دور كبير للقيام بعملية اعادة هيكلة هذه الصناعات, مع إعادة النظر في القوانين المنظمة لتزويد رسوم الصادر علي المعادن التي نحتاجها. سهولة التحايل ويقول دكتور حمدي عبدالعظيم الخبير الاقتصادي الخردة عماد الاقتصاد القومي, وعملية تصديرها تدمير للاقتصاد, وأنه يجوز منع تصديرها بهدف حماية الاقتصاد بالرغم من وجود اتفاقية الجات التي تمنع الدول الموقعة عليها ومصر من ضمنها من حظر تصدير أي منتج أو سلعة, حيث تكون جميع الاسواق مفتوحة. ويضيف أن معظم الدول تخالف هذه الاتفاقية, كما اننا منعنا تصدير الاسمنت لمدة ستة أشهر أثناء عدم توافره بالسوق المحلية بهدف تحقيق الاكتفاء داخل الأسواق, كما يمكن تشديد الاجراءات الخاصة بعملية التصدير بحيث تقلل من كمية التصدير, ويقول دكتور أحمد فهمي نائب مدير مركز الحد من المخاطر البيئية بجامعة القاهرة ان عملية تدوير الخردة فكرة اقتصادية, حيث تتم المحافظة علي البيئة ولكن مشكلة تدويرها تكمن في المخلفات التي تنتج بعد استخدامها, ولذلك يجب ان يكون تدويرها بنظام تكاملي, بحيث يتم الاستفادة من جميع مكونات الخردة. القرار الاقتصادي ويقول نبيل امام رئيس الادارة المركزية للتصدير بوزارة التجارة والصناعة: إن القانون رقم118 لسنة1975 المسئول عن تنظيم عمليات التصدير وضع نصوصا عن طريقها أجاز فرض رسوم صادر علي بعض السلع التي يحددها نتيجة للظروف الاقتصادية, واحتياج السوق المحلية لها, ومنها خردة المعادن التي لاتنتج في مصر, حيث تكون أسعارها مرتفعة فتجد المصانع مشاكل في توفيرها بأسعار مناسبة, كما أنه يؤدي إلي تشجيع المستثمرين علي استخدام هذه الخامات في الصناعة بدلا من تصديرها بشكل خام وبالتالي ترتفع القيمة المضافة لتصنيع هذه الخامات, بالشكل الذي يعود علي الاقتصاد الوطني بالفائدة عن طريق إيجاد فرص عمل جديدة. ويضيف ان هناك اتفاقيات مع المنظمات العالمية تفرض عدم وضع أي قيود علي عملية التصدير للخردة, حيث تلجأ إلي فرض رسم صادر بما يحدد من عمليات التصدير, ويتم تقدير قيمة الرسوم وفقا لدراسات مع الجهات الفنية مثل اتحاد الصناعات بالشكل الذي يسمح بتحقيق هامش ربح مناسب. وأوضح أن القرارات الاقتصادية التي يتم إصدارها تكون محددة المدة الزمنية, حيث يتم تعديلها كلما اقتضت الظروف, ووفقا لاسعار الخردة العالمية سواء بالزيادة أو النقص, كما تتم متابعة الصادرات خلال فترة سريان القرار مما يستوجب زيادة رسم الصادر أو اضافة أنواع جديدة. وأشار إلي أن السلع تتغير أسعارها وفقا لظروف البورصة, حيث يتم قياس متوسط زيادة السعر ولايتم السعي وراء الانخفاضات المفاجئة فلابد أن يكون التغيير لفترة معينة وبناء عليه يتم فرض رسوم الصادر, حيث تتم زيادة رسم الصادر علي الالومنيوم من تسعمائة جنيه إلي ألف جنيه, فالقرارات الاقتصادية تصدر لمدة محددة ويتم تعديلها وفقا للتغيرات في الأسعار العالمية, وصدر آخر قرار يفرض رسوما علي تصدير الصفيح الكبس وقدره خمسمائة جنيه.