جرب أن تدخل كلمة الصين أو الخطر الصيني في موقع من مواقع البحث علي شبكة الإنترنت, ثم أنقر علي لوحة المفاتيح, لتغرق في طوفان من الدراسات والمقالات الدائرة حول ماتجسده بكين من خطورة علي مستقبل عالمنا. الموجة الجديدة من موجات الطوفان كانت استطلاعا للرأي العام الأوروبي أجرته صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية, حيث ذكر أن35% من الأسبان والفرنسيين والألمان والإيطاليين يعتبرون أن الصين تشكل تهديدا للاستقرار العالمي, أكثر مما تمثله الولاياتالمتحدة وإيران وكوريا الشمالية. التعامل المنطقي مع نتائج الاستطلاع تحتم وضعه في سياق إحساس أوروبي بصداع مؤلم جراء إغراق أسواقها بمنتجات صينية تلقي رواجا وإقبالا من المواطنين الأوروبيين, وهو ماينتج عنه اختلال رهيب في الميزان التجاري لمصلحة بكين بطبيعة الحال. غير أن هذا الاستطلاع وأمثاله يضعنا وجها لوجه إمام فوبيا الصين السائدة في الدوائر الأمريكية والأوروبية والجاري استغلالها وتضخيمها لعوامل سياسية واقتصادية, وليست تلك المشكلة, لكن لأننا نكرر عبارة الخطر الصيني بدون أن تستوقفنا نقطة حيوية تتمثل في من الذي تهدده الصين بالضبط, ومن أي زاوية, وهل نحن معنيون بهذا الأمر أم لا؟ بداية الجواب ستكون في الإشارة الي أن الصين نجحت في تطوير تجربة فريدة في التنمية الاقتصادية لم يكن يتوقع أن تبلغ مابلغته في وقتنا الراهن, وكان مفاجأة للعالم أن بكين حجزت لنفسها مقعدا مريحا بين الكبار مع نمو اقتصادها بمعدل10% سنويا. وتكتمل الصورة بمعرفة أن إجمالي الناتج المحلي الصيني في2007 كان3,249 تريليون دولار, وتحولت الصين لمصنع كبير للعالم, حيث تستقطب المزيد والمزيد من الاستثمارات الأجنبية التي بلغت75 مليار دولار في2007, ونقلت المئات من الشركات العالمية الكبري خطوط إنتاجها للمدن الصينية, واستثمرت5 آلاف شركة وشخص من الصين أموالا في172 دولة العام الماضي, كما تمتلك بكين ماقيمته300 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية. الأهم أنها تنتج أعدادا متزايدة من العلماء والمهندسين, ففي2003 أصبحت ثالث دولة في العالم ترسل إنسانا للفضاء الخارجي, وميزانيتها للبحث العلمي تنمو باطراد, وتجري تجارب لاتتوقف في مجالات التكنولوجيا البيئية, والطاقة النووية المخصصة للاستخدامات المدنية, والهندسة البيولوجية, هذا خلفا لكونها من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي, ولها تأثير محسوس في مجريات التصدي للأزمات الدولية والإقليمية. أن كانت المعلومات السالفة تفصح عن شيء له دلالة, فأنها تكشف عن أن الصين قفزت فوق الحواجز لتبقي في المقدمة, وتضخيم الحديث عن خطرها يرتبط بعاملين, الأول أن بكين مالكة لجيش قوامه2,5 مليون جندي وتنفق45 مليار دولار علي الدفاع. العامل الثاني أن القوة الاقتصادية الصينية خلقت لبكين الحق في المطالبة بثقل سياسي وعسكري يوازي ثقلها السياسي, وهو ما لايريح أمريكا والقوي الغربية المتحالفة معها, ويجعلهما يوظفان خوفهما من مزاحمة الصين لهما سياسيا واقتصاديا بالترويج لفكرة الخطر الصيني. فأمريكا لاتريد منافسا ومنازعا لها في القارة الآسيوية فما بالك علي الصعيد الدولي, وفي حسابات القوي الكبري يجوز اللعب بأي ورقة لأزاحة المنافسين من علي الرقعة كما أن العبرة هنا بالتساؤل حول ما إذا كانت القيادة الصينية مستعدة للتنازل عما حققته البلاد من تقدم في الأعوام المنصرمة بالدخول في مغامرة عسكرية أو التعدي علي دول الجوار؟ الشواهد الظاهرة تؤكد أن بكين لاتود إرجاع عقارب الساعة للوراء بخسارة منجزاتها الاقتصادية ثم لماذا لاينصب تركيزنا علي دراسة جوانب التجربة الصينية للاستفادة منها علي الأقل من جانب الدول النامية والناهضة اقتصاديا ولايهمنا الحديث عن الخطر الصيني سوي من زاوية ما يدخل لبلادنا من منتجات غير مطابقة للمواصفات وتمثل خطرا علي صحة من يستخدمها. فضلا عن هذا فإن عالمنا اليوم يحتاج لتضافر الجهود وليس الانفراد بإدارة شئونه وعلي المجتمع الدولي أن يبتعد قليلا عن أحاديث التهديد والخطورة المعروف سلفا الطرف الحقيقي المسئول عنها.