دعا الجنرال بترايوس قائد القوات الاميركية في العراق الحكومة العراقية إلى مد يدها للتيار الصدري بما معناه التفاوض معه وحثه على الانخراط في العملية السياسية. وهذه الدعوة اثارت الدهشة، وسبب الدهشة لدى المراقبين هي ان هذه التصريحات جاءت في غمرة القتال بين القوات العراقية والاميركية المشتركة مع جيش المهدي في البصرة وبغداد ومحافظات عدة. وفي وقت كانت فيه الطائرات الاميركية وما زالت تقصف مواقع المتمردين على حكومة المالكي في مدينة الصدر وغيرها. لذلك اعتبرت دعوة بترايوس ليست موجهة للحكومة بالدرجة الاولى، انما موجهة للتيار الصدري لكي يأتي الى طريق التعاون مع الولاياتالمتحدة في العراق وسيحظى برعاية اميركية تجعله على قدم المساواة مع الآخرين في نظر واشنطن. ومما لا شك فيه ان التيار الصدري، وجيش المهدي رغم كل الاتهامات ومعظمها حقيقية عن وجود عصابات عنف وجريمة تجاوزت على القانون ونكلت بالمجتمع العراقي في بطانة جيش المهدي والتيار الصدري، فان الموقف الوطني في بعض شعارات هذا التيار في رفض الاحتلال والمحافظة على استقلال العراق، جعله في مقدمة القوى التي تخشاها الولاياتالمتحدة وتحسب لها الف حساب. واذا كانت علاقة هذا التيار بايران هي علاقة استغلال من جانب طهران لاكثر التيارات فاعلية يمكن ان يوظف من قبلها لزعزعة امن العراق تحت اقدام القوات الاميركية، فان هذه العلاقة ألقت بظلال الشكوك حول الكثير من شعارات الصدريين وسلوكهم، فيما ساعدت طريقة مقتدى الصدر في قيادة هذا التيار وفرض آرائه التي في اكثرها تنم عن سوء قيادة على عزوف الناس عنه، لهذا اختلط الكثير من المكونات السياسية السلبية والايجابية داخل هذا التيار ووصل الاختلاط الى درجة تعذر فيه تنقيته من الاستغلال الايراني ومن استغلال العصابات الاجرامية من دون استخدام القوة والصدام المستمر معه، وهذا ما حصل. غير أن الاستمرار في التعامل مع التيار الصدري وميليشياته بالقوة إلى عام قادم لن يخدم حكومة المالكي ولن يخدم خطط واشنطن التي تتمنى من ورائها انهاء العنف حتى نهاية هذا العام، للتفرغ لسحب القوات وبناء معاهدة عسكرية مع الحكومة العراقية تضمن مصالحها المستديمة في العراق. لهذا، جاءت دعوة بترايوس لتقدم الجزرة للتيار الصدري وفتح باب المفاوضات معه ولتصبح وشنطن طرفا بها. وهي دعوة لا تخلو ايضا من تقوية حبل النجاة الاميركي، الذي يمسك به المالكي بقوة. بيد أن دعوة بترايوس لم تحظ بتأييد الجميع في حكومة المالكي ولا بين القوى السياسية الناشطة في العملية السياسية، فقد ايدها البعض، وخصوصا القوى التي تريد استمرار تداول السلطة سلميا بعيدا عن لغم الشوارع بارهاب الميليشيات وبعيدا عن دكتاتورية ائتلاف شيعي من حزبين، حيث اكد النائب عن حزب الفضيلة في البرلمان نديم الجابري ضرورة احتواء التيار سياسيا، كما اعرب النائب عن جبهة التوافق علاء مكي عن تأييد الجبهة لمضي التيار قدما في نشاطه السياسي والابتعاد عن حمل السلاح. فيما رفض آخرون من الإئتلاف الشيعي ومنهم عباس البياتي هذه الدعوة، منتقدين تصريحات القائد الأميركي بهذا الخصوص، مؤيدي طريقة استخدام القوة التي تعاملت بها حكومة المالكي مع هذا التيار. وهذا الموقف من بعض اطراف الائتلاف الشعي لا يثير فقط الدهشة انما الريبة ايضا ويؤكد ان هناك دوافع سياسية تدعو هذه الاطراف الى ابعاد الصدريين عن الانتخابات القادمة في المحافظات بكل الوسائل وتمهيد الطريق لفوز كاسح يحظى به المجلس الاعلى وحزب الدعوة، وبهذا يكون الائتلاف الشيعي السابق قد تقلص بعد حيازة السلطة الى مجموعتين، بدلا من 16 مجموعة تمزقت شذر مذر تحت سطوة التطلع المرير للحكم.