«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسليح جيش العراق
نشر في شباب مصر يوم 07 - 09 - 2010

(التسليح الأميركي لجيش "جديد" في العراق يتناقض مع الهدف الرئيسي من الحرب عليه وهو "تجريد دولته من السلاح" كما قال الرئيس أوباما، فما هي الأهداف الحقيقية للتسليح الأميركي للعراق ؟)
بقلم نقولا ناصر*
في مقابلة معه بالكويت نشرتها دير شبيغل الألمانية والشرق الأوسط اللندنية في مستهل الشهر الجاري قال إياد علاوي الذي فازت قائمته "العراقية" بأعلى الأصوات في انتخابات السابع من آذار / مارس الماضي إن رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي يحكم "كيلومترا مربعا" في وسط بغداد، وإنه يتفق مع رئيس أركان الجيش العراقي "الجديد" الذي فشل الاحتلال في بنائه حتى الآن، با بكر زيباري، بأن هذا الجيش ليس على استعداد للاعتماد على نفسه قبل عام 2020، ومع ذلك أعلن المالكي في خطابه المتلفز أول الشهر أن العراق الآن "سيد ومستقل ويملك قرار كل ما يتعلق بحاضره ومستقبله"، بالرغم من مجموعة من الحقائق الدامغة التي تنقض إعلان المالكي وتحوله إلى نوع صارخ مكشوف من التضليل الذي لا ينطلي على أحد في العراق وخارجه، ليس بسبب ما قاله علاوي وزيباري، بل أيضا لأن الرجلين ومعهما المالكي هم رموز عملية سياسية تعتبر هي واستمرارها في حد ذاتهما التعبير السياسي الملموس الموازي للاحتلال العسكري المستمر وكلاهما نقيض لأي حديث سابق لأوانه عن عودة العراق لامتلاك سيادته واستقلاله وقراره.
فالعراق وسيادته واستقلاله وقراره ما يزال تحت الوصاية الأجنبية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهذه هي الحقيقة الأولى.
والحقيقة الثانية هي أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) "ومستشاريه ومراقبيه يقومون الآن بتشكيل قيادة الجيش العراقي في المستقبل، على كل المستويات، من الدورة الأساسية لاعتماد الضباط إلى هيئة الأركان وكلية القيادة والكلية الحربية العراقية وكلية الدفاع الوطني العراقي"، ويتوزعون على "غرف العمليات في بغداد ... غرفة العمليات التابعة لرئيس الوزراء، وغرفة العمليات المشتركة بوزارة الدفاع، وغرفة العمليات الوطنية بوزارة الداخلية"، كما قال مؤخرا الآمر الأميركي لبعثة الناتو في العراق الفريق مايكل باربيرو الذي يشرف أيضا على جهاز الأمن الداخلي للعراق، بعد أن وقع نائب الأمين العام لحلف الناتو كلوديو بيسوجنيرو ووزير الدفاع في الحكومة المنبثقة عن الاحتلال الأميركي الفريق الركن عبد القادر محمد جاسم المفرجي في السادس والعشرين من تموز / يوليو الماضي اتفاقية لتدريب "قوات الأمن العراقية" تمهيدا لسحب قوات الاحتلال الأميركي بنهاية عام 2011 "عندما ينتقل تركيز القوات المسلحة (العراقية) من الأمن الداخلي إلى الدفاع الخارجي ... لتقرير كيف يتم استخدامها في حال حدوث عدوان خارجي" كما قال باربيرو.
لا بل إن الناتو سوف يقرر أيضا "العقيدة العسكرية" للقوات المسلحة العراقية، حسب "مؤتمر عقيدة الجيش العراقي العسكرية" الذي انعقد في بغداد في الثالث من آب / أغسطس الماضي. ومن الواضح في ضوء كل ذلك أن "العدوان الخارجي" المشار إليه لن يكون من الناتو ودوله الأعضاء، ولا أميركيا، ولا إسرائيليا بحكم العلاقة الاستراتيجية بين دولتي الاحتلال الإسرائيلي والأميركي، وليس من المتوقع أن يكون صينيا أو يابانيا أو روسيا أو إفريقيا أو أميركيا لاتينيا، وبالتالي يمكن الاستنتاج دون مبالغة أن الناتو وقيادته الأميركية إنما "يدربون" الآن وإلى أجل غير مسمى جيشا "عراقيا" ذا عقيدة عسكرية تستهدف صد "عدوان إقليمي" من جيرانه العرب والمسلمين فحسب.
وهذه الاقتباسات على إيجازها الشديد غنية عن البيان في توضيح حقيقة أن العراق هو في قبضة الناتو الآن، وأن أي حديث عن عراق "سيد ومستقل يمتلك قراره" ما زال حديثا سابقا لأوانه. لكن التساؤل عن الشرعية التي يمتلكها المفرجي وحكومته المنتهية ولايتها لكي يوقع اتفاقيات تقيد العراق إلى أمد طويل مع الناتو أو غير الناتو هو تساؤل في حينه تماما.
غير أن السؤال الأهم هو: طالما أن حلف الناتو ملتزم بمهمة للتدريب بهذا الحجم في العراق منذ أواخر عام 2008 وإلى أمد غير منظور بعد عام 2011، حد أن يجد الحلف بأن حجم هذه المهمة يقتضي فتح "قيادة الناتو في بغداد" في أيلول / سبتمبر من العام المنصرم، فما هي المهمة الحقيقية إذا لبقاء خمسين ألف جندي "مقاتل" أميركي في العراق وعشرات الآلاف غيرهم من "المقاتلين" المرتزقة ممن تسميهم حكومة دولة الاحتلال في واشنطن العاصمة "المتعاقدين الأمنيين" وتصفهم ب"المدنيين" ؟
وفي الإجابة على هذا السؤال تكمن الحقيقة الثالثة، إذ أن "بعثة التدريب" الأميركية هذه في عديدها لا سابقة لها في التاريخ بحيث قد ترفضها موسوعة غينيس للأرقام القياسية كونها كذبة ضخمة لكن الموسوعة قد تقبلها باعتبارها كذبة قياسية فعلا. و"حجة" التدريب لإبقاء قوة مقاتلة أميركية بهذا الحجم في العراق يزيد عديدها على عديد كثير من جيوش الدول العربية وغير العربية هي من بنات أفكار الجنرال ديفيد بترايوس قائد القيادة الأميركية الوسطى المتخصص في مكافحة "الإرهاب"، مما جعل البنتاغون يقنع أوباما وإدارته بالابقاء على الوجود العسكري الأميركي في العراق بعد عام 2011 لأن المقاومة (الإرهاب وفق المصطلحات الأميركية) العراقية باقية أيضا وتهدد هذا الوجود ونظام الحكم المنبثق عنه، كما قال محللون أميركيون.
وبما أن كذبة "الانسحاب" الأميركي قد تكشفت تماما للشعب العراقي بتفاصيلها باعتبارها مجرد "حملة علاقات عامة لإعطاء اسم جديد للاحتلال" كما كتب آفني دوغرو في "أوبين ديموكراسي" في الثالث من هذا الشهر، فإنه يكفي في سياق هذه الحقيقة الإشارة فقط إلى بعض مظاهر التضليل في خطاب أوباما. فهو قد ذكر "آخر لواء مقاتل" يغادر العراق أواخر الشهر الماضي لكنه لم يذكر ثلاثة آلاف مقاتل جديد تم إرسالهم من قاعدة في تكساس إلى العراق قبل ذلك بأسبوع فقط. ولم يذكر أن عمليات بناء جديدة وأخرى مستمرة في كثير من حوالي (90 – 100) قاعدة عسكرية أميركية موجودة الآن في العراق مما لا يشير إلى نية حقيقة في الانسحاب من العراق. لا بل إن كلمة "انسحاب" التي لم يستخدمها أوباما في خطابه "غير صحيحة" لوصف ما أعلنه أوباما كما قال الأحد الماضي للقناة الروسية الناطقة بالعربية "روسيا اليوم" (على ذمة الزميل سلام مسافر من موسكو) سفير الاتحاد الروسي في قطر حاليا والسفير السابق في بغداد، فلاديمير تيتورينكو، الذي هاجمت القوات الأميركية الغازية بالقنابل والرشاشات موكبه أثناء خروجه من العاصمة العراقية في التاسع من نيسان / أبريل عام 2003.
ولم يذكر أوباما أيضا أن (4500) جندي من الخمسين ألفا الباقين في العراق هم "قوات خاصة" لها مهمتين، الأولى يحملون فيها قوائم بأسماء العراقيين المطلوبين تعرف باسم قوائم "القتل أو الأسر" تطاردهم هذه القوات في طول العراق وعرضه لهذا الغرض بغض النظر عن صحة أو دقة المعلومات المتوفرة عنهم. والمهمة الثانية هي تدريب "قوات عراقية خاصة" مماثلة تأتمر مباشرة بأمر رئيس الوزراء المالكي والجنرال الأميركي المشرف على تدريبها يفتخر بأنه ينقل تجربة سابقة له في أميركا اللاتينية وبخاصة في السلفادور وكولومبيا، أي أنه "يدرب فرقا للموت" في العراق كما قالت في الأول من الشهر الجاري فيليس بنيس من "معهد دراسات السياسات" الأميركي ومؤلفة "إنهاء حرب العراق: الكتاب الأول". وهذه هي الحقيقة الرابعة.
وإذا كان الاستفتاء الذي نصت عليه الاتفاقية الأمنية الأميركية – العراقية "سوفا" التي وقعها المالكي في السابع عشر من تشرين الثاني / نوفمبر 2008 قد طواه النسيان المتعمد، فإن الوجود والنفوذ الأميركيين في العراق إلى أجل غير مسمى اللذين تمنحهما للولايات المتحدة هذه الاتفاقية - - التي ما زالت تنتظر استفتاء الشعب العراقي عليها - - تجعل حديث المالكي الذي وقعها عن أي عراق "سيد ومستقل" مكابرة لا خجل فيها وتضليلا يصل حد الاستهانة بذكاء العراقيين جميعا وبذاكرتهم التي لم تنس بأن "سوفا" قد منحت الولايات المتحدة السيطرة الكاملة على الأجواء العراقية، وهذه حقيقة خامسة.
أما الحقيقة السادسة التي تنقض إعلان المالكي بأن العراق قد أصبح سيدا ومستقلا فهي اتفاقية الإطار الاستراتيجي التي وقعها أواخر عام 2008 ويحث حاليا على تفعيلها وهي تستكمل الجوانب غير العسكرية للهيمنة الأميركية على العراق في المجالات الاستخبارية والاقتصادية والتجارية والثقافية، ويلفت النظر في هذا السياق أن أكثر من ستين في المائة من نفط العراق قد عاد الآن إلى السيطرة الأجنبية التي يستهدف "الإطار الاستراتيجي" توسيعها وحمايتها. وفي هذا السياق حدث مؤخرا تطوران لهما دلالة هامة، إذ أعلنت وزارة التجارة الأميركية، أولا، أن وكيل الوزير فرانسيسكو سنشيز سوف يقود في تشرين الأول / أكتوبر المقبل وفدا تجاريا "تاريخيا" إلى العراق يضم ممثلين عن خمسة عشر شركة أميركية كبرى منها "بوينغ" و"جنرال الكتريك" لأن "العلاقة الثنائية الأميركية – العراقية تدخل مرحلة جديدة من الشراكة التجارية .. لإعادة بناء الاقتصاد العراقي".
* تسليح مشبوه
أما التطور الثاني فأخطر في دلالاته. فقد نشرت "يو. إس. إيه. توداي" في اليوم التالي أن العراق يستعد لشراء ما قيمته (13) مليار دولار من الأسلحة والمعدات العسكرية الأميركية ليتحول العراق إلى سوق للسلاح الأميركي من المتوقع أن يتفوق على مجلس التعاون الخليجي في مشترياته، ونسبت إلى الفريق مايكل باربيرو قوله إن هذه المشتريات العراقية "تبني علاقتنا الاستراتيجية في المستقبل". وإذا أقر الكونغرس صفقة أخرى بقيمة ثلاث مليارات دولار لمشتريات سلاح جوي منها (18) طائرة إف – 13 فالكون فإن العراق من المتوقع أن يبدأ في تسلمها في ربيع عام 2013 بموجب خطة تشمل تدريب أول (10) طيارين عليها في الولايات المتحدة، مما يعني أن أي قوات مسلحة عراقية سوف تظل مرتهنة للتسليح والتدريب الأميركي لفترة طويلة مقبلة، ليتحول التسليح الأميركي لها إلى قيد جديد على سيادة العراق واستقلاله وقراره، وليتحول أي جيش عراقي مأمول إلى جيش عربي جديد محكوم بالاستراتيجية الأميركية لا يستطيع التصرف خارجها، والأمثلة المماثلة في الواقع العربي غنية عن البيان، إذ لم يعرف عن مثل الجيوش أنها استطاعت التحرك العملي دفاعا عن الأمة أو أن الشعوب العربية تأمل في الاستنجاد بها دفاعا أو تضامنا مع أي قضية قومية هامة.
"إن حربا لتجريد دولة من السلاح قد تحولت إلى قتال ضد تمرد". هذه الفقرة وردت في خطاب الرئيس أوباما عن انتهاء مهمة بلاده القتالية في العراق وهي قد تلقي ضوءا على الأهداف الأميركية من تسليح جيش من العراقيين. فهو يقول بوضوح إن غزو العراق واحتلاله والحرب عليه استهدف تجريد الجيش العراقي الوطني من سلاحه. ويبدو واضحا أن العودة الأميركية إلى تسليح جيش للعراق لا يمكن أن تتناقض مع الهدف الرئيسي من الحرب عليه، فهي بالتأكيد لن تستهدف إعادة بناء جيش عراقي وطني، ولا تسليحا لأي جيش كهذا يعيده إلى الدور الذي كان يقوم به في الدفاع عن العراق ووحدة أراضيه الإقليمية ودعم القضايا العربية. لذلك فإن فتح سوق جديدة للصناعات العسكرية الأميركية، واستخدام التسليح الأميركي لفرض قيد جديد يرتهن القرار العراقي لهذا التسليح، واستخدام هذه القوة المسلحة أميركيا لخدمة الاستراتيجية الأميركية في الإقليم، وربطها بعقيدة عسكرية منسجمة مع كل ذلك وتركز فقط على قمع أي مقاومة عراقية أو غير عراقية لهيمنة الولايات المتحدة واستراتيجيتها و"مصالحها الحيوية"، تبدو هي الأهداف الحقيقية للتسليح الأميركي للعراق.
وسابع الحقائق توضحها قراءة سريعة لنص خطاب رئيس دولة الاحتلال الأميركي باراك أوباما مساء يوم الثلاثاء الماضي، وهو خطاب أعلن عن انتهاء "عملية حرية العراق" العسكرية و"طي صفحتها" لكنه أعلن كذلك عن بدء عملية عسكرية جديدة عنوانها "الفجر الجديد" تفتح صفحة جديدة في الاحتلال الأميركي للعراق، في سياق الحرب المستمرة عليه. فالرئيس أوباما الذي أعلن عن انتهاء المهمة "القتالية" لم يضمن خطابه أي إعلان عن انتهاء هذه الحرب، مما يذكر بإعلان سلفه جورج بوش في الأول من أيار / مايو 2003 عن انتهاء "العمليات القتالية الرئيسية" في العراق. ولم يتضمن خطابه نصا أي حديث عن "الانسحاب" أو أي اعتراف باستقلال العراق وسيادته، بل استخدم عبارات مثل "استكمال الانتقال إلى مسؤولية العراقيين عن أمنهم"، أي "عرقنة" الحرب الأميركية، وعن "فرصة العراق في احتضان مصير جديد"، في ظل الاحتلال الأميركي طبعا، و"عندما تتألف حكومة عراقية، لا ينبغي أن يكون هناك أي شك في أن الشعب العراقي سوف يجد في الولايات المتحدة شريكا قويا"، و"إن مهمتنا القتالية تنتهي، لكن التزامنا بمستقبل العراق لن ينتهي"، دون أن يعطي أي ممثل شرعي للعراقيين أي توكيل قانوني للولايات المتحدة بالشراكة معها أو يطلب منها "التزاما" بمستقبل العراق.
ومن المؤكد أن "البداية الجديدة التي يمكن أن تولد من رماد الحرب في مهد الحضارة" العراقي كما قال أوباما هي "فجر جديد" في إطار "شراكة" مفروضة بالقوة مع الولايات المتحدة، لا في إطار عراق "سيد ومستقل ويملك قرار كل ما يتعلق بحاضره ومستقبله" كما قال المالكي لأن ذلك لا يتفق مع "التضحيات" في الأرواح والأموال التي بذلها (1.5) مليون عسكري أميركي ممن خدموا في العراق حسب أوباما.
وثامن الحقائق وليس آخرها توضحها تصريحات علاوي وبا بكر زيباري ومثلهما السياسي العراقي الكردي المخضرم محمود عثمان الذي عارض أوباما علنا وأعرب عن "خيبة الأمل من هذه الإدارة (الأميركية) الجديدة لأنها تريد "أن تهرب من العراق" حيث "لا توجد حكومة ولا يوجد للشعب ثقة في قوى الأمن العراقية" وحيث "الحرب مع الإرهاب (أي المقاومة) موجودة والتدخل الإيراني موجود"، لا بل إنه اتهم أوباما وإدارته بأنهم "يكذبون عندما يقولون لشعبهم إنهم تركوا وراءهم حكومة (عراقية) قادرة وقوات أمن عراقية قادرة".
إن الشعب العراقي يعرف هذه الحقيقة تماما ويعايشها يوميا. لكن تعبير هؤلاء السياسيين عنها يتم في إطار التكالب على السلطة والمغانم وفي إطار رفضهم لخروج قوات الاحتلال الأميركي من العراق وهم أنفسهم الذين "توسطوا" بكل السبل غير الشريفة لإدخالها إلى حرمات العراق كافة لأن خروجها يستتبع كتحصيل حاصل انهيار العملية السياسية التي هندسها الاحتلال لايصالهم إلى السلطة. ومحمود عثمان بخاصة يعبر عن هذه الحقيقة في انسجام كامل مع مطالبة معلنة من قيادات الكرد الحالية التي استقوت قبل الأميركيين بكل عدو خارجي للعراق لضرب الأخوة العربية الكردية التاريخية دون حتى أن تراعي حرمة دماء العراقيين الأكراد أنفسهم، من أجل الوصول إلى الوضع الاستثنائي الذي تتمتع به هذه القيادات الآن في غفلة من التاريخ.
* كاتب عربي من فلسطين
[email protected]*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.