بعد أكثر من 6 أعوام من الاعداد والتحضير يبدو أن ابرام اتفاق جديد للتجارة الدولية بات قريبا لكنه قد لا يخمد التكاليف المتفاقمة للاغذية في العالم وهو ما دفع الجماهير للاحتجاج في الشوارع من مصر إلي هايتي. وعلى النقيض من ذلك فان كثيرا من الخبراء يتوقعون ان تؤدي اية اتفاقية عالمية جديدة تدريجيا الى ارتفاع طفيف للاسعار علي الاقل في باديء الامر. ويقول صانعو السياسة في جولة مفاوضات الدوحة لمنظمة التجارة العالمية، إن ابرام اتفاق بشأن خطة لخفض الدعم الحكومي للحاصلات الزراعية والرسوم الجمركية في انحاء العالم سيؤدي الى تحقيق استقرار اسواق الغذاء العالمية وتخفيض الرسوم الجمركية بالاضافة الي حفز الإنتاج. واذا استطاع المفاوضون في جنيف اجتياز المأزق الذي طال أمده بشان الدعم الحكومي للسلع وامكانية وصوله إلي اسواق السلع الزراعية فان منظمة التجارة العالمية قد تدعو لاجتماع علي مستوي الوزراء لابرام اتفاق قبل ان يترك الرئيس جورج بوش منصبه في يناير/ كانون الثاني 2009. من جانبه، قال روبرت زوليك رئيس البنك الدولي عندما دعا الى "عهد جديد" في التعامل مع ثورة السلع الاولية، التي رفعت اسعار الاغذية العالمية بأكثر من 80% منذ عام 2005، إن الفقراء الان يحتاجون الى خفض أسعار الغذاء. وتساءل المفاوض التجاري الامريكي سابقا عن موعدا خفض الدعم الزراعي الذي يشوه التجارة وفتح الاسواق امام واردات الغذاء، حيث يأتي الاوان لذلك مع ارتفاع الاسعار. وعلي صعيد آخر، يري البعض ان القول بان التوصل الى اتفاق قد يخفف من أزمة الاسعار ما هو الا منهج جديد للمدافعين عن جولة الدوحة للمفاوضات التجارية العالمية. ويقول هؤلاء منذ سنين ان تحرير التجارة العالمية بدرجة أكبر سيساعد الدول النامية على تعزيز أسعار الصادرات الزراعية وسيكون ذلك جزئيا عن طريق خفض الدعم الحكومي للسلع في الدول الغنية الذي يتسبب في هبوط الاسعار. ويتنبأ خبراء الاقتصاد منذ وقت طويل ان اتفاقا جديدا للتجارة الدولية سيزيد اسعار السلع الاولية والاغذية زيادة طفيفة بواقع نقطتين مئويتين على مستوى العالم لمعظم المنتجات واكثر قليلا من ذلك للحليب وبذور الزيت والارز. ومع ذلك فانهم يحذرون من ان منافع التوصل الى اتفاق في جولة الدوحة تتحدد بالوضع الدول، فالاتفاق مفيد لمن هم في موقف المصدر الصافي للسلع الغذائية مثل البرازيل وفيتنام والولاياتالمتحدة وضار لمن يعتمدون على استيراد السلع الزراعية. واظهرت دراسة لخبراء البنك الدولي ان ارتفاع اسعار الاغذية من عام 2005 الى 2007 مع اختلافها من مكان الى اخر زاد من حدة الفقر في الدول النامية. وهو ما أكده ديفيد اوردين خبير الاقتصاد الزراعي في معهد بحوث سياسة الغذاء الدولية، عندما قال ان هناك دوما خوف بشأن الدول التي تعتبر مستوردا صافيا للغذاء. علي الجانب الآخر، فانه حتى الدول المزدهرة مثل الولاياتالمتحدة، التي يعتمد فيها عدد متزايد من الناس على بطاقات الغذاء الممولة من جانب الحكومة لشراء احتياجاتهم، ليست في معزل عن تلك الآثار. وتسارع دول كثيرة الى معالجة مشكلة ارتفاع تكاليف الغذاء اذ تفرض قيودا على الصادرات أو تخفض الرسوم الجمركية على الواردات في محاولة لخفض الاسعار في الداخل. ويقول الخبراء ان اي زيادة للاسعار تنتج عن التوصل الى اتفاق في جولة الدوحة، ستكون صغيرة اذا ما قورنت بالغلاء في أسواق السلع الاولية التي تفيض بتدفقات أموال صناديق الاستثمار ويذكيها الاستخدام المتزايد للمحاصيل لانتاج الوقود الحيوي وتزايد الطلب على الاغذية في الدول النامية وسوء المناخ الذي يضر بالمحاصيل في دول كثيرة . ويقول كثير من انصار جولة الدوحة، ان ارتفاع الاسعار قد ييسر على دول غنية مثل الولاياتالمتحدة خفض الدعم الحكومي للسلع ومساعدة المفاوضين على التوصل الى اتفاق. ولكن مع اجراء الكونجرس الامريكي مفاوضات بشان قانون زراعي جديد فان كثيرا من المشرعين يحجمون عن قبول تخفيضات كبيرة للدعم الحكومي للمحاصيل الزراعية، قائلين ان دوائرهم الانتخابية تحتاج الى شبكة أمان حتي يتلاشى الصعود الحالي للاسعار، حيث أن الجهود الرامية الى خفض الدعم الحكومي في القانون الزراعي العملاق لم تفلح على الرغم من ضغوط من وسائل الاعلام وجماعات النشطاء وصقور الميزانية. وقال جاوين كريبكي خبير السياسات في مجموعة اوكسفام ان التوصل الى اتفاق في الدوحة سيكون حافزا للانتاجية والحد من الفقر في الدول النامية على الاجل الطويل، لكنه نفي امكانية الاتفاق علي علاج ارتفاع الاسعار علي المدي القريب. ويتنبأ الخبراء ان تبقى الاسعار مرتفعة سنتين او ثلاثا على الاقل حتى يعدل المزارعون امداداتهم حسب الطلب العالمي. ويري الخبراء أن أسعار الغذاء تعد صيحة تحذير اخرى بان العالم يحتاج الى نظام جيد لتجارة الحاصلات الزراعية يكفل الكفاءة في انتاج وتوزيع الغذاء. (رويترز)