رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام الأنشطة الطلابية لكلية التربية الرياضية    غدا.. نقابة الأطباء البيطريين تحتفل بيوم الطبيب بدار الأوبرا المصرية    ماذا قالت إسبانيا بعد قرار إسرائيل تجاه قنصليتها في القدس المحتلة؟    القاهرة الإخبارية: خسائر قطاع غزة تقارب 33 مليار دولار وتهدم 87 ألف وحدة سكنية    وزير الدفاع اللبناني: الدفاع عن الأرض سيبقى خيار الدولة اللبنانية    بوليتيكو: معظم دول الاتحاد الأوروبي لن تقدم على المساس بأصول روسيا المجمدة    الشناوي يثير الجدل قبل نهائي أفريقيا: معندناش مشاكل والصحافة المصرية تصنعها    نجم مانشستر يونايتد يعلن موقفه النهائي من الانتقال إلى السعودية    لاعب ليفربول السابق: صلاح قادر على تكرار إنجاز رونالدو    قرار عاجل من جوميز قبل مواجهة الاتحاد السكندري في الدوري    طلاب الدبلومات الفنية يؤدون امتحاني اللغة العربية والتربية الدينية غدا بدمياط    شقيقة فتاة التجمع: النيابة أحالت القضية لمحكمة الجنايات.. والقرار دليل على إدانة السائق    هل انتهت الموجة الحارة؟.. مفاجآت سارة من الأرصاد للمصريين    الجمعة أم السبت.. متى وقفة عيد الأضحى 2024 وأول أيام العيد الكبير؟    الفيلم المصرى رفعت عيني للسما يحصل على جائزة أفضل فيلم تسجيلي بمهرجان كان بدورته 77    أبرز رسائل التهنئة بعيد الأضحى 2024    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    هيئة الرعاية الصحية تشارك في مبادرة الاتحاد الأوروبي بشأن الأمن الصحي    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    مجلس الشيوخ يناقش أموال الوقف ونقص الأئمة والخطباء ومقيمي الشعائر.. الأحد    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    التموين تستعد لعيد الأضحى بضخ كميات من اللحوم والضأن بتخفيضات 30%    مصرع وإصابة 3 أشخاص في الشرقية    بوليتيكو: واشنطن تدرس القيام بدور بارز في غزة بعد الحرب    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    وفاة شقيقة الفنانة لبنى عبد العزيز وتشييع جثمانها اليوم    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    بطولة عمرو يوسف.. فيلم شقو يقفز بإيراداته إلى 72.7 مليون جنيه    هل تراجعت جماهيرية غادة عبدالرازق في شباك تذاكر السينما؟.. شباك التذاكر يجيب    رئيس جامعة المنيا يشهد حفل ختام أنشطة كلية التربية الرياضية    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    قافلة الواعظات بالقليوبية: ديننا الحنيف قائم على التيسير ورفع الحرج    بالفيديو.. متصل: حلفت بالله كذبا للنجاة من مصيبة؟.. وأمين الفتوى يرد    3 وزراء يجتمعون لاستعراض استراتيجيات التوسع في شمول العمالة غير المنتظمة    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    الجيش الأمريكي يعتزم إجراء جزء من تدريبات واسعة النطاق في اليابان لأول مرة    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن منطقة هضبة الأهرام مساء اليوم    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    تعرف على مباريات اليوم في أمم إفريقيا للساق الواحدة بالقاهرة    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق سيوة - مطروح    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    انطلاق امتحانات الدبلومات الفنية غدا.. وكيل تعليم الوادى الجديد يوجه بتوفير أجواء مناسبة للطلاب    أخبار الأهلي : دفعة ثلاثية لكولر قبل مواجهة الترجي بالنهائي الأفريقي    "صحة مطروح" تدفع بقافلة طبية مجانية لخدمة أهالي قريتي الظافر وأبو ميلاد    الصحة العالمية: شركات التبغ تستهدف جيلا جديدا بهذه الحيل    «العدل الدولية» تحاصر الاحتلال الإسرائيلي اليوم.. 3 سيناريوهات متوقعة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    مقتل مُدرس على يد زوج إحدى طالباته بالمنوفية    إصابة 5 أشخاص إثر حادث اصطدام سيارة بسور محطة مترو فيصل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة النفط.. من ألفها إلى يائها
نشر في أخبار مصر يوم 29 - 01 - 2008


(عضو المجلس الاعلى للبترول)
النفط، هذه المادة التي تم اكتشافها بمحض الصدفة من قبل سكان المنطقة الشمالية الغربية بولاية بنسلفانيا الاميركية عام 1850، حيث كانت تنبع بكميات بسيطة على سطح الارض في تلك المنطقة الجبلية المعزولة ذات الغابات الكثيفة والمشهورة في حينها بالصناعات الخشبية، وكان السكان يجمعونها بطريقة بدائية بتنقيع الخرق والبطانيات ثم عصرها في براميل الويسكي الخالية.
مر على تلك المنطقة رجل في مدينة نيويورك يدعى جورج بيسيل Gerorge Bissell وهو رجل ذو خلفية قانونية لكنه ذو رؤية بعيدة المدى، فعندما عاد من رحلته اخبر صديقه جيمس تاونستد James Townsend رئيس بنك نيوهيفن New Heaven عن رؤيته في تلك المنطقة الهنود الحمر يستعملون مادة تسمى زيت السينكا Senca Oil كدواء لعلاج العديد من الامراض.
بداية، فكر الاثنان في كيفية استغلال هذه المادة بكميات بكيرة للاضاءة بدلا من الزيوت النباتية والحيوانية، وقد تكون بديلا اخر عن الفحم الذي كان المصدر الرئيسي للطاقة في تلك الفترة، قرر الاثنان خوض غمار هذا التحدي لاكتشاف هذه المادة ولربما ستكون ارخص من المواد الاخرى المستعملة.
اتفق الاثنان مع البروفيسور بنيامين سيليمان Benjamin Silliaman وهو استاذ علم الكيمياء بجامعة Yale الاميركية باجراء بحث لاكتشاف الخواص الكيميائية لهذه المادة بمبلغ خمسمائة وستة وعشرين دولارا وذلك عام 1854، لكنهما لم يدفعا اي مبلغ له مقدماً.بعد ثلاثة اشهر اخبر البروفيسور Silliam الاثنين Bissell وtowsend بأنه استكمل بحوثه وبأنه على استعداد لتقديم تقريره اليهما بعد دفع المبلغ المتفق عليه، وحيث ان المبلغ لم يكن متوافرا لديهما رفض البروفيسور تقديم تقريره اليهما رغم دفعهما مبلغ مائة دولار كدفعة مقدمة، الا انهما تمكنا من جمع باقي المبلغ ودفعه للبروفيسور في 16 ابريل 1855 واستلام التقرير المتضمن نتائج البحث. لقد ابهرت النتائج الجميع حيث كانت نقطة تحول كبيرة لبداية الصناعة النفطية، واظهر التقرير بأنه من الممكن تقطير هذه المادة على درجات حرارة مختلفة للحصول على مواد ذات قيمة عالية مكونة من جزيئات الكربون والهيدروجين التي يمكن استخدامها كوقود للاضاءة ومصدر للطاقة بدلاً عن الفحم. ان النظرة الثاقبة لبسيل Bissell التي كانت بمحض الصدفة مكنت العالم من الدخول في عصر جديد بالاستفادة من هذه المادة، وبحق يمكن القول انه ابو الصناعة النفطية.
الحدث
قرر الاثنانBIssell وtownsend جمع التمويل اللازم بالاستثمار في استغلال هذه المادة. وبمحض الصدفة وفي احد فنادق مدينة نيو هيفن، حيث كان يقيم الاثنان، التقى الاثنان ادوين دريك Edwin Drake الذي كان عاطلا عن العمل وذا خبرة واسعة في مجال سكك الحديد وذا موهب متعددة وكان عمره انذاك 38 سنة، وتجاذب الثلاثة الحديث عن هذه المادة حيث اتفقوا على خوض التحدي لاكتشاف هذه المادة، وقرر الاثنان توظيف دريك بالذهاب الى ولاية بنسلفانيا للبحث عن النفط.
وصل دريك الى بنسلفانيا في ديسمبر سنة 1857 بعد رحلة شاقة وطويلة من نيوهيفن، حيث نزل في تلك القرية الصغيرة البالغ عدد سكانها 125 شخصاً، والمسماة تيتوسفيل Titusvill وكانت هذه القرية تعاني من الفقر الشديد حيث كان السكان بحالة سيئة، وعاد دريك بعد عدة اشهر الى نيوهيفن ليقدم تقريراً بامكان الحفر والتنقيب وانتاج النفط، وتعهد للاثنين بأن يقوم بذلك شخصياً متى توافر له التمويل من قبلهما.
وصل دريك الى بنسلفانيا في ربيع عام 1858 مرة اخرى لتنفيذ المهمة التي وافق عليها BIssell وtownsend الذي اسسا على اثره شركة Senea Oil اول شركة نفطية بدأ دريك الحفر يدوياً لاستخراج النفط من باطن الارض، الا انه قرر بعد شهر من هذه البداية القيام بذلك بواسطة ابراج الحفر المستخدمة لاستخراج الملح المنتشر في تلك المنطقة، بدلاً من الحفر اليدوي لكنه طلب من شركائه تحويل مبلغ الف دولار كدفعة اولى للبدء بالعملية، حيث انه وقع اتفاقاً مع الحفار وليم سميث William Smith في ربيع عام 1859، يقضي بدفع اجر دولار واحد لكل قدم يحفره في باطن الارض.
كان من المتوقع ان يستغرق الحفر مئات الاقدام للوصول الى النفط، وكان العمل بطيئاً في منطقة صخرية، حيث فقد الجميع الامل، وعليه بعث BIssell وtownsend برسالة الى دريك Darake بوقف عمليات الحفر في اغسطس 1859، لكن دريك كان عنيداً مصمما على استكمال المهمة ولم تكن الرسالة قد وصلته بعد.
في يوم السبت بتاريخ 27 اغسطس 1859، كان الحدث الكبير في تاريخ الصناعة النفطية باكتشاف اول بئر نفطي في العالم بقرية Titusville في ولاية بنسلفانيا على عمق 69 قدما، ثم توقف عن العمل يومها لاسباب فنية بحتة، لكن Smith وDarake عادا الى الموقع يوم الاثنين 29 اغسطس 1859 للبدء في البئر رقم 1 بضخ النفط بواسطة المضخات الى براميل الويسكي الخشبية.
عبقرية تشرشل
عام 1911 كان تشرشل الشاب وزيرا للداخلية البريطانية، واحد القادة الاقتصاديين المستائين من النفقات العسكرية المتزايدة التي كانت بسبب تلك المنافسة والنزاع بين البحرية البريطانية والاسطول الالماني، ولكن تشيرشل حاول ان يثبت على نحو متشددان من الممكن تفادي الحرب مع المانيا، وان النوايا الالمانية ليست بالضرورة عدائية، واصر على ان من الافضل ان تنفق الاموال على البرامج المحلية بدلا من انفاقها على المزيد من السفن الحربية.في الاول من يوليو عام 1911 ارسلت البحرية الالمانية السفينة البحرية «البانثر» الى مرفأ اغادير، على الشاطئ الاطلسي للمغرب، وكان هدف الالمان التحقق من النفوذ الفرنسي في افريقيا والعمل على ايجاد موقع لالمانيا هناك، ورغم ان البانثر لم تكن سوي سفينة مدفعية واغادير مجرد ميناء ثانوي الاهمية، اشعل وصول السفينة ازمة دولية حادة، بسبب سعيها الى ايجاد «مكان تحت الشمس»، ولانها تتحدى على نحو مباشر القوتين العالميتين الفرنسية والبريطانية. ولعدة اسابيع سيطر الخوف من اشتعال حرب على اوربا، ولكن مع نهاية يوليو هدأ التوتر، لكن الازمة غيرت وجهة نظر تشرشل وناقضت تقييمه المسبق للنوايا الالمانية، فاقتنع بان المانيا ستعرض عضلاتها العسكرية بهدف الهيمنة، واستنتج ان الحرب معها اصبحت حتمية عمليا، لكنها مجرد مسألة وقت.
بعد تعيينه قائدا عاما للأدميرالية البريطانية مباشرة بعد اغادير، اخذ تشرشل على عاتقه بذل كل ما بوسعه لتجهيز البحرية استعدادا ليوم تصفية الحساب مع المانيا الذي لا مفر منه، وكانت مهمته هي ضمان ان البحرية الملكية البريطانية، رمز الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، جاهزة لمواجهة التحدي الالماني في عرض البحار، ولكن القضية الاكثر اثارة واهمية كانت كيف يواجه مشكلة تقنية بحتة تتمثل في تحويل البحرية البريطانية الى النفط مصدرا للطاقة وبديلا من الفحم الذي كان الوقود التقليدي الذي كان له تأثير كبير خلال القرن العشرين. اعتقد كثير ان مثل هذا التحويل مجرد غباء مطلق، لانه يعني انه لم يعد بامكان البحرية الاعتماد على الفحم الانكليزي الآمن والمضمون، ويجب ان تعتمد بدلا منه على امدادات النفط البعيدة وغير المضمونة من بلاد فارس في حينها. ان الزام البحرية على نحو نهائي بالنفط سيتسبب في الحقيقة بكثير من المشاكل للامبراطورية البريطانية، لكن الفوائد الاستراتيجية - السرعة الاكبر والاستخدام الاكثر فعالية للطاقة - كانت واضحة جدا امام تشرشل فلم يضع الوقت اطلاقا وقرر انه يتوجب على بريطانيا جعل «سيادتها البحرية تعتمد على النفط» معتمدا على حماسته والتزامه بانجاز الهدف، ولم يكن هناك خيار – كما قال تشرشل- اذ «ان السيادة بحد ذاتها هي جائزة تلك المغامرة».
مغامرة الطاغية صدام
ادرك تشرشل حقيقة اساسية قابلة للتطبيق ولعدة عقود بعد ذلك، فقد اصبح النفط يعني السيادة طوال القرن العشرين من خلال الحربين العالميتين الاولى والثانية والحروب الاخرى التي تلتهما.
في اوائل التسعينات – بعد ثمانية سنة تقريبا من التزام تشرشل باستخدام النفط، وبعد حربين عالميتين، وطوال الحرب الباردة، وخلال ما يفترض بانه بداية حقبة جديدة اكثر سلما
اصبح النفط مجددا مركز الصراع العالمي في الثاني من اغسطس 1990، اجتاح صدام حسين بلدا مجاورا، الكويت، ولم يكن هدفه انتزاع سيادة الدولة وحسب، بل ايضا الاستيلاء على ثرواتها، حيث كانت هائلة الجائزة التي كان يهدف اليها، ففي حال نجح في ذلك، كان العراق سيمتلك قوة نفطية هائلة في العالم، وسيسيطر على العالم العربي والشرق الاوسط بأكمله، حيث الاحتياطي الهائل لمخزون النفط على هذا الكوكب. وعليه فان قوة ذلك البلد الجديد وغناه وتحكمه بالنفط سيجبر بقية العالم على القبول بتطلعات صدام، وسيتمكن صدام من قيادة العراق الى دولة تمتلك اسلحة نووية محظورة، وربما يمهد ذلك الطريق ليصبح العراق دولة عظمى، اما النتيجة فستكون تحولا دراماتيكيا في ميزان القوى الدولي، وباختصار السيادة بحد ذاتها هي الجائزة الكبرى التي كان يهدف اليها.
المغامرة مرة أخرى
لكن المغامرة كانت كبيرة على نحو واضح لدرجة ان اجتياح الكويت لم تقبله بقية العالم على انه امر واقع، كما كان صدام حسين قد توقع، فلم يلاق التجاهل نفسه الذي كان قد لاقاه هتلر عند سيطرته على ارض الراين المرفقة باحلامه التوسعية بالسيطرة على كامل اوروبا وفرض ذلك امرا واقعا، ونتيجة لذلك حشد العديد من الامم في العالمين العربي والغربي القوى العسكرية بصورة دراماتيكية للدفاع عن المملكة العربية السعودية المجاورة ودول الخليج الاخرى، لمواجهة العراق ومقاومته قبل ان يستفحل الامر ويتوسع صدام لتحقيق طموحاته. ورغم انه في ربيع عام 1990، اي قبل بضعة اشهر فقط من الغزو العراقي، كان الرأي السائد لدى القيادة العسكرية الاميركية ان النفط قد فقد استراتيجيته بشكل واضح، فان غزو الكويت قد عرّى هذا الوهم في اوائل عام 1991، عندما فشلت الوسائل السلمية في ضمان انسحاب العراق من الكويت، تحالفت ثلاث وثلاثون دولة بقيادة الولايات المتحدة على مواجهة صدام حسين فبدأت الحرب الهجومية بعد خمسة اسابيع من الحرب الجوية تلتها مائة ساعة من الحرب البرية، أجبرت العراق على الانسحاب وتحرير الكويت. فكانت السيادة هي الجائزة للمرة الثالثة في وجه المغامرة الطائشة لصدام حسين.
تحولات القرن العشرين
على الرغم من ان التاريخ الحديث بدأ في النصف الثاني ن القرن التاسع عشر، فان القرن، العشرين شهد تحولات عديدة حولت نمط الحياة على سطح هذا الكوكب خلال هذا القرن، فقد تحول العالم من الاعتماد على الفحم الى الاعتماد على النفط بشكل كامل ونتجت عن ذلك تحولات أساسية ثلاثة بينت لنا أهمية هذه المادة وتأثيرها خلال القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين الحالي.
التحول الأول: هو ظهور وتطور الرأسمالية والأعمال الحديثة، فالنفط هو العمل الأكثر أهمية وانتشارا في العالم، والأعظم بين الصناعات الكبرى التي انبثقت في العقود الأخيرة للقرن التاسع عشر. إن شركة ستاندر أويل سيطرت بصورة شاملة على اقتصاد النفط الاميركي مع نهاية ذلك القرن حيث كانت من بين المستثمرين الأوائل والأكثر عالمية. فقد توسعت الأعمال النفطية لتشمل كل شيء بداية من الحفارات التي تنقب عنه الى بيعه من خلال مرافئ لشحن والتصدير عبر المسوقين له والمقاولات الكبيرة لإقامة المنشآت النفطية الضخمة لتتصور حجم هذه الأعمال الكبيرة خلال أعمال القرن العشرين والاستراتيجية المشتركة، والتغيير التكنولوجي وتطور السوق، في الاقتصادات المحلية والدولية. طوال تاريخ النفط، عُقدت الصفقات وصدرت القرارات الخطيرة – بين الرجال والشركات والأمم – أحيانا مع الكثير من الحسابات وأحيانا بمحض الصدفة. لا وجود لأي عمل آخر بهذا الوضوح والمبالغة يوضح معنى المخاطرة والمكافأة والأثر العميق للفرصة والقدر. أما التحول الثاني: فهو ان النفط سلعة متداخلة على نحو حميم مع استراتيجيات الأمم والسياسات والقوى العالمية. إن ساحات قتال الحرب العالمية الاولى قد أكدت أهمية النفط كعنصر قوة وطنية عندما سيطرت آلة الاحتراق الداخلية على المحركات العاملة بقوة الفحم والحصان. لقد كان النفط اساسيا لمسار ونتاج الحرب العالمية الثانية في كل من الشرق الأقصى وأوروبا. هاجم اليابانيون ميناء بيرل هاير Pear Harbour بهدف حماية جيشهم وهو يطوق الموارد النفطية في جزر الهند الشرقية. ومن بين أهداف هتلر الاستراتيجية الأكثر أهمية في غزو الاتحاد السوفيتي كان السيطرة على حقول النفط في القوقاز. إلا أن التفوق الاميركي في النفط أثبت أنه حاسم مع نهاية الحرب العالمية الثانية. في سنوات الحرب الباردة، كانت المعركة للسيطرة على النفط بين الشركات الدولية والبلدان النامية جزءا أساسيا من الدراما الكبرى للتخلص من الاحتلال وانتشار القومية الجديدة Nationalism، ازمة السويس عام 1956، التي شكلت السمة الحقيقية لنهاية الطريق للقوى الأوروبية القديمة العظيمة، كانت حتما تتعلق بضمان إمدادات النفط. لقد لاحت «قوة النفط» في السبعينات، تطلق الدول الى مواقع ذات غنى ونفوذ كبيرين وتخلق أزمة كبيرة من الثقة في الأمم الصناعية التي اعتمدت بنموها الاقتصادي على النفط. كما كان النفط جوهر غزو العراق للكويت.
الذهب الاسود
ومع ذلك، أثبت النفط ان بإمكانه ان يصبح المعدن الأصفر. لقد تحققت الأمنية الأكثر تطلعا لشاه إيران، لثروة النفط لكنها في النهاية اقتلعته من كرسيه الملكي، أما الاتحاد السوفيتي – ثاني أكبر مصدر للنفط – انتهى بسبب اسرافه لعائداته النفطية الهائلة في السبعينات والثمانينات في التعزيزات العسكرية، وسلسلة من المغامرات الدولية العقيمة، التي كانت في بعض الأحيان، كارثية. والولايات المتحدة، أكبر منتج في العالم سابقا والمستهلك الأكبر حاليا، توجب عليها استيراد نصف حاجتها من النفط، لتضعف موقعها الاستراتيجي بكامله وتضيف الكثير من الأعباء على الميزانية المرهقة مما سبب قلقا لقوة عظيمة.
مع نهاية الحرب الباردة، تشكل نظام عالم جديد، عالم من المنافسة الاقتصادية والنزاعات الإقليمية والخصومات العرقية التي استبدلت الايديولوجية كمركز للنزاع الدولي والوطني، يساندها ويدعمها تكاثر الأسلحة الحديثة. ولكن مهما كان تطور هذا النظام الدولي الجديد، سيظل النفط السلعة الاستراتيجية، الضرورية للاستراتيجيات القومية والسياسات العالمية.
أما التحول الثالث في تاريخ النفط، فيوضح كيف اصبحنا «مجتمعا هيدروكربونيا»، ونحن في لغة علماء الإنسان، «البشر الهيدروكربونيون». في عقوده الأولى قدمت تجارة النفط عالما صناعيا مع منتج أطلق عليه اسم صناعي «الكيروسين» الذي عرف باسم «النور الجديد»، والذي دفع بالليل للوراء ومدّد يوم العمل. في نهاية القرن التاسع عشر، كان John D.Rockefeller جون دي روكفيللر قد اصبح أغنى رجل في الولايات المتحدة من بيع الكيروسين. كان البنزين قد اصبح عندها منتجا ثانويا لا فائدة منه، وكان من الممكن بيعه أحيانا لقاء سنتين للغالون، وعندما يتعذر بيعه، يتم تسريبه الى الأنهار في الليل. ولكن، عندما بدا أنه مع اختراع المصباح المتوهج هناك اشارة الى زوال صناعة النفط، انطلقت حقبة جديدة مع تطور محرك الاحتراق الداخلي يعمل على البنزين. اصبح لصناعة النفط سوق جديد، وولدت الحضارة الجديدة. في القرن العشرين، أسقط النفط، يسانده الغاز الطبيعي ملك القرن التاسع عشر، الفحم من عرشه كمصدر للقوة في العالم الصناعي. اصبح النفط اضافة الى ذلك اساس التوسع في صناعة النقل والتوسع في المدن والضواحي، تلك الحركة التي غيّرت معيشتنا الحديثة. حيث نعتمد على النفط كثيرا، ويدخل كل دقيقة من حياتنا اليومية، فكدنا نتوقف عن استيعاب أهميته المنتشرة. فالنفط هو من يجعل مكان سكننا ممكنا، كيف نعيش، كيف نصل الى عملنا، كيف نسافر؟ حتى مكان إقامة علاقتنا. إنه عصب حياة مجتمعات الضواحي والمدن الحديثة.
ان النفط والغاز الطبيعي هما المكونان الرئيسيان في السماد الذي تعتمد عليه زراعة العالم، كما ان النفط يقدم المواد البلاستيكية والكيميائية التي هي اساس الحضارة الحالية، حضارة ستنهار في حال جفت ابار النفط في العالم فجأة.
هذه، اذاً، التحولات الثلاثة التي احيت قصة النفط. بخلفيتها العالمية، ان القصة هي تاريخ لاحداث حقبة اثرت على حياتنا جميعاً، تتعلق بالقوى الموضوعية المهمة للاقتصاد والتكنولوجيا، مع استراتيجيات وبراعة رجال الاعمال والسياسيين.
ان القرن العشرين يستحق بجدارة لقب «قرن النفط». ولكن مع كامل الصراعات والتعقيدات، كان هناك الكثير من «التماثل» في قصة النفط، شعور مؤقت حتى تجاه الاحداث التي وقعت منذ زمن بعيد، وفي الوقت نفسه، اصداء عميقة للماضي في احداث الحاضر والمستقبل.
القرن الجديد
خلال القرن العشرين، كنا نحتفل بتزايد الاعتماد على النفط بصورة كاملة تقريباً على انه رمز للتطور الانساني. ولكن لم يعد الامر كذلك، ومع تطور الحركة البيئية ومعارضتها. فان الجهود تتصاعد في انحاء العالم للتخفيض من احتراق الوقود – النفط، الفحم والغاز الطبيعي – بسبب ما تشكله من دخان وتلوث في الهواء والامطار الحمضية ومشكلة الاوزون، وبسبب شبح التغير المناخي. ان النفط متهم الان بالتسبب بالانحطاط البيئي، والصناعة النفطية التي تفتخر ببراعتها التكنولوجية ومساهمتها في صياغة العالم الحديث وجد نفسه في موقع الدفاع، متهم بتشكيله التهديد على الاجيال الحاضرة والقادمة.
ومع ذلك، لا يبدو «الانسان الهيدروكربوني» راغباً بالتخلي عن سياراته، والفلل الفخمة التي يسكنها ووسائل الراحة التي تمكنه هذه المادة من الاستفادة منها، وتلك الامور التي لم يعد يعتبرها وسائل للراحة بل ضروريات في الحياة، وترفض شعوب العالم النامي حرمانها من فوائد الاقتصاد المعتمد على النفط، مهما كانت المشاكل البيئية. وان اي فكرة لخفض استهلاك العالم من النفط مرفوض من معظم شعوب العالم «بحقهم» في الاستهلاك. اما الاجندات البيئية العالمية للعالم الصناعي فسيتم مقارنتها مقابل حجم النمو. وهي من اكثر الصدامات خطورة واهمية بين الدعم القوي والمتزايد لحماية البيئة على الوجه الافضل من جهة وبين الالتزام بالنمو الاقتصادي وفوائد المجتمع الهيدروكربوني والحفاظ على سلامة الطاقة من جهة اخرى.
ونحن ننظر الى القرن الواحد والعشرين، يتضح ان التفوق قد يتحقق من رقاقة الكمبيوتر تماماً كما من برميل النفط. ومع ذلك، لا يزال لصناعة النفط ذلك الاثر الهائل. والى ان يتم العثور على مصدر بديل للطاقة، سيظل للنفط تأثيرات هائلة على الاقتصاد العالمي، حيث يمكن لتغيرات الاسعار الهائلة ان تدعم النمو الاقتصادي او على النقيض قد تؤدي الى التضخم المالي والركود الاقتصادي. ان النفط، اليوم، هو السلعة الوحيدة التي تتصدر على نحو منتظم الصفحات الاقتصادية والعناوين على الصفحات الرئيسية. وكما في الماضي، هو المحرك الهائل للثروة للافراد والشركات والامم بكاملها – فالنفط هو المال.
ونحن في بدايات القرن الحادي والعشرين ندخل حقبة جديدة من هذه القصة، مع الاحداث السياسية والعسكرية المتوقعة، التوترات والاضطرابات في نيجيريا والجزائر والسودان والصومال.. الخ. والاهم من هذه الحالة منطقة الخليج العربي الساخنة حيث يوجد ثلثا احتياطي العالم للنفط وتجوبها اساطيل للدول الكبرى العسكرية ليل نهار، ترى ماذا يخبئ لنا القرن الجديد في هذه المنطقة الحيوية التي تنتج النسبة الاكبر من هذه الثروة التي تحرك الاقتصاد العالمي من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب.
ان عشنا فسنرى وان لم نعش فسيرى ابناؤنا واحفادنا ما لم نره في حياتنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.