فوجئ المارة في منطقة المروج الخضراء بين مباني مركز دبي المالي العالمي وفندق أبراج الإمارات بوجود نملات عملاقة «تعسكر» في المنطقة، ومنها من وضع بيضه وكأنها تنوي الإقامة لفترة طويلة، أو لعلها خرجت من مساكنها على حين غرة، ودون سابق إنذار. وخلافاً للصورة المألوفة في الطبيعة، بدا رواد المركز والعابرون من أمامه الذين تحلقوا حول النملات العملاقة لتفحصها «أقزاماً»، ودفعهم الفضول ومحاولة التعرف على طبيعة ذاك النمل إلى الاقتراب، وتفحص تلك المخلوقات التي صنعتها أنامل الفنانة الأميركية سوزان كوكران من الصلصال والبرونز، حتى تحولت قطعاً فنية تثير الدهشة. والتقط بعضهم صوراً تذكارية، بينما احتشدت عدسات شبكات تلفزيونية لمتابعة هذه المجسمات الغريبة. وقام بتدشين معرض «النمل العملاق» معالي الدكتور عمر بن سليمان محافظ مركز دبي المالي العالمي. وحضره جمع من المهتمين وعدد من وسائل الإعلام. ويستمر عرض مجسمات النمل لمدة عام، وفي حال عدم بيعها ستعود إلى موطنها في فلوريدا ثانية. كوكران حضرت وبعض المهندسين والخبراء مع نملاتها التي تم تفكيك أجزائها، لإعادة تركيبها حتى تقف منتصبة أمام بوابة مركز دبي المالي العالمي. وتبين هذه المنحوتات الشكل الواضح والدقيق للنمل الذي قام منذ ملايين السنين من وجوده على الأرض ببناء مدن معقدة فريدة التصميم، وباتت من بين أنجح المخلوقات في بناء كيانات متماسكة ومتعاونة ومتضامنة ولها تصرفات اجتماعية راقية. وأبدت سوزان طوال حياتها، اهتماماً بهذه المخلوقات الصغيرة الدقيقة التي كانت دوماً جزءاً من بيئتها، فقد أهداها والدها، وهو فنان أيضاً، الكثير من الكتب عن الحيوانات والطيور والحشرات التي لا تزال محتفظة بها بعناية حتى الآن. ونتيجة لذلك تعمق لدى سوزان حب الاستطلاع وفحص تلك المخلوقات الأرضية تحت المجهر. وباتت عيناها الفاحصتان على معرفة بتلك المخلوقات الانسيابية من ذوات السيقان الستة. ونقلت بداية شكل النمل على الورق باستخدام قلم رصاص، ومن ثم اتخذت شكل مجسم ثلاثي الأبعاد. تقول سوزان ل «البيان»: «بداية قمت بتشكيل المجسمات مستخدمة الصلصال وبعد اكتمال تلك الأشكال قمت بتغطيتها بالبرونز، وهو وصف مبسط لما قمت به». وحول اختيارها دولة الإمارات، أوضحت كوكران قائلة: «لقد طلب مني الصديق المهندس بشار الشروقي الذي يمتلك صالة عرض للفنون في دبي، وتم شحن نملاتي العملاقة بحراً بواسطة حاويتين من فلوريدا إلى ميناء جبل علي في دبي، واستغرقت الرحلة 30 يوماً، وتولى بشار الشروقي نقلها إلى هذا المكان». وتتمنى كوكران ان تبقى نملاتها في دبي أطول فترة ممكنة، مشيرة إلى انها مستعدة لبيعها من دون تردد إذا تقدم أحدهم بسعر معقول، وتترك المسألة بين يدي بشار. وأوضحت: «في تقديري تساوي كل نملة أكثر من مئة ألف $». الحوار مع كوكران تطرق أيضاً إلى العديد من القضايا المتعلقة بعملها:- متى انطلقت في صنع نملاتك، وهل هناك تقليد لأعمال فنانين آخرين في أسلوب صياغتها؟ بدأت في تشكيل النملات قبل 6 سنوات، ولا أدري إذا كان أي شخص قد قدم أعمالاً مماثلة من قبل. - قد استغرق تشكيل كل نملة ووضع اللمسات الأخيرة عليها نحو أربعة أشهر ونصف الشهر. واستخدمت في صنع كل نملة ما لا يقل عن نصف الطن من الصلصال، باستثناء كسوتها بالبرونز، الذي ضاعف أوزانها حتى أصبحت ثقيلة جداً. وأود القول هنا إن عملي في الفنون ينبع من هواية وليس من دراسة، إذ لم يسبق لي أن التحقت بكلية فنون جميلة، باستثناء تخرجي من الثانوية العامة. لو تحدثيننا عن انبثاق الفكرة؟ لمعت فكرة تشكيل هذه النملات عندما أخذت أراقب حركة النمل ونشاطها الدؤوب وروح التعاون بينها، فهي تعيش متكافلة في حياة ملؤها التعاون والتلاحم، وهي تعيش حياة اجتماعية متكاملة . لقد شاهدتها تحرك قرونها، وكأنها تطلق إشارات منتظمة يفهمها باقي النمل، ولاشك أن هناك لغة خطاب بينها. كيف كنت تتصورين تنفيذ عملك؟ ما حاولت القيام به هو تصميم نملات مطابقة للأصل. فلو نظر إليها أحد من فوق ومن مكان شاهق لظن أنها نملات حقيقية، ولكنها لا تتحرك. والطريف في الأمر أن النملات باتت عملاقة بينما ظهر البشر أمامها أقزاماً خلافاً للطبيعة تماماً. ولطالما ازدرينا النمل في حياتنا، لكن علينا دوماً تذكر أنها مخلوقات راقية لها نظام اجتماعي وعلاقات حميمة، ولغة تتفاهم بها. ولدينا هنا ثماني نملات، ولكنها لا تمثل كل النملات التي أمتلكها. فهناك المزيد منها في فلوريدا. هل تعتقدين أن بإمكانك الاستفادة من بيئة الإمارات لصنع شيء جديد، وما رأيك في الجمل كعنصر أساسي لمغامرتك الفنية المقبلة؟ الحقيقة، أعشق الجمال، فعندما زرت مدينة أزمير التركية قبل سنوات طويلة، شاهدت منظراً أثارني، وهو رؤية قافلة من الجمال تسير على حافة البحر، ولذلك أتمنى أن أنحت الجمال، فكم سيصبح شكلها جميلاً.