في خضم فضاء فسيح يموج بألوان شتى من الفضائيات، أضحت قنوات الأطفال المتخصصة واقعاً يجب أن نحسن التعامل معه في ضوء منظومة قيمنا وعاداتنا لما لها من تأثير على أنماط سلوك أطفالنا.. وما يسترعي الانتباه ويثير الدهشة أن أغلب البرامج التي تبث عبر هذه القنوات يتم استيرادها من الأسواق العالمية بنسبة 70%. فيؤدي ذلك بمرور الوقت إلى استبدال ثقافتنا بأخرى تختلف كليا عن مجتمعنا لأن محتواها ثقافة غربية تخاطب صغارنا العرب فتكسبهم العنف والأنانية والتمرد وتفقدهم هويتهم وتجعلهم يشعرون بالضياع. لقد ترسخت في نفوسنا ثقافة الاستيراد حتى وصل بنا الحال إلى استيراد ثقافات الآخرين، فهل نحن عاجزون عن إنتاج عمل روائي عربي طويل لأطفالنا ولماذا إنتاجنا من برامج الأطفال ضئيل لم يبرح مكانه؟... تابعونا. يقول الدكتور إبراهيم الشمسي أستاذ الإعلام جامعة الإمارات إن إنشاء قنوات أطفال تختص بأبنائنا أمر جيد، لكن للأسف لا تعتمد هذه القنوات خطة برامجية مدروسة تركز على مهارات محددة تقوم برامجها بتنميتها، وتهتم فقط بالجوانب المعرفية وتغفل الجوانب العملية والمهارات الحركية، وتتعامل مع الطفل بطريقة المتلقي التي عفا عليها الزمن وتعرض محتويات تقدم التسلية دون تخطيط. انتقاء نوعي: وأكد الشمسي على ضرورة قيام الفضائيات بعملية انتقاء نوعي عند شراء البرامج من الأسواق العالمية، وألا تترك الباب مفتوحا لشراء كل (ما هب ودب)، ما يؤدي إلى إنتاج طفل فاقد للهوية، لا يعرف شيئاً عن شخصيته، هل هي عربية أم غربية أم شرق آسيوية؟ فيسبب ذلك ضياعه في خضم هذا الخليط المتنوع والمختلف، وحث الوالدين على مساعدة الطفل في اختيار القنوات والبرامج التي تناسب شخصيته في ظل كثرة البرامج والقنوات التي تملأ الساحة الفضائية. ويفضل الشمسي أن يكون بث هذه القنوات لمدة 4 ساعات تكون البرامج فيها موضوعة على أساس خطة مرسومة وذات أهداف محددة بدل مواصلة البث على مدار الساعة دون جدوى. ولفت إلى أنه يغيب عن هذه القنوات عدم قيامها بعمل دراسات تدرس أذواق الأطفال وتحدد الأوقات المثلى المناسبة لبث برامجها حتى تتناسب واحتياجات الأطفال في أوقات الراحة والمذاكرة والتسلية، معللا غلبة البرامج الأجنبية وسيطرتها إلى التكلفة الباهظة للمنتج العربي، رغم أنه يأتي من خلفية تعرف ماذا يريد الطفل وتراعي قيمه وعاداته، فترتئي هذه القنوات انه من الأفضل لها شراء المنتج الأجنبي رخيص الثمن لأن غايتها تحقيق الربح. وكشف عن لوبي داخل هذه المؤسسات يعمل لمصلحته الشخصية يتعامل مع شركات معينة دون اعتبار للمحتوى الذي يقدم لشراء برامج بعينها وغايته في المقام الأول العمولة التي يحصل عليها دون اعتبار لمصلحة الطفل، لأن ما يعنيهم هو كم دخل بجيوبهم والموضوع لا يخرج عن دائرة التجارة. ويوافقه الرأي الدكتور حسين المطوع عضو المجلس الوطني سابقاً وخبير تربوي في أن صغارنا أشد الحاجة إلى برامج تكون هادفة وتنتقى بعناية من خلال نخبة من التربويين يقومون على إعدادها. ثقافة مستوردة وقال المطوع : إني لا أحبذ وجود قنوات متخصصة للأطفال على شاكلة المتوفر منها حاليا، فما جدواها إذا كان أغلب برامجها سلعاً مستوردة من الخارج وأنتجت في بيئات ذات عادات تختلف عنا تحض على ثقافة الجيرل فرند والبوي فرند وثقافة الوجبات السريعة، وأطفالنا ضحية لهذه القنوات التجارية التي ليس لها مآرب سوى الربح. ودعا الآباء والأمهات إلى الاهتمام بأبنائهم ولا يترك لمثل هذه القنوات أخذ دورهم في تربية أبنائهم لأن هذا ما يحدث الآن. ولفت إلى أن هذا ليس معناه أن كل ما يقدم من برامج يدخل في دائرة الغث ولكن هناك بعض البرامج الابتكارية التعليمية المفيدة لكن الغالب على المادة التي تقدم تحض على العنف والأنانية والعدوانية ولا يعاني من هذا الأمر مجتمعنا فقط، فحتى في أميركا تعاني الأسر من سطوة هذه القنوات ويشتكون من أنها أفسدت عليهم أبناءهم لأنهم يتعلمون منها التمرد على سلطة الوالدين، ودعا القائمين على البرامج إلى جعل أفلام العنف بعد الساعة التاسعة مساء مثل ما يحدث بأميركا. وبحسب المطوع لابد لمجالس التعليم والمجلس الوطني أن يقوموا بالدور المنوط بهم عن طريق عمل التوعية اللازمة لتعريف الوالدين بكيفية التعامل مع البرامج التي تبث عبر هذه القنوات والأنماط السلوكية التي يكتسبها الأبناء، كما على الجامعات ودور البحث العلمي القيام بالدراسات وعمل إحصائيات حول هذه القنوات لما لها من تأثير مباشر على أطفالنا أملنا في غد مشرق. انعكاسات نفسية وترى سناء عبد العظيم موجهة الرعاية النفسية بوزارة التربية والتعليم أن أفلام الكارتون والبرامج الموجهة عبر هذه القنوات هي وسيلة تربوية لها انعكاسات نفسية على الطفل المتلقي، لأنه غالبا ما تستخدم شخصيات كاريكاتورية أو حيوانية فيتقمصها الطفل فيؤدي إلى استيعابه لها ويتغذى بها، منبهة إلى ضرورة الاستفادة من هذه البرامج في تعليمهم مهارات وأنماط سلوكية لأنها وسيلة لا يضاهيها شيء آخر في جذب انتباه الطفل وقد تفيد أكثر من عشرات الساعات من التعليم النمطي التقليدي. وأشارت موجهة الرعاية النفسية إلى أنها قابلت مشكلات عدة ناجمة عن ارتباط الطفل بهذه القنوات، فقد جاءتها أم تشتكي من عدم قدرة طفلها على التواصل مع الآخرين، وليست لديه قدرة على التحاور نتيجة ارتباط الطفل بهذه القنوات وطول مشاهدته لها، وأخرى كانت لديها شكوى غريبة، فابنها لا يتكلم إلا العربية الفصحى جراء تعلقه بأفلام الكارتون المدبلجة. ونصحت الوالدين بالدخول إلى عالم الطفل وعدم تركه يتقاذفه التيار في مختلف الاتجاهات والجلوس معه لمعرفة ما وراء الحدث الذي يقدم والاستفادة منه في تعليمه مهارات معينة وتنويع نشاطات الطفل بين اللعب والمشاهدة والحوار والرحلات وعدم منع الأطفال من مشاهدة هذه القنوات حتى لا نعالج خطأ صغيرا بأخر أكبر، وعلى الآباء مراعاة انه توجد أحيانا مفاهيم مدسوسة وموضوعة بطريقة خفية تتنافى مع قيمنا تحتويها هذه البرامج وقد تحث على أنماط استهلاكية معينة أو غير ذلك، فيميز كل هذا الآباء وينمون ما يتناسب وحاجات أطفالهم. وشددت سناء على أن العنف الذي يقدم عبر هذه القنوات اقل بكثير مما يقدم في برامج الكبار وإذا اكتسب الطفل سلوكاً عدوانياً يجب أن يتم إخضاع الطفل لبرنامج شامل لتعديل السلوك تتعاون فيه الأسرة والمدرسة للعمل على عزل السبب الذي يؤدي إلى هذا السلوك. وخصت القائمين على ترجمة الأفلام الكارتونية بتحري الدقة فيما يترجمون وان يكونوا أمناء على أطفالنا في عدم النقل حرفيا لمحتوى المنتج حتى لو خرجوا أحيانا عن إطار مضمون المادة التي تقدم. الطفل هدفنا أما نادين حسن مديرة الإنتاج بقناة (ام. بي. سي. ثري) فترى أن ظهور قنوات فضائية متخصصة للأطفال يعد أمراً ايجابياً، ويخلق حالة من المنافسة القوية بينها من اجل الاستحواذ على رضا المشاهدين (الأطفال) فهذه الفئة العمرية تحتاج لمثل هذه القنوات تثقيفياً وتعليمياً واجتماعياً وأخلاقياً، وترى أن (ام. بي. سي. ثري)على سبيل المثال عندما انطلقت قبل ثلاث سنوات آلت على نفسها أن تقدم كل ما يلبي احتياجات ويرضي رغبات وأذواق الأطفال من سن 3 سنوات إلى 12 عاما. وتوضح أن المادة التي تقدم في برامج الأطفال يتم اقتناؤها من الأسواق العالمية بنسبة70%، وتراعي دائما في المحتوى الذي يقدم أن يتوافق مع قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الإسلامية، كما تهتم بتنوع هذا المحتوى وفق المراحل العمرية المختلفة، وتعمل البرامج المقدمة على تنمية الجوانب المعرفية من فهم وتذكر وإدراك عند الأطفال، وتغرس فيهم قيم الاعتماد على النفس والإبداع والابتكار، واعتماد أسلوب الحوار في المناقشة، ويراعى في المادة التي تقدم أن تكون مقبولة من الآباء والأمهات لأنهم يتشاركون مع أبنائهم في اختيار المنتج الذي سيشاهده أبناؤهم. سلوكيات مرفوضة .. وترى لمياء عصام ربة بيت أن بعض البرامج التي تبث على أغلب هذه القنوات تحرض على أنماط سلوكية غربية بعيدة كل البعد عن قيمنا كأن ترتدي إحدى الموظفات ملابس قصيرة (ميني جيب) مكشوفة البطن ما يرسخ هذه النماذج في عقول أطفالنا الصغار، وتوجد برامج أخرى تحرض على العنف والتخريب، وتغرس سلوكيات عدوانية ما ينجم عنها من أضرار على الطفل وأسرته وأسماء الشخصيات الكرتونية دائما ما تكون غربية كفيليب واسكندر وجون وغيرها. منتج عربي وأضافت : في الفترة الأخيرة تعلق أطفالها بقناة تسمى (طيور الجنة) تعلقاً شديداً حتى أنهم يقضون أمامها أكثر من 10 ساعات يومياً وارتبطوا بالأطفال الذين يقدمون الأغاني والبرامج وما يميزها أن المادة أو المنتج المقدم عربي بنسبة 100 % ما يجعلها تختلف عن القنوات الأخرى، كما تغرس فيهم قيم النظافة واحترام الآباء والأجداد وتعلمهم الصلاة والصوم وتذكرهم بالمسجد الأقصى وبالإسراء والمعراج، وتقول إن ابنتها كانت لا تهتم بتناول الطعام وبعد ارتباطها بهذه القناة بدأت طفلتها تتغذى تغذية صحيحة كي تكون مثل أطفال طيور الجنة حسب قولها. أرقام مخيفة أجرت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال دراسة أكاديمية أكدت أن الطفل يقضي 900 ساعة في مقاعد الدراسة سنوياً وحوالي 1023 ساعة أمام شاشات التلفزيونات ما يعني أنه يقضي أوقاتاً أمام التلفزيون أكثر مما يقضيه في المدرسة. وتؤكد إحصائيات أن الطفل يشاهد التلفزيون بمعدل 3 ساعات على مدار اليوم، ويشاهد قبل بلوغه 16 عاماً ما لا يقل عن 800 جريمة قتل و100 مشهد عنف. عيون حالمة الطفلة إيمان بصوتها الرهيف وابتسامتها الخجولة وعيونها الحالمة التي لم تتجاوز الأربع سنوات تحب قنوات الأطفال وتشاهدها ساعات طوالاً وتحب مشاهدة شهد صلاح بصوتها الطفولي الدافئ وهي تغني (يا طيبة ولبيك رسول الله وكنا زمان) كما تحب رغدة وهي تطربها ب (عساكم من عواده، وسناني واوا ويارب ترجعلنا) كما تبدي إعجابها بنشرة أخبار الدار وتوم وجيري.