دم الحبل السري هو الدم المتبقي في المشيمة وحبل السرة بعد الولادة، ويتم تجميعه مباشرة بعد فصل المولود عن المشيمة والحبل المتصل بسرته. يعتبر دم الحبل السري احد المصادر الحيوية الغنية بالخلايا الجذعية، مثله مثل نخاع العظم والدم المحفز لإنتاج الخلايا الجذعية. وتأتي أهمية دم الحبل السري لاحتوائه على خلايا جذعية بدائية المنشأ، مقارنة بالخلايا الجذعية الموجودة في نخاع العظم والدم، لها القدرة على التجديد الذاتي، الانقسام والتميز إلى خلايا أخرى أكثر تخصصا في وظائفها كخلايا الدم، القلب والخلايا العصبية وغيرها. تحدثت الى «الشرق الأوسط»، الدكتورة هند الحميدان، استشارية أمراض الدم مديرة بنك الدم وخدمات نقل الدم وبنك دم الحبل السري بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، موضحة أنه مع كثرة استخدام دم الحبل السري كمصدر للخلايا الجذعية في علاج كثير من الأمراض، ازدادت الحاجة لإنشاء وتأسيس بنوك مهمتها الأساسية تخزين عدد كبير من وحدات الخلايا الجذعية المستخلصة من دم الحبل السري وتوفيرها للمرضى المحتاجين لهذا النوع من الزراعات، ففي عام 1993، شهد العالم ولادة أول بنك عام لتخزين وحدات دم الحبل السري في نيويورك بالولايات المتحدة الأميركية. بنك وطني :- * أوضحت الدكتورة الحميدان أن برنامج زراعة الخلايا الجذعية بدأ في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث عام 1988، وذلك بزراعة الخلايا الجذعية المستخلصة من نخاع عظم المريض نفسه أو من أحد الأقارب المتطابق نسيجيا، ثم بدأ برنامج زراعة الخلايا الجذعية المستخلصة من الدم، وذلك بإعطاء المتبرع أدوية تساعد على تحفيز وزيادة إنتاج تلك الخلايا في الدم، ومن ثم تجميع تلك الخلايا بواسطة أجهزة خاصة من دون حاجة المتبرع للدخول إلى غرفة العمليات في حالة تجميعها من نخاع العظم. ونظرا لعدم وجود متبرعين أقارب لنخاع العظم أو الدم كاملي التطابق في كثير من الحالات، حيث يوجد أكثر من 35% من المرضى المحتاجين لزراعة الخلايا الجذعية من دون متبرع قريب متطابق، فقد بدأ التوجه إلى استعمال دم الحبل السري كمصدر للخلايا الجذعية من غير الأقارب، حيث بدأ في عام 2003 برنامج مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث لزراعة وحدات خلايا دم الحبل السري. وبالرغم من التكلفة الباهظة لتلك الوحدات، إلا انه ومنذ بدء البرنامج، تم زراعة ما يزيد على 85 وحدة تم استيرادها من بنوك عالمية لتخزين وحدات دم الحبل السري. ومن هنا أتت فكرة إنشاء بنك وطني عام لتخزين وحدات الخلايا الجذعية المستخلصة من دم الحبل السري. وتشير الدكتورة الحميدان إلى أنه في شهر يوليو 2006، افتتح البنك لتجميع ومعالجة وتخزين وحدات للخلايا الجذعية المستخلصة من دم الحبل السري في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث، تحت إشراف قسم علم الأمراض وطب المختبرات، وذلك بالتعاون مع أقسام النساء والولادة بالمستشفى ومستشفى اليمامة بالرياض. يعتبر هذا البنك الأول من نوعه على المستوى المحلي والإقليمي، ويقوم بتوفير وحدات عالية الجودة من الخلايا الجذعية لغرض زراعتها للمرضى من ذوي الأقارب وغير الأقارب المحتاجين لهذا النوع من العلاج الخلوي. وتقوم عادة منسقة بنك دم الحبل السري بزيارة الأم بعد الولادة لأخذ موافقتها على التبرع واخذ التاريخ الطبي للعائلة وسحب عينات دم من الأم لتحليلها والتأكد من خلوها من الأمراض المعدية، وقد تقوم المنسقة بهذا العمل خلال فترة الحمل وذلك بعد مضي الأشهر الستة الأولى منه. عند تبرع الأم بوحدة دم الحبل السري إلى بنوك دم الحبل السري العامة، لا يحق لها المطالبة بالوحدة المتبرعة لزراعتها إلى نفس المولود أو أحد أفراد أسرتها حتى إذا كانت هناك حاجة ماسة إلى ذلك، فالبنك لا يضمن بقاء الوحدة المجمعة إلى حين حاجتها من قبل أحد أفراد الأسرة نفسها ما لم يتم التنسيق على ذلك مسبقا، خاصة عند وجود أحد أفراد الأسرة مريضا ومتطابقا نسيجيا مع الوحدة المجمعة ويتم علاجه في مستشفى الملك فيصل ومركز الأبحاث. معايير التبرع:- * تؤكد الدكتورة الحميدان أن هناك معايير وشروط يجب توفرها في الأم والمولود قبل التبرع وأثناء تجميع وحدة دم الحبل السري. من المعايير التي يجب توفرها في الأم قبل التبرع:- ألا يقل عمر الأم عن 18 سنة. ألا تقل مدة الحمل عن 36 أسبوعا. أن تكون الأم بصحة جيدة. ألا تكون هناك صعوبات أثناء الحمل أو تعقيدات وقت الولادة. ألا يوجد تاريخ طبي للأم لأمراض وراثية أو معدية تنتقل عن طريق الدم. ألا يمر على تمزق غشاء الرحم أكثر من 24 ساعة. أما المعايير والشروط التي يجب توفرها في المولود قبل تجميع دم الحبل السري فهي كالتالي: ألا يقل وزن المولود عن 2500 غرام. ألا يقل معيار أبجر للخمس الدقائق الأولى بعد الولادة عن 8 من 10 درجات. عدم تعرض المولود لاختناق أثناء الولادة. عدم وجود تشوهات خلقية أو أمراض معدية عند المولود. بعد تجميع وحدات الدم المأخوذة من دم الحبل السري، يتم نقل تلك الوحدات إلى مختبرات بنك دم الحبل السري، وذلك لمعالجتها بطرق خاصة لفصل الخلايا الجذعية منها، ثم تخزينها في أجهزة تبريد خاصة مصممة خصيصا للتخزين لفترات طويلة تحت درجات حرارة منخفضة جدا تصل إلى مائتي درجة مئوية تحت الصفر. بعد ذلك يتم عمل الاختبارات اللازمة للتأكد بأن وحدة الدم المجَمعة مطابقة للمواصفات والشروط قبل تخزينها النهائي، ووضعها ضمن الوحدات المؤهلة للزراعة. طريقة زراعة الخلايا الجذعية:- * تفيد الدكتورة هند الحميدان أن زراعة الخلايا الجذعية المستخلصة من دم الحبل السري تتم بنفس الطريقة التي تتم فيها زراعة الخلايا الجذعية من نخاع العظم أو الدم، حيث تزرع بأعداد محددة للكيلوغرام الواحد من وزن المريض، وقد تختلف في تحضير المريض وإعطائه العلاجات اللازمة لتقبل الخلايا المزروعة. وتوضح الدكتورة الحميدان أن زراعة الخلايا الجذعية تعتبر بصورة عامة غير آمنة 100%، لأن المريض قد يتعرض لصعوبات وأضرار جانبية قبل وأثناء وبعد الزراعة، وإن كانت تلك الصعوبات والأضرار بنسبة أقل مع زراعة خلايا دم الحبل السري. تستخدم الخلايا الجذعية المأخوذة من دم الحبل السري وبصورة محدودة في علاج المرضى البالغين، وذلك لاحتوائها على عدد محدود من الخلايا لا يكفي للزراعة، كذلك لا يمكن الحصول على وحدات أخرى من نفس المتبرع. وتقوم الأبحاث الحالية في مجال زراعة الخلايا الجذعية من دم الحبل السري على زيادة أعداد تلك الخلايا، وذلك بزرعها خارج الجسم في بيئة خاصة تساعد على نموها وتكاثرها بكميات كبيرة، لكي يتم زراعتها لمرضى بالغين من دون تغير خصائص تلك الخلايا الأصلية. كما تجرى الكثير من المحاولات لزراعة أكثر من وحدة دم واحدة لنفس المريض البالغ، وذلك للتغلب على محدودية أعداد الخلايا وإعطائه جرعة الخلايا المناسبة لمرضه ووزنه. وتسعى الأبحاث أيضا جادة في تكوين أعضاء من الخلايا الجذعية الموجودة في دم الحبل السري، وقد أحدثت هذه الأبحاث ثورة في الأوساط العلمية، خاصة عندما استطاع فريقان من إنجلترا وكوريا تكوين عضوين، هما كبد وبنكرياس، من خلايا جذعية مستخلصة من دم الحبل السري. إن مهمة بنوك دم الحبل السري لا تنحصر فقط على تجميع وحدات دم الحبل السري وتوفرها للزراعة، بل تتعداه إلى تعليم وتثقيف المجتمع عن الخلايا الجذعية ومصادرها المختلفة، وزيادة الوعي لدى العوام على أهمية ومقدار التبرع بوحدات دم الحبل السري. ان إنشاء عدد أكبر من البنوك العامة لتخزين وحدات دم الحبل السري، وزيادة عدد الوحدات المخزنة سوف يساعد على التوسع في أبحاث واستخدام الخلايا الجذعية لعلاجات جديدة في المستقبل. ففي كل عام تكتشف أمراض جديدة يمكن علاجها بهذا الأسلوب، ويوفر أيضا وحدات متطابقة لكثير من الأقليات العرقية التي لا يمكن في كثير من الأحيان الحصول على وحدات متطابقة لمرضاها.