لم يكن مصادفة أن يتزامن وقع التفجيرات الإرهابية العنيفة التي ضربت الجزائر أمس الأول واحدثت زلزالا إرهابيا هو الأكبر من نوعه منذ ولجت الجزائر علي خريطة الإرهاب مطلع التسعينيات مع صدور أول تقرير جزائري دولي منذ عدة أيام يبشر ويفصل أن شهر نوفمبر الماضي وديسمبر الحالي يمثلان أول بداية إقلاع للجزائر من خانة الإرهاب الأسود. وعلي الفور بدأ تدشين حملة الانتخابات مبكرا لفترة ثالثة للرئيس بوتفليقة وقرعت طبول تعديل الدستور الجزائري بقوة خلال الأسابيع المقبلة ليسمح بفترة ثالثة بدلا من فترتين . بعد أن عزف الأوركسترا السياسي والإعلامي في الجزائر لحنا مميزا يبرز تجليات المصالحة الوطنية وميثاق السلم الذي تبدت تباشيره بالفعل ليلة الأسابيع الماضية, وعاد الجميع في الجزائر يودعون سنوات الدم والدموع. ولكن يبدو أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والذي أصبح ركيزة العمل الإرهابي وقائد سيمفونية التنظيمات الإرهابية في الجزائر منذ مطلع هذا العام بعد أن كان يعرف باسم تنظيم الجماعة السلفية للدعوة والقتال وقرر الالتحاق بالقاعدة واخواتها بالمنطقة اراد أن يفسد العرس الجزائري بحملة تعديل الدستور والمبايعة المبكرة للرئيس بوتفلية ليبلغ الجميع وفي الحال رسالة واحد مفادها أنه مازال موجودا ويسكن جبال الشرق الجزائري بقوة وأن عملياته لم تتوقف وأن غيابه طيلة الأشهر والأسابيع الماضية لايعدو أن يصب في خانة استراحة المحارب وليس بالتأكيد أن قدرته وقوته الضاربة قد شلت أو قطعت بعد سلسلة الضربات الأمنية الناجحة التي تلقاها طيلة الأسابيع الماضية من قوات الجيش والدرك الوطني الجزائري. ناهيك عن خطف واعتقال عدد من الأذرع الكبري لقادة هذا التنظيم منذ شهر سبتمبر الماضي وحتي الأمس القريب وهو الأمر الذي اعترف به صراحة في بيانات أميره بقاعدة الجزائر أبومصعب عبدالودود الذي اكثر من الحضور طيلة الأيام الماضية عبر شبكات الانترنت في بيانات ورسائل مصورة يدعو وبحذر جميع المواطنين بالابتعاد وعدم التعامل مع المؤسسات والهيئات الجماهيرية لأنها ستكون مستهدفة ومرصودة للقاعدة من الأيام المقبلة وما هو ما دعا العديد من السياسيين والأمنيين بل وسائل الإعلام للسخرية والتحكم من تلك الاطلالة لأمير القاعدة وصنفها العديدون بأنها أحلام في ضوء تكاثر خطط المواجهة العسكرية والأمنية التي تنفذها السلطات حاليا باستراتيجية الأرض المحروقة فوق رؤوس وتحت اقدام القاعدة وتنظيماتها المتوزعة بجبال وولايات الشرق الجزائري. وبالرغم من حدة ونفس التهديدات الإرهابية لامراء القاعدة في الجزائر الأسابيع الماضية لم يكن أحد علي الاطلاق يتصور أو يجول بخاطره خطط وتفجيرات التنظيم المرعبة وأين. داخل العاصمة وضد أشد الأماكن حساسية وتأمينا المجلس الدستوري الأعلي والذي يمثل قدسية التشريع القانوني في الجزائر ثم لتوسع الدائرة وتفتح قوسا جديدا لأول مرة باستهداف مبني ضخم للأمم المتحدة في الجزائر يضم مكاتب وهيئات الاغاثة والمفوضية العليا للاجئين وهيئة التنمية لينهار المبني بالكامل في ثوان معدودات في عملية إرهابية ذات تنويعات متعددة التخطيط والتنفيذ عن سيارة صهريج حملت بالمتفجرات بدلا من الغاز والبترول ولتذهل المفاجأة الجميع وتعقد السنة القادة وخبراء مكافحة الإرهاب وعذاباته عندما يكتشفون أن المنفذ شيخ طاعن شارف علي الستينيات أنضم إلي القاعدة حديثا وعمل بالالتحاق بقافلة الانتحاريين خروجا علي العادة والنسق الذي كان يلزم تجنيد وتجهيز انتحاريين من المراهقين الصغار وفئة الشباب فقط. وبات لافتا للجميع أن سجالات الإرهاب والتفجيرات المفخخة القادمة من الجزائر ستكون من الآن حلقة من حلقات العيار الثقيل بعد نوعية ودينكامية التنفيذ والأهداف التي تم اختيارها بدقة في تفجيرات الثلاثاء الأسود الأخيرة في الجزائر. بعد أن غيرت القاعدة قواعد وأصول اللعبة الإرهابية مع السلطات الأمنية في الجزائر واختارت أن تكثر وتركز عملياتها من الآن فصاعدا في العاصمة وفي قلب المواقع الاستراتيجية بعد أن نجحت فيما تطلق عليه غزوة11 أبريل الماضي التي استهدفت مقرا لحكومة ووزارة الداخلية ومراكز الأمن الكبري لتبدأ حرب الملاحقات والانتقامات المتبادلة بين الجانبين القاعدة والسلطات الجزائرية. ولكن يبدو أن السلطات الأمنية قد استوعبت خلال الساعات الماضية رسالة تفجيرات القاعدة التي تعد الأخطر والأعنف والأقوي في الجزائر منذ سنوات الإرهاب العشرين فخرجت من الساعات الأخيرة تسريبات عديدة من مصادر السلطة ووضع القرار الأمني والتسريبات الإعلامية التي توصي بأن السلطة قد استوعبت بالفعل رسالة التفجيرات الأخيرة ودويها الأخطر الذي تسببت فيه وأنها تستعد من الآن لحسم المعركة مبكرا قبل أن تلقي بظلالها السوداوية علي حملة تعديل الدستور وترشيح الرئيس بوتفليقة لعهدة ثالثة, حيث تجري حاليا واستعدادات تجييش قوات الجيش والأمن لمعاودة اطلاق منصات القذف والمطاردة والملاحقة فيما يسميه الخبراء الأمنيين والسياسيين بمعركة الخلاص من القاعدة في الأسابيع القادمة بعد الزلزل الذي تسببت فيه التفجيرات الجديدة واعادت ساعة الإرهاب من جديد للوراء. واللافت هذه المرة من تعامل السلطات الأمنية مع تفجيرات الثلاثاء الأسود أن اعترف وزير الداخلية وكبار القيادات لأول مرة وذكرها بعضهم بالأسم في الجزائر وهم الذين كانوا حتي الأمس القريب يرفضون ويتهكمون علي كل من يتحدث ويدعي بحضور القاعدة إلي الجزائر . وقرر العديد من المراقبين أن التهديدات الأخيرة وتفجيرات الثلاثاء فرضت نفسها علي الجميع وأضطرت السلطات الأمنية للاعتراف والاقرار بوجود وتنامي خطر القاعدة في الجزائر من محاولة منها لاعلان حالة التحدي ورمي القفزات في وجوه امراءها استعدادا للمعركة القادمة . والتي قال عنها وزير الداخلية يزيد زرهونه أنها معركة قوية ومصيرية مع تنظيمات الإرهاب في الجزائر ولكن لا تتوقعون منا أن نقضي علي تنظيمات الجماعة السلفية وأخواتها من القاعدة بشكل ضمني من يوم وليلة الأمر الذي فهمه البعض أن المعركة لم تصل بعد إلي ربع الساعة الأخير بل أن الشوط مازال طويلا ومتسعا. وأخيرا التحدي الأكبر والعاجل امام الرئيس بوتفليقة وأدواته الأمنية هو ضرورة ضرب أو تجسيد عمليات القاعدة قبل أن تعكر صفو معركته الرئاسية القادمة.