فى محاولة لاحتواء أعمال العنف بالعراق ، وتقييم الخطة الأمنية المطبقة منذ فبراير الماضى ، قام روبرت جيتس وزير الدفاع الأمريكي بزيارة مفاجئة مساء الجمعة الى العراق ، تزامنت مع إعلان السلطات حملة أمنية موسعة عقب التفجيرات الاخيرة بالبلاد ،وقد اجتمع "جيتس " اليوم السبت مع كبار قادة الجيش الامريكى بالعراق لتقييم تعزيز القوات الذى سيتم فى شهر سبتمبر القادم . ومن المقرر أن يجري ديفيد بترايوس قائد القوات الأمريكية فى العراق والسفير الأمريكي رايان كروكر تقييما في سبتمبر حول ما إذا كانت زيادة القوات الأمريكية نجحت في الحد من هجمات المسلحين وفي كبح العنف الطائفي خاصة بعد أن أرسل الرئيس الأمريكي جورج بوش 30 ألف جندي أمريكي إضافي إلى العراق لتأمين بغداد ليزيد عدد القوات الأمريكية إلى 160 ألف جندي بالرغم من معارضة الكونجرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون والذي يريد البدء في إعادة القوات إلى الوطن. وتنتظر الإدارة الأمريكية قدوم سبتمبر لتطلع على تقرير سير خطة فرض القانون المعلنة في بغداد منذ عدة أشهر حتى يرفعه الرئيس الأمريكي جورج بوش إلى الكونجرس . كماأن القادة في الولاياتالمتحدة يأملون فى تحقيق بعض النجاح لدى التقدم بطلب لتمويل القوات الأمريكية في العراق خلال شهر يوليو/تموز المقبل أو لدى تقييم التقدم المحرز بالعراق في شهر سبتمبر/أيلول المقبل.وقد شنت القوات الأمريكية عمليات هجومية حول بغداد خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية بعد يوم من اعلان وصول القوات الإضافية للعراق . و كان جيتس قد رفض الانتقادات الموجهة لقادة الجيش الأمريكي في العراق بعدم تقديم تقديرات واقعية للأوضاع هناك مؤكدا ثقته فى أداء وقدرات قائد قوات التحالف في العراق الجنرال ديفد بترايوس في تحقيق تغييرات بهذا البلد. كما استبعد، خلال زيارته الرابعة الى بغداد منذ توليه رئاسة البنتاجون في ديسمبر ، مبالغة القيادات العسكرية في رسم صورة أكثر تفاؤلاً لمسار الحرب في العراق،وذلك رداً على تساؤلات زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، هاري ريد، بشأن مدى دقة تقارير القيادات العسكرية عن أوضاع العراق. وتمثل تصريحات جيتس بعضا من أقوى الانتقادات الأمريكية للحكومة العراقية على الرغم من أنه شدد على أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يواجه "عقبات ضخمة" ويستحق استمرار دعم واشنطن. ، وقال إنه يعمل بالتنسيق مع الإدارة الأميركية وإنه سيحقق تقدما في هذا الإطار . كما حث جيتس رئيس وزراء العراق نورى المالكى - خلال لقاءهما اليوم - على بذل المزيد من الجهود لإحراز تقدم في عملية المصالحة الوطنية عقب عملية تفجير مئذنتي مرقد الإمامين العسكريين في سامراء وأوضح جيتس أنه يصل إلى العراق حاملاً الرسالة نفسها التي أبلغها للقيادات العراقية في إبريل/نيسان، ومفادها أن الجيش الأمريكي هناك لإتاحة بعض الوقت حتى يتسنى لهم تحقيق المصالحة وفرض الأمن والاستقرار في البلاد.وأن البنتاجون،سيركز خلال هذا الصيف، على تهدئة الأوضاع في العاصمة بغداد لإفساح المجال أمام المسؤولين العراقيين لتحقيق مصالحة وطنية في البلاد. وتنتظر واشنطن أن يؤدي إقرار مجلس النواب لمجموعة من القوانين مثل قانون جديد لتقاسم عائدات النفط وتعديل قانون "اجتثاث حزب البعث" إلى تحقيق نوع من المصالحة الداخلية بين الأطراف العراقية المتصارعة وبالتالي تخفيض مستوى العنف الذي يعصف بالعراق. ويقول محللون إن الشيعة والعرب السنة والأكراد في الحكومة الائتلافية بقيادة المالكي منقسمون بشكل كبير للغاية فيما يتعلق بالتوصل لتسوية سياسية بأنفسهم. ولم تظهر الكتل السياسية العراقية الرئيسية حتى الآن حرصا يذكر على التوصل لحل وسط فيما يتعلق بأي من القضايا الرئيسية.
وأعرب جيتس - في مؤتمر صحفي لدى وصوله العاصمة العراقية بغداد - عن خيبة أمله إزاء التطورات الأخيرة التي يشهدها العراق ، معربا عن أمله فى ألا يفضي تفجير مرقدي الإمامين العسكريين الأربعاء الماضي،والذي حمل تنظيم القاعدة مسؤوليته إلى مزيد من التدهور في الأوضاع . وأفادت اخر الأنباء على هذا الصعيد، بأن مسلحين قاموا بتدمير مسجد "العشرة المبشرين" التابع للسنة في مدينة البصرة جنوب العراق فى اطاراعتداءات على المساجد السنية بدأت من العاصمة بغداد على خلفية تفجير منارتى مرقد الإمامين العسكريين الشيعيين فى سامراء .ويشار إلى أن تفجير المرقد المقدس لدى الشيعة فى فبراير من العام الماضى قد أدى إلى اندلاع موجة من العنف الطائفى راح ضحيتها آلاف العراقيين فيما تم تدمير مئات المساجد والحسينيات بالإضافة إلى عمليات تهجير قسرى على أساس طائفى شملت مختلف مناطق العراق وأدت إلى موجة نزوح جماعى تحت وطأة العنف.وكانت الحكومةالعراقية قد فرضت حظرا كاملا على التجول اعتبارا من الساعة الرابعة عصر الجمعة فى مدينة البصرة بعد تفجير مرقد الصحابي طلحة بن عبيد الله.
وعلى الصعيد الانسانى ، نبهت الأممالمتحدة إلى أن أحوال مخيمات المهجرين في العراق تهدد بوفيات وأوبئة مثل الكوليرا والتيفوئيد هذا الصيف، بسبب ما وصفته بالأحوال الفظيعة داخل هذه المخيمات على الصعيد الصحي والغذائي والأمني.
وحذرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أن هذه الظاهرة تتزايد وتتركز في الجنوب، لا سيما في النجف، حيث يشرب قاطنوها مياها ملوثة. وتوقعت المنظمة ارتفاع عدد المخيمات في محيط بغداد أيضا بسبب إغلاق حدود المحافظات الأخرى في وجه المهجرين. وأعلنت المفوضية الأسبوع الماضي أن عدد اللاجئين العراقيين ارتفع إلى 4.4 ملايين شخص منذ الغزو الأميركي عام 2003، فر 2.1 مليون منهم إلى دول مجاورة مثل سوريا والأردن وإيران، فيما تشرد 2.3 داخل الأراضي العراقية وسكنوا مخيمات تفتقر إلى أدنى الاحتياجات الإنسانية.
بل حذرت المفوضية من أن هذه المخيمات لا تلقى الدعم المادي الذي تحتاجه لا من الحكومة العراقية ولا من المانحين، والمساعدات ضئيلة بشكل "مثير للشفقة". يذكر أن المفوضية حددت ميزانية قدرها 60 مليون دولار للعراق عام 2007 لكنها تريد أن ترفع هذا الرقم الآن إلى 85 مليونا بسبب تفاقم أعداد النازحين. وأعلنت المفوضية إنها ستوجه الشهر المقبل نداء إلى المجتمع الدولي لتقديم مزيد من الأموال لإغاثة اللاجئين العراقيين.وتحاول الأممالمتحدة إقامة مراكز توزيع مصغرة للمساعدات الإنسانية قرب مخيمات النازحين جنوبي العراق, محذرة من أن المزيد من هذه المخيمات سيظهر حول بغداد بسبب تفاقم العنف الطائفي.
ويعد جيتس هو ثالث مسؤول أمريكي كبير يزور بغداد خلال أسبوع بعد الاميرال وليام فالون أكبر قائد أمريكي في الشرق الاوسط وجون نيجروبونتي نائب وزيرة الخارجية الامريكية.
والجدير بالذكر أن وزارة الدفاع الامريكية أعلنت فى تقريرها الذى يصدر كل ثلاثة شهور عن العراق أن مستويات العنف بالعراق لم تتغير رغم الحملة الأمنية الأمريكية وأرجعت ذلك الى ارتفاع وتيرة التفجيرات الانتحارية وتفجيرات السيارات الملغومة التى تنفذها القاعدة فى العراق .
ويظل التساؤل : هل تنجح هذه المساعى الدبلوماسية فى انهاء أعمال العنف وتحقيق المصالحة الوطنية الكفيلة بتحقيق استقرار و استقلال العراق أم يبقى الوضع على ماهو عليه ؟!.