تحولت مصر إلى صناديق فكرية وميليشيات حزبية ودينية ومارست كل ألوان القصف العشوائي والصراع الفكري وجلس كل فريق يتحين فرصة الانقضاض على الآخر دون تفكير في مستقبل شعب ومصير وطن.. ان أصحاب الدكاكين الفكرية الذين يدبجون المقولات كل يوم دفاعا أو هجوما وهم يجلسون في مكاتبهم المكيفة لا يسمعون صرخات الإنسان المصري البسيط ولا تصل اليهم دعوات الأمهات الثكالى ولا يعرفون شيئا عن دماء الشهداء التي سالت على أيدي الإرهاب الأسود.. ان كثيرا مما نقرأ الآن يدخل في باب الحول الفكري كما كان يسميه استاذنا الراحل د. زكي نجيب محمود، وهذا النوع من الخلل في الرؤى والسلوك يجعل الإنسان يرى الأشياء من زاوية واحدة تتناسب مع افكاره وثوابته حتى لو كانت نوعا من الجهل الخفي وهو الوجه الآخر للهو الخفي الذي مازال يعبث في شوارع مصر فكرا وسلوكا وإرهابا. بقيت أيام قليلة أمام المصريين لكي يخوضوا معركة دامية ضد حشود الإرهاب بكل أطرافها الفكرية والسلوكية والأخلاقية.. ان ما يحدث في مصر الآن لا يدخل إطلاقا في باب فكر واع أو سلوك قويم أو أخلاق رفيعة.. نحن أمام حشود هلامية لا أحد يعرف كيف تشكلت وانتشرت مثل الخلايا السرطانية ابتداء بالأبواق التي تصرخ وانتهاء بالأيادي التي تقتل. أمام المصريين فرصة لا أقول الأخيرة ولكنها على درجة كبيرة من الأهمية لأن يحاصروا الإرهاب بالإرادة ويواجهوا حشوده العدوانية بحشود أكبر ترفع راية الوطن وتؤكد عدالة الهدف والغاية.. ان صناديق الإستفتاء التي ستتوجه اليها حشود الملايين الذين خرجوا يوم 30 يونية هي الرد الوحيد لكل من شكك في قدرة هذا الشعب.. ليس امام المصريين اليوم غير ان يخرجوا أمام واقع يحاول تضليل ارادتهم وتشويه مسيرتهم، ان المصريين يرفضون حالة الفوضى التي حملتها مواكب الإرهاب إلى الشارع المصري ابتداء بالحشود في القرى والمدن وانتهاء بالجيش المصري الذي يحارب في سيناء ضد خفافيش الظلام.. لقد ضاق الشارع المصري ذرعا بحشود الإرهاب التي تجمعت في سيناء من كل بلاد الدنيا وتجد تأييدا ودعما من كل اتجاه.. لا أحد يعلم ما هي أسباب هذه الحشود التي تشارك فيها دول ومنظمات وجماعات إرهابية ولماذا ظهرت كل هذه القوى على خريطة الأحداث في مصر مرة واحدة. ما الذي جعل تركيا سليلة الإمبراطورية العثمانية الغاربة تعادي مصر قلب العروبة والإسلام بهذه الصورة الفجة ولحساب من يتم ذلك.. هل لأن العم سام غير راض عن موقف مصر الذي كشف المؤامرة الكبرى في تقسيم المنطقة وتوزيع مواردها.. هل لأن سيناريو ليبيا وسوريا والعراق وجد من يتصدى له بقوة في جيش مصر بماذا نفسر الموقف الأمريكي المشبوه في أحداث مصر ولماذا ترفض الإدارة الأمريكية ان يكون للمصريين موقفهم في اختيار حكامهم.. وهل من الضروري ان يحصل المصريون على موافقة البيت الأبيض في كل ما يفعلون.. لقد انتهى زمن الوصاية الأمريكية على المصريين ولا وصاية لأحد الآن إلا إرادة هذا الشعب.. بماذا نفسر كميات السلاح الضخمة التي تتهرب كل يوم من تركيا إلى مصر.. بماذا نفسر خطب أردوغان وأحلام الزعامة العثمانية التي تسري في دمه.. بماذا نفسر ملايين الدولارات التي تدفعها تركيا لتنظيم المؤامرات ضد مصر.. على جانب آخر تقف دويلة قطر التي صدقت يوما زعما أمريكيا بأن الأوطان ليست بعدد سكانها أو مساحتها أو أدوارها التاريخية والحضارية وان الهوامش يمكن ان تكون متنا والقرى يمكن ان تلعب أدوار المدن الكبرى.. لقد صدقت ولاية قطر المزاعم الأمريكية وتصورت انها تستطيع بقناة فضائية ان تقود أمة العرب والمسلمين وان تدبر المؤامرات في سوريا وليبيا وفلسطين والعراق ومصر.. ان قطر تفعل ذلك كله لحساب قوى دولية تسعى إلى اجهاض هذه الأمة وتبديد طاقتها.. هل يمكن ان نفصل ما يحدث الآن في حوض النيل عن حالة الفوضى التي تعيشها مصر ما الذي يجعل إثيوبيا تبدأ في إنشاء سد النهضة في شهر ابريل عام 2011 وبعد ثورة يناير بشهرين فقط.. وما الذي جعل إثيوبيا تتشدد وتتصور انها ملكت النيل في مفاوضاتها حول السد.. هناك خيوط متشابكة بين مواقف هذه الدول جميعها هل يمكن ان نفصل ذلك عن موقف إيران ودعمها الصريح لجماعة الإخوان المسلمين وبياناتها ضد مصر شعبا وحكومة وجيشا.. ان الأغرب من ذلك هو موقف دول اخرى مثل جنوب افريقيا التي تتصور انها يمكن ان تكون الزعامة الحقيقية في افريقيا.. الم يكن غريبا ان يبدأ الحديث في الخرطوم من مسئولين كبار عن حلايب وشلاتين.. الم يكن غريبا ان تتسع دائرة تهريب السلاح القادم من ليبيا عبر الحدود.. الم يكن مريبا ان حماس يمكن ان تتحول إلى شوكة في ظهر سيناء أمام حشود الإرهاب القادمة من كل جانب. ان الحقيقة المؤكدة ان مصر تواجه حصارا دوليا ولم يكن هذا بسبب جماعة الإخوان المسلمين التي حكمت مصر عاما وفشلت وخلعها الشعب المصري.. ان الإخوان لم يكونوا أكثر من قشرة واهية لمؤامرة كبرى ضد المصريين.. ان المؤتمرات التي يقيمها الإخوان في انجلترا وفرنسا وتركيا ولبنان وباكستان وقطر ما هي إلا غطاء لمؤامرة أكبر كشفها الشعب المصري وتعامل معها بقوة وحسم يوم 30 يونيو. ولم يكن غريبا ان يمتد الحصار على مصر في أكثر من جانب.. في السياحة كانت قرارات الحظر على زيارة مصر.. في الاقتصاد كانت عوامل الضغط ابتداء بوقف المعونات العسكرية الأمريكية وانتهاء بقرض صندوق النقد، ولولا وقفة دول الخليج السعودية والإمارات والكويت لعاشت مصر لحظات أصعب وأسوأ.. هذه هي جوانب المؤامرة الدولية وبعض مظاهرها وشواهدها.. وعلى المستوى الداخلي كانت حشود الفوضى والقتل والإرهاب، ان الشعب المصري يخوض في الخارج معارك دامية تشارك فيها الدول والسفارات والإعلام المغرض المشبوه وتبدأ بالبيانات والإعلانات وتنتهي بالتمويل لتخريب مؤسسات وثوابت الدولة المصرية.. ان مصر تعيش الآن مرحلة صعبة على المستوى الداخلي انقسام حاد بين فئات المجتمع.. اختراق واضح وصريح للقوى المدنية والتيارات الدينية.. متاعب اقتصادية ضارية يعيشها المواطن المصري ما بين نار الأسعار ونار الفوضى والانقسامات.. توقف في مصادر الإنتاج وموارد الدولة من السياحة والصادرات ثم بعد ذلك تقوم حشود الإرهاب التي اطلقتها جماعة الإخوان المسلمين لتدمير وتخريب مؤسسات الدولة وما حدث في الجامعات جريمة لا يمكن ان تسقط بالتقادم لأن هدفها تخريب دولة وتدمير مقومات وطن. هذه هي مصر التي يحاصرها الإرهاب وتتآمر عليها قوى الخارج والداخل ابتداء بالإعلام المأجور وانتهاء بالبيانات والتصريحات المشبوهة.. والآن ماذا يفعل هذا الشعب أمام ذلك كله. بقيت أيام قليلة على الاستفتاء على الدستور وأصبح من الضروري على كل مصري ان يدرك صعوبة اللحظة التي نعيشها.. ان القضية ليست دستورا يصوت عليه شعب ولكنها قضية وطن يواجه محنة كبرى تشارك فيها اطراف كثيرة.. لم يعد من المقبول ان يجلس حزب الكنبة بالملايين في البيوت والمنتجعات ويترك لجان الاستفتاء خاوية على عروشها.. ان الملايين التي خرجت يوم 30 يونية لا بد ان تخرج إلى الاستفتاء وتعلن تأييدها للدستور ليس لأنه احد ثوابت الديمقراطية التي نحلم بها ولكن لأنه مواجهة حاسمة لمؤامرة كبرى ضد الوطن. ان مصر الدولة والشعب لا ينبغي ان تكتفي ببيانات الشجب والإدانة واستدعاء السفراء ضد مواقف دول تتآمر جهرا على مصالح ومستقبل مصر.. ان الدول التي تشجع الإرهاب في سيناء وترسل الأموال للإرهابيين في الداخل لا بد ان تلقي الجزاء العادل ولديها من الأزمات والمشاكل وشواهد الغضب ما يجعلنا نتدخل في شئونها ونحرك حشود الغضب من الداخل.. لم يعد هناك وقت للمصالحة مع نظم تدبر المؤامرات للشعب المصري.. وعلى أجهزة الدولة المصرية ان تدافع عن وجودها امام تدخلات لا مبرر لها غير انها اعتداء سافر على السيادة المصرية.. في قطر قوى معارضة.. وفي تركيا أحزاب وتكتلات وقوى سياسية ترفض الاستبداد الحاكم.. وفي إثيوبيا التي تهددنا في مياه النيل صراعات داخلية دينية وسياسية وقبلية ولدينا الصومال واريتريا وتصفية حسابات قديمة.. ومع الأشقاء في غزة لا بد ان نحسم كثيرا من القضايا لأن حماس ليست الشعب الفلسطيني وعلى الفلسطينيين ان يفرزوا الغث من السمين ويطهروا صفوفهم ويحاربوا معاركهم الحقيقية ويحافظوا على علاقات كانت دائما الأقوى بين مصر وفلسطين.. على جانب آخر يجب ان نوقف مؤامرة تهريب السلاح والأموال القادمة من ليبيا والسودان وغزة لتخريب مؤسسات الدولة، وقبل هذا كله ينبغي ان تدرك القوة العظمى التي غابت حساباتها الدقيقة ان الشعب المصري كان صاحب القرار في خلع الإخوان المسلمين وان الجماعة ليست مصر وان الإدارة الأمريكية يجب ان تحترم ارادة المصريين في اختيار مستقبلهم. أمام المصريين مستقبل عريض يمكن ان يغير حسابات اقليمية ودولية، المهم الآن ان نعبر من عنق الزجاجة وان نختار دستورنا ونحشد له الملايين وان نختار رئيسنا ونمضي نحو بناء ديمقراطية حقيقية وان تتشكل حكومة يختارها الشعب.. المطلوب الآن ان يحمل لنا الصيف القادم ثلاثية حاسمة: دستور ورئيس وحكومة وبعد ذلك نستكمل خطة الطريق بانتخاب برلمان جديد.. هذه الأشياء ليست فقط احلام شعب ولكنها مستقبل وطن.. لكي ننتخب رئيسا لا بد ان نبدأ بالدستور ونذهب إلى لجان الاستفتاء.. ولكي نشكل حكومة لا بد ان نجد رئيسا وبعد ذلك نستكمل البناء.. ان مصر تواجه تحديات شديدة الضراوة ما بين مؤامرات خارجية ونوازع شر داخلية وحشود تسعى إلى تدمير كيان الدولة ومع هذا كله قوافل الإرهاب التي اقتحمت سيناء ويواجهها الجيش والشرطة ببسالة وسط هذا كله لا ينبغي ان يغيب دور الشعب، والاستفتاء على الدستور هو أول خطوة على الطريق. ..ويبقى الشعر يا للمدينة حين يبدو سحرها وتتيه في أيامها النضرات ومواكب الصلوات.. بين ربوعها تهتز أركان الضلال العاتي في ساحة الشهداء لحن دائم صوت الخيول يصول في الساحات والأفق وحي.. والسماء بشائر والروضة الفيحاء تاج صلاتي ويطوف وجه محمد في أرضها الماء طهري.. والحجيج سقاتي ماذا أقول أمام نورك سيدي وبأي وجه تحتفي كلماتي بالعدل.. بالإيمان.. بالهمم التي شيدتها في حكمة وثبات ؟ أم بالرجال الصامدين علي الهدي بالحق.. والأخلاق.. والصلوات ؟ أم إنه زهد القلوب وسعيها لله دون مغانم وهبات ؟ أم أنه صدق العقيدة عندما تعلو النفوس سماحة النيات ؟ أم أنه الإنسان حين يحيطه نبل الجلال وعفة الغايات؟ أم انه حب الشهادة عندما يخبو بريق المال والشهوات ؟ أم أنه زهد الرجال إذا علت فينا النفوس علي ندا الحاجات ؟ أم إنه العزم الجليل وقد مضي فوق الضلال وخسة الرغبات ؟ بل إنه القرآن وحي محمد ودليلنا في كل عصر آت.. {{{ يا سيد الدنيا.. وتاج ضميرها أشفع لنا في ساحة العثرات أنا يا حبيب الله ضاق بي المدي وتعثرت في رهبة نبضاتي وصفوك قبلي فوق كل صفات نور الضمير وفجر كل حياة بشر ولكن في الضمير ترفع فاق الوجود.. وفاق أي صفات وصفوك قبلي فانزوت أبياتي وخجلت من شعري ومن كلماتي ماذا أقول أمام بابك سيدي سكت الكلام وفاض في عبراتي يارب فلتجعل نهاية رحلتي عند الحبيب وأن يراه رفاتي يوما حلمت بأن أراه حقيقة ياليتني القاه عند مماتي.. "من قصيدة على باب المصطفى سنة 2010" نقلا عن جريدة الأهرام