تم فى كابول دفن آخر ملوك أفغانستان محمد ظاهر شاه فى جنازة رسمية حيث شيع الآلاف العاهل الراحل الذى يذكرون عهده الخالى من الاضطرابات والذى أصبح معروفاً باسم " أبو الأمة " وقد حضر الجنازة أعضاء الحكومة الأفغانية والعديد من الشخصيات الأجنبية، وكثير من أمراء الحرب السابقين الذين حاربوا الاحتلال السوفيتى بين عامى 1979 و 1989 ثم قاتلوا بعضهم البعض، وكان العاهل الراحل قد حكم أفغانستان من 1933 إلى 1973 وتوفى عن عمر يناهز 92 عاماً، وكان ظاهر شاه قد عاد عام 2002 إلى البلاد بعد أن أمضى 30 عاماً فى المنفى بإيطاليا ومنح لقب أب الأمة الأفغانية الفخرى دون أن يلعب أى دور سياسى بسبب سنه المتقدم ووضعه الصحى . ولد محمد ظاهر شاه المنحدر من عشيرة دوراني احد الفرعين الرئيسيين للبشتون مع عشيرة غلزاي، في 15 اكتوبر 1914 وأمضى شبابه في فرنسا بين باريس ومونبولييه حيث كان يتكلم الفرنسية بطلاقة ،إلا أنه عاد الى كابول ليؤدى الخدمة العسكرية، فى وقت كان والده وزيرا مطلق الصلاحيات.. عاد إلى أفغانستان عام 1930 ليستقر فيها عند اعتلاء والده نادر شاه العرش، ثم عين وزيرا للتربية. وفي 8 نوفمبر1933 وعندما كان فى التاسعة عشر أصبح ظاهر شاه ملكا إثر اغتيال والده على يد طالب، غير انه كان مولعا بالثقافة ولا يكترث كثيرا للسياسة. وترك أقاربه يتولوا زمام السلطة، فكان عمومه الذين تعاقبوا في منصب رئاسة الوزراء هم الذين يحكمون وآخر وصي كان ابن عمه محمد داود. وبقى هو فى الظل إلى أن اكتسب تدريجياً الثقة وتولى زمام الأمور1953 ، واستخدم الملك الراحل العملة الأجنبية لتطوير البنية الأساسية فى بلاده التى ترجع إلى العصور الوسطى. وقد وضع محمد ظاهر شاه موضع التنفيذ دستورا جعل من أفغانستان ملكية دستورية تجري فيها انتخابات حرة ويكون فيها برلمان وتتحرر فيها المرأة. حافظ على حياد أفغانستان طوال الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة،حيث تمكن من الحفاظ على توازن بين المصالح السوفيتية والغربية.
استمر عهد ظاهر شاه اربعين عاما لكنه لم يحكم فعليا خلاله سوى عشرين عاما بين 1953 و1973 واتهمه معارضوه بتفشي الفساد فى عهده واستبعاد كل الاثنيات غير البشتونية عن جهاز الدولة. وفي صيف 1973 كان في ايطاليا يتلقى علاجا حين دبر ابن عمه الامير محمد داود انقلاباً غير دموى اطاح بالملكية، معلنا قيام الجمهورية ، وقتل داود فيما بعد فى انقلاب آخر.
وتعتبر سنوات حكم محمد ظاهر شاه اطول فترة سلام عرفتها البلاد في تاريخها، وقد تحققت خلالها انجازات دبلوماسية وتقدم في حقوق الانسان وعلى الأخص حقوق المرأة، ويرى المحللون أن الأعوام التى قضاها على العرش كانت من أكثر الفترات تحرراً فى تاريخ أفغانستان الحديث، حيث كانت الكثير من النساء يعملن ويقدن السيارات وحتى بعضهن كن يرتدين الملابس الغربية الحديثة فى شوارع كابول.
وبينما دخلت بلاده في دوامة العنف في العقود التالية عاش ظاهر شاه في هدوء في فيلا خارج روما. ولم يعد إلى أفغانستان إلا عام 2002 بعد الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة وأطاح بنظام طالبان الأصولي الإسلامي المتشدد. توفي ظاهر شاه الذي يتردد انه ظل طريح الفراش منذ مطلع العام لأسباب طبيعية صباح الاثنين23/7 في القصر الملكي في كابول وذلك حسبما صرح الرئيس حامد كرازاي في مؤتمر صحافي.
عرفت أفغانستان طوال فترة حكمه نعمة الاستقرار ومع ذلك كان هناك قدر كبير من المعارضة لملك أفغانستان المنتمي لقبيلة الباشتون ولاسيما بين القبائل العرقية الاخرى.
وفي الثمانينات، ابدى رغبته في معاودة العمل السياسي في بلاده فاقترح مبادرات سلام ودعا حركات التمرد الإسلامية التي تقاتل نظام كابول الشيوعي الى وضع حد للخلافات فيما بينها. عاد الى واجهة الحياة السياسية الافغانية بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة والإطاحة بنظام طالبان، حيث كلف بمهمة من المجتمع الدولي وهي افتتاح مجلس الأعيان التقليدي بشكل طارئ لتشكيل حكومة جديدة.
ولم تخصص للملك السابق اي وظيفة رسمية اخرى وقد لازم مقر اقامته في القصر رقم ثمانية في كابول بسبب اصابته بالمرض.وكان ظاهر شاه ابا لثمانية ابناء ما زال ستة منهم على قيد الحياة.
وجدير بالذكر أنه بسبب إعلان ظاهر شاه أفغانستان ملكية دستورية فى عام 1964 أعتبره الرئيس الافغانى قرضاى والد للديمقراطية الأفغانية، وبالرغم من عدم تذكر إلا القليل من الأفغان لحكم ظاهر شاه ، إلا أنه عندما عاد ظاهر شاه من المنفى فى عام 2002 اعتبر كثيرون من عرقيته " البشتون " أنه يمكن أن يكون قوة توحيد تجمع الأفغان المتناحرين معاً، لكن كثيرين غيرهم لم يثقوا فيه، ويعتبر ظاهر شاه هو الحاكم الأخير من أسرة مالكة نشأت فى عام 1747 . وينظر بعض الأفغان بحنين لفترة حكم ظاهر شاه ولكن آخرين يرون أنه كان حاكماً غير فعال . ومن ناحيته وصف الرئيس الأمريكى جورج بوش الملك الراحل بأنه شخصية بارزة شجع أفغانستان على المضى فى طريق الديمقراطية والاستقرار، كما وصفه الرئيس الباكستانى برويز مشرف بأنه كان سياسياً ذا مكانة رفيعة لن ينسى إخلاصه ومساهمته من أجل السلام والاستقرار والرفاهية لأفغانستان والمنطقة
وبعد فترة حكم ظاهر شاه شهدت أفغانستان العديد من الانقلابات والحروب والتدخلات العسكرية الأجنبية التى تسببت فى سقوط ملايين القتلى ودمرت المُدن والقرى، واعتبر الملك الراحل سياسياً ماهراً حسب وصف المحللين ، وبعد أن دخلت القوات السوفيتية أفغانستان عام 1979 لدعم الحكومة الشيوعية وما تلاها من أحداث وأضطرابات، نادراً ما شهدت أفغانستان هدوءا ًكالذى شهدته فى عهده.. . 26/7/2007