«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الغزو الجائح والحصان الأفغانيّ الجامح
نشر في المصريون يوم 12 - 09 - 2010

(1) رغم التكثيف الأمريكي الظاهر للقوة العسكرية فى أفعانستان، فإننى أزعم أن لحظة الأفول توشك أن تسدل أستارها على ساحة الغزو الإمبريالي الأمريكي فى أفغانستان، ويوشك التاريخ أن يطوى صفحة مجلّلة بالخزي والعار على ثالث إمبراطورية عظمى استهانت بالشعب الأفغاني وقامت باحتلاله منذ تسع سنوات، فىوقت قد بلغ منه الضعف والتمزق مداه، بعد حرب طويلة مع الغزو السوفييتى استنزفت قواه، تبعتها حرب أهلية تعيسة طرحته أرضا فاقد الوعى يلعق جراحه.. ومع ذلك يعود الشعب الأفغاني المجهد البسيط للمرة الثالثة ليحطم أسطورة الإمبراطورية الأمريكية فى عز قوتها وجبروتها .. فما هو سر قوة هذا الشعب العجيب..؟!
كتبت قبل ذلك منذ تسعة أعوام والقوات الأمريكية تستعد لغزو أفغانستان مقالة مطولة نشرتها مجلة المختار الإسلامي، حذّرت الولايات المتحدة ألا تغتر بقوتها وتستهين بالشعب الأفغاني، لأن احتلالها سيبوء بالفشل وسترتد خاسرة على أعقابها نادمة يوم لا ينفع الندم.. وقد ختمت مقالتى بهذه الفقرة:
" تنتهز القوى البربرية الأمريكية الغازية حالة الدمار الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ الأفغاني.. بسبب حرب المقاومة الطويلة للغزو السوفييتي.. ثم الحروب الأهلية التي تلته، كما تنتهز حالة الدمار والجفاف والجوع والتمزق والانكسار الذي أصاب الشعب الأفغاني لتفرض عليه الاستسلام الكامل للإرادة الأجنبية، ولكن سوف تظهر حركات مقاومة أكثر ذكاء ، وأعمق فهماً ، وأقدر على مواجهة الغزو الجديد.. ولن تكون أفغانستان أبداً نزهة للقوات الأجنبية الغازية كما يحلمون...!"
أليس عجيبا أن أقوى دولة فى العالم تذهب بأضخم ترسانة عسكرية فى العالم وبجيش بلغ مائة وأربعين ألفا تسانده قوات مرتزقة قوامها مائة ألف من قبيل قوات "بلاك ووتر"، إلى واحدة من أفقر وأضعف دول العالم .. لم يكن بها أهداف لتدميرها لإحداث فرقعات إعلامية هائلة [بنص تصريح وزير الدفاع رامسفيلد] ثم تفشل الدولة الأعظم وتوشك جهودها وأهدافها على الانهيار أمام مليشيات عددها محدود.. ولكن إيمانها بالله والنصر لا حدود له...!
(2) قصة الحصان الجامح: كان فردريك ماكيسون ضابطاً في الجيش البريطاني برتبة "لفتنانت"، ثم أصبح وكيلاً سياسياً، وهي وظيفة تجمع بين العمل الدبلوماسي والاستخبارات معاً، بعث برسالة تاريخية هامة عن خبرته في أفغانستان إلى توماس هربرت مادوك نائب الحاكم العام البريطاني في الهند.. تاريخ الرسالة هو 9 نوفمبر 1841 أي بعد سنتين تقريباً من الغزو البريطاني لأفغانستان، كتب يقول:
" لقد وجدنا الهند بلاداً يسهل حكمها والسيطرة عليها كأنها ظهر حصان اعتاد على حمل الأثقال، فكان سعيداً بحملنا الخفيف .. أما أفغانستان بقبائلها الجبلية الشرسة التي لم ترضخ ولم تذعن لأحد من قبل فإنها مثل الحصان النافر الأبي الذي لم يعتد السرج أو المكابح واستعصى على الركوب، فإذا اقترب منه أحد أو لمسه غضب وانتفض ورفس في كل اتجاه .. مثل هذا الحصان يحتاج إلى راكب ماهر قد يعتلي صهوته إذا استطاع استئناسه"..
أقول أهو إلهام أو محض صدفة..!؟.. لا يهم .. فقد نطق فردريك ماكيسون بالحكمة والحقيقة عندما وصف أفغانستان بالحصان الأبي المستعصى على الركوب .. يدرك هذا من يتأمل بعمق في تاريخ أفغانستان، فقد كانت دائماً على اختلاف العصور تكره وتقاوم أمرين: (1) حكم الأجنبي الدخيل.. (2) وسلطاناً مفروضاً عليها من قوة خارجية.
حاولت هذا الإمبراطورية البريطانية وهي في أوج قوتها، وكذلك فعل الاتحاد السوفيتي فأشبعهما الحصان الأفغاني رفساً حتى الموت.
(3) الهاجس الأمني في الهند البريطانية: في القرن التاسع عشر كانت بريطانيا في قمة عظمتها الإمبريالية، وكانت الهند هي بقرتها الحلوب ودرة التاج البريطاني، حتى أن بريطانيا كانت تشعر أنها بغير الهند تفقد عظمتها الإمبريالية ومكانتها بين الأمم والشعوب، لعل هذا كان هو السبب في إلحاح هاجس الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الهندية، أو الهند البريطانية كما سماها البريطانيون.. ومن أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في الهند خاضت بريطانيا أهوالاً ومخاطر، وتورطت أحياناً في أخطاء مهلكة، وكان غزوها لأفغانستان من أكبر هذه الأخطاء...!
فما الذي كانت تخشاه بريطانيا على أمنها في الهند...؟: في البداية ..وبالتحديد خلال القرن الثامن عشر الميلادي كان أخطر الأعداء على الحكم البريطاني في الهند هم الفرنسيون، هؤلاء انحسر نفوذهم سنة 1763م، وإن بقيت فلول منهم هنا وهناك يناوئون النفوذ البريطاني ويحاولون إيقاع الخسائر بشركة الهند الشرقية.
بعد سنة 1815م تقهقر الخطر الفرنسي لكي يحل محله الخطر الروسي القادم من الشمال، فقد زحفت روسيا القيصرية نحو تركستان فغزت بعض أجزائها وغدت تضغط بنفوذها على الخانات الثلاثة الباقية تحت حكم الأوزبك وهي خانات بخارى وخيفا وجوكندة.
استغرق الخطر الروسي وقتاً طويلاً لكي يتبلور ويتضح لعيون الإمبراطورية البريطانية المنبثين في دول آسيا الوسطى، حيث بدأت تقارير الوكلاء السياسيين الذين كانوا يقيمون وينتقلون هناك تنبّه إلى تعاظم القوة الروسية، وأن احتكاكها بالإمبراطورية البريطانية في الهند قد أصبح وشيكاً.
شرعت بريطانيا تفكر في كيفية مواجهة غزو روسي محتمل عن طريق إيران أو تركستان،و كانت تدرك أنه إذا تم للروس الاستيلاء على الخانات الثلاثة الإسلامية الباقية في تركستان فلن يبقى حاجز بين روسيا والهند البريطانية سوى أفغانستان.. فإذا تمكنت من التغلغل بنفوذها في أفغانستان، امتد تأثيرها إلى العدو الداخلي في الهند، وأصبح الأمن فيها مهدداً، وهذا أكبر ما تخشاه بريطانيا لأنها كانت تستبعد أن تقوم القوات الروسية بتهديد مباشر أو الاحتكاك بالقوات البريطانية في معارك سافرة.
فمن هو العدو الداخلي الذي كانت بريطانيا تخشى استثارته...؟
لم تكن مناطق شبه الجزيرة الهندية كلها تحت الحكم البريطاني المباشر وإنما كانت هناك مناطق يحكمها راجات هنود أقوياء وأمراء أفغان، وهؤلاء لم يكن ولاؤهم مضموناً إلا تحت شروط استمرار القوة المطلقة لبريطانيا دون منازع، ثم يوجد أيضاً العدد الهائل من الجنود الهنود في الجيش البريطاني، وهؤلاء رغم ثبوت ولائهم ونفعهم في أغلب الظروف إلا أن تمردهم وارد، وقد وقعت بالفعل حوادث تمرد متفرقة أمكن احتواؤها في حينها.
ولكن مع ظهور عدو قوي على الحدود فإن عواقب الجنوح والتمرد تصبح غير مأمونة، ويصبح الخطر على أمن الهند البريطانية واستقرارها خطراً حقيقياً لا مجرد هاجس محتمل.
في مواجهة هذا الخطر تنازع في السياسة البريطانية اتجاهان قويان: أحدهما يدعو إلى التغلغل في آسيا الوسطى (تركستان) وقطع الطريق على الزحف الروسي نحو الجنوب، أما الاتجاه الثاني فكان يركز على تأمين حدود الهند البريطانية من الشمال والغرب وجعل أفغانستان منطقة عازلة بين القوتين الإمبرياليتين الروسية والبريطانية، وقد استقر الرأي على انتهاج هذا الاتجاه في السياسة البريطانية.
ولذلك لم تفكر بريطانيا في بادئ الأمر أن تقوم بغزو أفغانستان أواحتلالها، وإنما كانت تتطلع إلى إقامة حكومة موالية لها في أفغانستان تقبل وجود سفارة دائمة بها ووكلاء بريطانيين على شكل خبراء دبلوماسيين وعسكريين مهمتهم الرسمية نُصح الحكومة الأفغانية في إدارة شئونها الداخلية، ويقومون برسم ومتابعة سياستها الخارجية مع الدول الأخرى .. والسؤال هو: من أين تأتي هذه الحكومة العميلة..؟ وهل كانت الأوضاع السياسية في أفغانستان تسمح بذلك...؟
(4) من استقرائنا لتاريخ العلاقات ين الدول الاستعمارية والبلاد القابلة للاستعمار سنلاحظ أن البحث عن حكومة عميلة هو الاختيار الأول لأى قوى أجنبية تسعى للهيمنة على الشعوب المستضعفة، وهو أهون الاختيارات وأكثرها دواما واستقرارا.. وفى هذه الفئة تقع أكثر بلاد العرب والمسلمين من باكستان إلى موريتانيا.. فإذا تعذر هذا كان الاختيار الثانى هوالبحث عن بؤر الصراع على السلطة فى هذه البلاد ودعم طرف منها ضد الأطراف الأخرى، وعادة ما يكون لهذا الاتجاه بوادر سابقة تنكشف لمن يحسن قراءة التاريخ واستراتيجيات الدول الاستعمارية.. ومن هذه البوادر احتضان قيادات المعارضة لاستخدامها عند اللزوم.. والنموذج الأمثل لذلك حديثا، كان فى حالة المعارضة العراقية فى الخارج التى استخدمتها أمريكا مقدمة لغزو العراق ثم وضعتها على السلطة لتحكم من خلفها وتنفذ خططها الخاصة بصرف النظر عن المصالح الحقيقية للشعب العراقي.. هذه أساليب استراتيجية قديمة لم تتغير فى تاريخ بريطانيا أوأمريكا أو الاتحاد السوفياتى...!
فى ضوء هذه الحقائق لابد لنا أن نرجع قليلاً إلى الوراء لنرى كيف تطورت الأمور في أفغانستان لتصل إلى النقطة التي آذنت بالاقتراب البريطاني والنفاذ إلى الشئون الداخلية الأفغانية...؟
(5) الصراع الداخلي: حكم نادر شاه إيران وأفغانستان وشن حملة ناجحة على الهند المغولية فاستولى على كنوزها ومجوهراتها ولكنه اغتيل في طريق عودته سنة 1747م.. وكان لنادر شاه حرس خاص مكون من أربعة آلاف مقاتل أفغاني عادوا إلى قندهار بعد اغتياله، وكان على رأس هؤلاء الفرسان قائد طموح هو أحمد خان عبدلى .. اختاره مجلس القبائل شاهاً عليهم فأطلق على نفسه لقب دوراني ومعناه (لؤلؤة اللآلئ) وأصبح اسمه أحمد شاه دوراني .. امتدّ سلطانه ليشمل كل مناطق أفغانستان .. ثم امتد من مشهد إلى كشمير ودلهي في الهند، ومن أموريا داري في آسيا الوسطى إلى البحر العربي، وأصبح هذا الشاه الأفغاني صاحب أكبر ثاني إمبراطورية إسلامية بعد الدولة العثمانية.
اشتهر نادر شاه بجسارته وحسمه وبشخصيته القيادية الفذة مما أكسبه اسم "بابا" أي (أبُ الأمة) .. مات سنة 1772م فخلفه ابنه تيمور شاه، ولكن ثارت عليه القبائل فاضطر لنقل عاصمته من قندهار إلى كابول، وقضى حياته مشغولاً بفض النزاعات القبلية وتهدئة القبائل الثائرة حتى قضى نحبه سنة 1793م.
استطاع ابنه الخامس "أمان شاه" الاستيلاء على السلطة بمساعدة زعيم قبيلة "براكزاي"، فلما استقر له الأمر في أفغانستان تحول إلى الهند يريد غزوها، هنا انزعج البريطانيون وقاموا بتحريض "فتح علي" شاه إيران على "أمان شاه" لتحويل انتباهه عن الهند.
[نلاحظ هنا ظهور مرحلة من التفسخ الواضح في المجتمعات المسلمة، تضافرت عليها ثلاثة عوامل متآزرة: الوجود البريطاني بمكره وعقليته التآمرية القائمة على مبدأ "فرّق تسد"، وخفة الحكام والقيادات المسلمة وسهولة إيقاعهم في غواية السلطة والثروء، وضعف الشعوب المسلمة التي بلغت الحضيض من التخلف والجهل... لذلك لم يكد "فتح علي" يرى تشجيع البريطانيين له للانقضاض على حاكم آخر مسلم منافس له حتى خطا من عنده خطوة أخرى أشنع وأبشع، حيث قام بتحريض أخٍ لأمان شاه هو محمود شاه حاكم "هيرات" أمده بالمال والرجال لغزو قندهار، فقام محمود هذا بمساندة من وزير قوي له هو "فتح خان براكزاي" بالاستيلاء على قندهار ثم تقدم نحو كابول..
أسرع أمان شاه عائداً من الهند لينقذ مملكته في أفغانستان ولكنه تعرض لسلسلة من وقائع الخيانة، تمكن الخونة في نهايتها من تسليمه مسمول العينين إلى أخيه محمود فسجنه في قلعة "بالاهيار" في كابول عام 1800م.
لم يكن شاه محمود هذا يتمتع بأي مؤهلات للحكم، ولم يكن مهتماً بمصالح الدولة وشئونها، وإنما كان غارقاً في متعه الشخصية ونزواته .. تاركاً تدبير شئون الدولة في يد وزيره "فتح خان"، فلما ساءت أحوال الناس تحالف زعماء القبائل ودعوا أخاً ثالثاً لأمان شاه اسمه "شاه شوجا" .. فتقدم إلى كابول وحاصرها حتى استسلم محمود وطلب عقد سلام مع "شاه شوجا".
ولأن شاه شوجا كان يفتقر إلى قوة الشخصية ولا يتمتع بالبصيرة أو الخبرة السياسية والحنكة فإنه لم يستطع كبح جماح زعماء القبائل الذين انطلقوا يمارسون سلطات مستقلة في مناطقهم، وبظهور الضعف في السلطة المركزية بكابل تشجع الجيران الطامعون للانقضاض على أفغانستان .. فزحف سيخ البنجاب على شرق أفغانستان، وهددت إيران أفغانستان من الغرب.
كان نابليون بونابرت حينذاك في أوج قوته وسطوته فاقترح على الروس
( نكاية فى أعدائه البريطانيين) غزو الهند عبر أفغانستان، فأسرع البريطانيون بإرسال بعثة إلى أفغانستان يرأسها "مونتستيوارت إلفنستون" الذي التقى بشاه شوجا في بيشاور للتباحث في أمر هذا الغزو المتوقع، وتمت معاهدة صداقة بينهما في 7 يوليو سنة 1809م، وعَد الشاه فيها ألا يسمح بمرور أي قوات أجنبية في أراضي أفغانستان.. ولكن لم تكد تنتهي إجراءات توقيع المعاهدة حتى وصل إلى المتفاوضين خبر استيلاء محمود (الشاه السابق) ووزيره "فتح خان" على كابول وأن قوات شاه شوجا قد تمزقت، فاضطر إلى اللجوء إلى الهند عند أصدقائه الإنجليز سنة 1815م.. وتحت غطاء الصداقة يحتفظ الإنجليز عادة بأمثال شاه شوجا لاستخدامهم كأدوات في بلادهم عندما تتهيأ الظروف لذلك..
ولأن الوزير "فتح خان" - كما سبق أن ذكرنا - ينتمي إلى قبائل براكزاي، لذلك جاء معه برجاله من هناك فانتشروا وسادوا في أفغانستان، مما أوغر صدر "كامران خان" الابن الأكبر لشاه محمود الذي وجد نفسه مُهمشاً تحت نفوذ البراكزاي، فتحايل للقبض على "فتح خان" وفقأ عينيه وأمر بتقطيعه إربا.. هذا الانتقام البشع كان سمة من سمات الأسر الحاكمة، وهي تتصارع على السلطة، خصوصاً عندما تنفرد قبيلة أو مجموعة من القبائل بالسلطة وتفرض طغيانها على الآخرين، ومن ثم يتوالى مسلسل الانقضاض والقتل ثم الانتقام المروّع بين سائر القوى المتصارعة...
وهذا ما حدث بالفعل .. فقد خرج "دوست محمد" الأخ الأصغر لفتح خان من كشمير سنة 1818م واستولى على بيشاور وكابول وجرد "شاه كامران" من ممتلكاته فيما عدا هيرات حيث بقى فيها بعض سنوات.
ولكن في عهد "دوست محمد" تكالبت القوى الخارجية على أفغانستان حيث استولى أمير بخارى على بلخ واستولى السيخ على مقاطعات ما وراء نهر الإندوس، وبقيت مقاطعتا السند وبلوخستان مستقلتين.
ارتفع دوست محمد من قاع هذه المحنة فتمكن من السيطرة على غزنة وكابول وجلال آباد، وأنشأ بذلك مملكة أسرة براكزاي ولقب نفسه بالأمير سنة 1826م.. ثم حاول إعادة بيشاور ولكن القائد السيخي "رانجيت سنج" تمكن من إشاعة الفرقة في معسكر خصمه، فتبخر جيش دوست محمد وفقدت أفغانستان منطقة بيشاور إلى الأبد، وظلت موضوع نزاع بينها وبين جارتها باكستان إلى اليوم...
نتابع الموضوع إن شاء الله فى حلقة لاحقة....
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.