بوتين: محطة الضبعة النووية تلبي احتياجات الاقتصاد المصري المتنامي    جامعة قناة السويس تحتفي بأبطالها المتوجين ببطولة كأس التميز للجمهورية    لن نبكي على ضعف الدولار    الزراعة: أكثر من مليون شتلة فراولة تم تصديرها خلال أكتوبر    محافظ الجيزة يتفقد مشروعات تطوير الطرق.. ويؤكد: تحسين كفاءة المحاور أولوية    وزير الزراعة يعقد اجتماعاً موسعاً لمديري المديريات ومسئولي حماية الأراضي بالمحافظات    البيئة تنظم مؤتمر الصناعة الخضراء الأحد المقبل بالعاصمة الإدارية الجديدة    رئيس الأركان يعود إلى أرض الوطن عقب مشاركته بمعرض دبى الدولى للطيران 2025    مجلس الشيوخ الأمريكى يوافق على مشروع قانون للإفراج عن ملفات إبستين    أسطورة ليفربول يكشف مفاجأة عن عقد محمد صلاح مع الريدز    المصرية لدعم اللاجئين: وجود ما يزيد على مليون لاجئ وطالب لجوء مسجّلين في مصر حتى منتصف عام 2025    تأهل منتخبا 3×3 إلى نصف نهائي دورة ألعاب التضامن الإسلامي    دوري أبطال إفريقيا.. 30 ألف متفرج في مباراة الأهلي وشبيبة القبائل الجزائري    الإسماعيلي يكشف حقيقة طلبه فتح القيد الاستثنائي من فيفا    ارتفاع عدد مصابي انقلاب سيارة ميكروباص فى قنا إلى 18 شخصا بينهم أطفال    محافظ قنا يكرم مسعفا وسائقا أعادا 115 ألف جنيه وهاتف لصاحبهما    حسين فهمى يكرم محمد قبلاوي.. والمخرج يهدى التكريم لأطفال غزة    قصور ومكتبات الأقصر تحتفل بافتتاح المتحف المصرى الكبير.. صور    بث مباشر.. بدء مراسم وضع هيكل الاحتواء لمفاعل الضبعة النووية    ارتفاع درجات الحرارة.. الأرصاد الجوية تحذر من تغير حالة الطقس    سرايا القدس تستهدف قوات الاحتلال الإسرائيلي بعبوة ناسفة في جنين    وزير الري يلتقي عددا من المسؤولين الفرنسيين وممثلي الشركات على هامش مؤتمر "طموح إفريقيا"    تامر حسني يكشف تفاصيل أزمته الصحية بعد خضوعه لجراحة دقيقة في ألمانيا    نورا ناجي عن تحويل روايتها بنات الباشا إلى فيلم: من أجمل أيام حياتي    هيئة الرعاية الصحية تُطلق عيادة متخصصة لأمراض الكُلى للأطفال بمركز 30 يونيو الدولي    ما هو فيروس ماربورج وكيف يمكن الوقاية منه؟    الصحة: 5 مستشفيات تحصل على الاعتماد الدولي في مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    بسبب تراجع الانتاج المحلى…ارتفاع جديد فى أسعار اللحوم بالأسواق والكيلو يتجاوز ال 500 جنيه    مقتل 6 عناصر شديدى الخطورة وضبط مخدرات ب105 ملايين جنيه فى ضربة أمنية    مصرع 3 شباب في تصادم مروع بالشرقية    الصحة تغلق 11 مركزًا غير مرخص لعلاج الإدمان بحدائق الأهرام    السياحة العالمية تستعد لانتعاشة تاريخية: 2.1 تريليون دولار إيرادات متوقعة في 2025    وزير الإسكان يستقبل محافظ بورسعيد لبحث استعدادت التعامل مع الأمطار    القادسية الكويتي: كهربا مستمر مع الفريق حتى نهاية الموسم    الزمالك يستقر على موعد سفر فريق الكرة لجنوب أفريقيا    نجاح كبير لمعرض رمسيس وذهب الفراعنة فى طوكيو وتزايد مطالب المد    تعرف على أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    هشام يكن: أطالب حسام حسن بضم عبد الله السعيد.. وغير مقتنع بمحمد هاني ظهير أيمن    حزب الجبهة: متابعة الرئيس للانتخابات تعكس حرص الدولة على الشفافية    الدفاع الروسية: قواتنا استهدفت منشآت البنية التحتية للطاقة والسكك الحديدية التي تستخدمها القوات الأوكرانية    إقبال واسع على قافلة جامعة قنا الطبية بالوحدة الصحية بسفاجا    بريطانيا تطلق استراتيجية جديدة لصحة الرجال ومواجهة الانتحار والإدمان    صيانة عاجلة لقضبان السكة الحديد بشبرا الخيمة بعد تداول فيديوهات تُظهر تلفًا    حريق هائل يلتهم أكثر من 170 مبنى جنوب غرب اليابان وإجلاء 180 شخصا    المايسترو هاني فرحات أول الداعمين لإحتفالية مصر مفتاح الحياة    أبناء القبائل: دعم كامل لقواتنا المسلحة    جيمس يشارك لأول مرة هذا الموسم ويقود ليكرز للفوز أمام جاز    إطلاق أول برنامج دولي معتمد لتأهيل مسؤولي التسويق العقاري في مصر    «اليعسوب» يعرض لأول مرة في الشرق الأوسط ضمن مهرجان القاهرة السينمائي.. اليوم    ندوات تدريبية لتصحيح المفاهيم وحل المشكلات السلوكية للطلاب بمدارس سيناء    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    المنتخبات المتأهلة إلى كأس العالم 2026 بعد صعود ثلاثي أمريكا الشمالية    شهر جمادي الثاني وسر تسميته بهذا الاسم.. تعرف عليه    دينا محمد صبري: كنت أريد لعب كرة القدم منذ صغري.. وكان حلم والدي أن أكون مهندسة    حبس المتهمين في واقعة إصابة طبيب بطلق ناري في قنا    آسر نجل الراحل محمد صبري: أعشق الزمالك.. وأتمنى أن أرى شقيقتي رولا أفضل مذيعة    داعية: حديث "اغتنم خمسًا قبل خمس" رسالة ربانية لإدارة العمر والوقت(فيديو)    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 18نوفمبر 2025 فى المنيا....اعرف صلاتك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الغزو الجائح والحصان الأفغانيّ الجامح
نشر في المصريون يوم 12 - 09 - 2010

(1) رغم التكثيف الأمريكي الظاهر للقوة العسكرية فى أفعانستان، فإننى أزعم أن لحظة الأفول توشك أن تسدل أستارها على ساحة الغزو الإمبريالي الأمريكي فى أفغانستان، ويوشك التاريخ أن يطوى صفحة مجلّلة بالخزي والعار على ثالث إمبراطورية عظمى استهانت بالشعب الأفغاني وقامت باحتلاله منذ تسع سنوات، فىوقت قد بلغ منه الضعف والتمزق مداه، بعد حرب طويلة مع الغزو السوفييتى استنزفت قواه، تبعتها حرب أهلية تعيسة طرحته أرضا فاقد الوعى يلعق جراحه.. ومع ذلك يعود الشعب الأفغاني المجهد البسيط للمرة الثالثة ليحطم أسطورة الإمبراطورية الأمريكية فى عز قوتها وجبروتها .. فما هو سر قوة هذا الشعب العجيب..؟!
كتبت قبل ذلك منذ تسعة أعوام والقوات الأمريكية تستعد لغزو أفغانستان مقالة مطولة نشرتها مجلة المختار الإسلامي، حذّرت الولايات المتحدة ألا تغتر بقوتها وتستهين بالشعب الأفغاني، لأن احتلالها سيبوء بالفشل وسترتد خاسرة على أعقابها نادمة يوم لا ينفع الندم.. وقد ختمت مقالتى بهذه الفقرة:
" تنتهز القوى البربرية الأمريكية الغازية حالة الدمار الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ الأفغاني.. بسبب حرب المقاومة الطويلة للغزو السوفييتي.. ثم الحروب الأهلية التي تلته، كما تنتهز حالة الدمار والجفاف والجوع والتمزق والانكسار الذي أصاب الشعب الأفغاني لتفرض عليه الاستسلام الكامل للإرادة الأجنبية، ولكن سوف تظهر حركات مقاومة أكثر ذكاء ، وأعمق فهماً ، وأقدر على مواجهة الغزو الجديد.. ولن تكون أفغانستان أبداً نزهة للقوات الأجنبية الغازية كما يحلمون...!"
أليس عجيبا أن أقوى دولة فى العالم تذهب بأضخم ترسانة عسكرية فى العالم وبجيش بلغ مائة وأربعين ألفا تسانده قوات مرتزقة قوامها مائة ألف من قبيل قوات "بلاك ووتر"، إلى واحدة من أفقر وأضعف دول العالم .. لم يكن بها أهداف لتدميرها لإحداث فرقعات إعلامية هائلة [بنص تصريح وزير الدفاع رامسفيلد] ثم تفشل الدولة الأعظم وتوشك جهودها وأهدافها على الانهيار أمام مليشيات عددها محدود.. ولكن إيمانها بالله والنصر لا حدود له...!
(2) قصة الحصان الجامح: كان فردريك ماكيسون ضابطاً في الجيش البريطاني برتبة "لفتنانت"، ثم أصبح وكيلاً سياسياً، وهي وظيفة تجمع بين العمل الدبلوماسي والاستخبارات معاً، بعث برسالة تاريخية هامة عن خبرته في أفغانستان إلى توماس هربرت مادوك نائب الحاكم العام البريطاني في الهند.. تاريخ الرسالة هو 9 نوفمبر 1841 أي بعد سنتين تقريباً من الغزو البريطاني لأفغانستان، كتب يقول:
" لقد وجدنا الهند بلاداً يسهل حكمها والسيطرة عليها كأنها ظهر حصان اعتاد على حمل الأثقال، فكان سعيداً بحملنا الخفيف .. أما أفغانستان بقبائلها الجبلية الشرسة التي لم ترضخ ولم تذعن لأحد من قبل فإنها مثل الحصان النافر الأبي الذي لم يعتد السرج أو المكابح واستعصى على الركوب، فإذا اقترب منه أحد أو لمسه غضب وانتفض ورفس في كل اتجاه .. مثل هذا الحصان يحتاج إلى راكب ماهر قد يعتلي صهوته إذا استطاع استئناسه"..
أقول أهو إلهام أو محض صدفة..!؟.. لا يهم .. فقد نطق فردريك ماكيسون بالحكمة والحقيقة عندما وصف أفغانستان بالحصان الأبي المستعصى على الركوب .. يدرك هذا من يتأمل بعمق في تاريخ أفغانستان، فقد كانت دائماً على اختلاف العصور تكره وتقاوم أمرين: (1) حكم الأجنبي الدخيل.. (2) وسلطاناً مفروضاً عليها من قوة خارجية.
حاولت هذا الإمبراطورية البريطانية وهي في أوج قوتها، وكذلك فعل الاتحاد السوفيتي فأشبعهما الحصان الأفغاني رفساً حتى الموت.
(3) الهاجس الأمني في الهند البريطانية: في القرن التاسع عشر كانت بريطانيا في قمة عظمتها الإمبريالية، وكانت الهند هي بقرتها الحلوب ودرة التاج البريطاني، حتى أن بريطانيا كانت تشعر أنها بغير الهند تفقد عظمتها الإمبريالية ومكانتها بين الأمم والشعوب، لعل هذا كان هو السبب في إلحاح هاجس الأمن والاستقرار في شبه الجزيرة الهندية، أو الهند البريطانية كما سماها البريطانيون.. ومن أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار في الهند خاضت بريطانيا أهوالاً ومخاطر، وتورطت أحياناً في أخطاء مهلكة، وكان غزوها لأفغانستان من أكبر هذه الأخطاء...!
فما الذي كانت تخشاه بريطانيا على أمنها في الهند...؟: في البداية ..وبالتحديد خلال القرن الثامن عشر الميلادي كان أخطر الأعداء على الحكم البريطاني في الهند هم الفرنسيون، هؤلاء انحسر نفوذهم سنة 1763م، وإن بقيت فلول منهم هنا وهناك يناوئون النفوذ البريطاني ويحاولون إيقاع الخسائر بشركة الهند الشرقية.
بعد سنة 1815م تقهقر الخطر الفرنسي لكي يحل محله الخطر الروسي القادم من الشمال، فقد زحفت روسيا القيصرية نحو تركستان فغزت بعض أجزائها وغدت تضغط بنفوذها على الخانات الثلاثة الباقية تحت حكم الأوزبك وهي خانات بخارى وخيفا وجوكندة.
استغرق الخطر الروسي وقتاً طويلاً لكي يتبلور ويتضح لعيون الإمبراطورية البريطانية المنبثين في دول آسيا الوسطى، حيث بدأت تقارير الوكلاء السياسيين الذين كانوا يقيمون وينتقلون هناك تنبّه إلى تعاظم القوة الروسية، وأن احتكاكها بالإمبراطورية البريطانية في الهند قد أصبح وشيكاً.
شرعت بريطانيا تفكر في كيفية مواجهة غزو روسي محتمل عن طريق إيران أو تركستان،و كانت تدرك أنه إذا تم للروس الاستيلاء على الخانات الثلاثة الإسلامية الباقية في تركستان فلن يبقى حاجز بين روسيا والهند البريطانية سوى أفغانستان.. فإذا تمكنت من التغلغل بنفوذها في أفغانستان، امتد تأثيرها إلى العدو الداخلي في الهند، وأصبح الأمن فيها مهدداً، وهذا أكبر ما تخشاه بريطانيا لأنها كانت تستبعد أن تقوم القوات الروسية بتهديد مباشر أو الاحتكاك بالقوات البريطانية في معارك سافرة.
فمن هو العدو الداخلي الذي كانت بريطانيا تخشى استثارته...؟
لم تكن مناطق شبه الجزيرة الهندية كلها تحت الحكم البريطاني المباشر وإنما كانت هناك مناطق يحكمها راجات هنود أقوياء وأمراء أفغان، وهؤلاء لم يكن ولاؤهم مضموناً إلا تحت شروط استمرار القوة المطلقة لبريطانيا دون منازع، ثم يوجد أيضاً العدد الهائل من الجنود الهنود في الجيش البريطاني، وهؤلاء رغم ثبوت ولائهم ونفعهم في أغلب الظروف إلا أن تمردهم وارد، وقد وقعت بالفعل حوادث تمرد متفرقة أمكن احتواؤها في حينها.
ولكن مع ظهور عدو قوي على الحدود فإن عواقب الجنوح والتمرد تصبح غير مأمونة، ويصبح الخطر على أمن الهند البريطانية واستقرارها خطراً حقيقياً لا مجرد هاجس محتمل.
في مواجهة هذا الخطر تنازع في السياسة البريطانية اتجاهان قويان: أحدهما يدعو إلى التغلغل في آسيا الوسطى (تركستان) وقطع الطريق على الزحف الروسي نحو الجنوب، أما الاتجاه الثاني فكان يركز على تأمين حدود الهند البريطانية من الشمال والغرب وجعل أفغانستان منطقة عازلة بين القوتين الإمبرياليتين الروسية والبريطانية، وقد استقر الرأي على انتهاج هذا الاتجاه في السياسة البريطانية.
ولذلك لم تفكر بريطانيا في بادئ الأمر أن تقوم بغزو أفغانستان أواحتلالها، وإنما كانت تتطلع إلى إقامة حكومة موالية لها في أفغانستان تقبل وجود سفارة دائمة بها ووكلاء بريطانيين على شكل خبراء دبلوماسيين وعسكريين مهمتهم الرسمية نُصح الحكومة الأفغانية في إدارة شئونها الداخلية، ويقومون برسم ومتابعة سياستها الخارجية مع الدول الأخرى .. والسؤال هو: من أين تأتي هذه الحكومة العميلة..؟ وهل كانت الأوضاع السياسية في أفغانستان تسمح بذلك...؟
(4) من استقرائنا لتاريخ العلاقات ين الدول الاستعمارية والبلاد القابلة للاستعمار سنلاحظ أن البحث عن حكومة عميلة هو الاختيار الأول لأى قوى أجنبية تسعى للهيمنة على الشعوب المستضعفة، وهو أهون الاختيارات وأكثرها دواما واستقرارا.. وفى هذه الفئة تقع أكثر بلاد العرب والمسلمين من باكستان إلى موريتانيا.. فإذا تعذر هذا كان الاختيار الثانى هوالبحث عن بؤر الصراع على السلطة فى هذه البلاد ودعم طرف منها ضد الأطراف الأخرى، وعادة ما يكون لهذا الاتجاه بوادر سابقة تنكشف لمن يحسن قراءة التاريخ واستراتيجيات الدول الاستعمارية.. ومن هذه البوادر احتضان قيادات المعارضة لاستخدامها عند اللزوم.. والنموذج الأمثل لذلك حديثا، كان فى حالة المعارضة العراقية فى الخارج التى استخدمتها أمريكا مقدمة لغزو العراق ثم وضعتها على السلطة لتحكم من خلفها وتنفذ خططها الخاصة بصرف النظر عن المصالح الحقيقية للشعب العراقي.. هذه أساليب استراتيجية قديمة لم تتغير فى تاريخ بريطانيا أوأمريكا أو الاتحاد السوفياتى...!
فى ضوء هذه الحقائق لابد لنا أن نرجع قليلاً إلى الوراء لنرى كيف تطورت الأمور في أفغانستان لتصل إلى النقطة التي آذنت بالاقتراب البريطاني والنفاذ إلى الشئون الداخلية الأفغانية...؟
(5) الصراع الداخلي: حكم نادر شاه إيران وأفغانستان وشن حملة ناجحة على الهند المغولية فاستولى على كنوزها ومجوهراتها ولكنه اغتيل في طريق عودته سنة 1747م.. وكان لنادر شاه حرس خاص مكون من أربعة آلاف مقاتل أفغاني عادوا إلى قندهار بعد اغتياله، وكان على رأس هؤلاء الفرسان قائد طموح هو أحمد خان عبدلى .. اختاره مجلس القبائل شاهاً عليهم فأطلق على نفسه لقب دوراني ومعناه (لؤلؤة اللآلئ) وأصبح اسمه أحمد شاه دوراني .. امتدّ سلطانه ليشمل كل مناطق أفغانستان .. ثم امتد من مشهد إلى كشمير ودلهي في الهند، ومن أموريا داري في آسيا الوسطى إلى البحر العربي، وأصبح هذا الشاه الأفغاني صاحب أكبر ثاني إمبراطورية إسلامية بعد الدولة العثمانية.
اشتهر نادر شاه بجسارته وحسمه وبشخصيته القيادية الفذة مما أكسبه اسم "بابا" أي (أبُ الأمة) .. مات سنة 1772م فخلفه ابنه تيمور شاه، ولكن ثارت عليه القبائل فاضطر لنقل عاصمته من قندهار إلى كابول، وقضى حياته مشغولاً بفض النزاعات القبلية وتهدئة القبائل الثائرة حتى قضى نحبه سنة 1793م.
استطاع ابنه الخامس "أمان شاه" الاستيلاء على السلطة بمساعدة زعيم قبيلة "براكزاي"، فلما استقر له الأمر في أفغانستان تحول إلى الهند يريد غزوها، هنا انزعج البريطانيون وقاموا بتحريض "فتح علي" شاه إيران على "أمان شاه" لتحويل انتباهه عن الهند.
[نلاحظ هنا ظهور مرحلة من التفسخ الواضح في المجتمعات المسلمة، تضافرت عليها ثلاثة عوامل متآزرة: الوجود البريطاني بمكره وعقليته التآمرية القائمة على مبدأ "فرّق تسد"، وخفة الحكام والقيادات المسلمة وسهولة إيقاعهم في غواية السلطة والثروء، وضعف الشعوب المسلمة التي بلغت الحضيض من التخلف والجهل... لذلك لم يكد "فتح علي" يرى تشجيع البريطانيين له للانقضاض على حاكم آخر مسلم منافس له حتى خطا من عنده خطوة أخرى أشنع وأبشع، حيث قام بتحريض أخٍ لأمان شاه هو محمود شاه حاكم "هيرات" أمده بالمال والرجال لغزو قندهار، فقام محمود هذا بمساندة من وزير قوي له هو "فتح خان براكزاي" بالاستيلاء على قندهار ثم تقدم نحو كابول..
أسرع أمان شاه عائداً من الهند لينقذ مملكته في أفغانستان ولكنه تعرض لسلسلة من وقائع الخيانة، تمكن الخونة في نهايتها من تسليمه مسمول العينين إلى أخيه محمود فسجنه في قلعة "بالاهيار" في كابول عام 1800م.
لم يكن شاه محمود هذا يتمتع بأي مؤهلات للحكم، ولم يكن مهتماً بمصالح الدولة وشئونها، وإنما كان غارقاً في متعه الشخصية ونزواته .. تاركاً تدبير شئون الدولة في يد وزيره "فتح خان"، فلما ساءت أحوال الناس تحالف زعماء القبائل ودعوا أخاً ثالثاً لأمان شاه اسمه "شاه شوجا" .. فتقدم إلى كابول وحاصرها حتى استسلم محمود وطلب عقد سلام مع "شاه شوجا".
ولأن شاه شوجا كان يفتقر إلى قوة الشخصية ولا يتمتع بالبصيرة أو الخبرة السياسية والحنكة فإنه لم يستطع كبح جماح زعماء القبائل الذين انطلقوا يمارسون سلطات مستقلة في مناطقهم، وبظهور الضعف في السلطة المركزية بكابل تشجع الجيران الطامعون للانقضاض على أفغانستان .. فزحف سيخ البنجاب على شرق أفغانستان، وهددت إيران أفغانستان من الغرب.
كان نابليون بونابرت حينذاك في أوج قوته وسطوته فاقترح على الروس
( نكاية فى أعدائه البريطانيين) غزو الهند عبر أفغانستان، فأسرع البريطانيون بإرسال بعثة إلى أفغانستان يرأسها "مونتستيوارت إلفنستون" الذي التقى بشاه شوجا في بيشاور للتباحث في أمر هذا الغزو المتوقع، وتمت معاهدة صداقة بينهما في 7 يوليو سنة 1809م، وعَد الشاه فيها ألا يسمح بمرور أي قوات أجنبية في أراضي أفغانستان.. ولكن لم تكد تنتهي إجراءات توقيع المعاهدة حتى وصل إلى المتفاوضين خبر استيلاء محمود (الشاه السابق) ووزيره "فتح خان" على كابول وأن قوات شاه شوجا قد تمزقت، فاضطر إلى اللجوء إلى الهند عند أصدقائه الإنجليز سنة 1815م.. وتحت غطاء الصداقة يحتفظ الإنجليز عادة بأمثال شاه شوجا لاستخدامهم كأدوات في بلادهم عندما تتهيأ الظروف لذلك..
ولأن الوزير "فتح خان" - كما سبق أن ذكرنا - ينتمي إلى قبائل براكزاي، لذلك جاء معه برجاله من هناك فانتشروا وسادوا في أفغانستان، مما أوغر صدر "كامران خان" الابن الأكبر لشاه محمود الذي وجد نفسه مُهمشاً تحت نفوذ البراكزاي، فتحايل للقبض على "فتح خان" وفقأ عينيه وأمر بتقطيعه إربا.. هذا الانتقام البشع كان سمة من سمات الأسر الحاكمة، وهي تتصارع على السلطة، خصوصاً عندما تنفرد قبيلة أو مجموعة من القبائل بالسلطة وتفرض طغيانها على الآخرين، ومن ثم يتوالى مسلسل الانقضاض والقتل ثم الانتقام المروّع بين سائر القوى المتصارعة...
وهذا ما حدث بالفعل .. فقد خرج "دوست محمد" الأخ الأصغر لفتح خان من كشمير سنة 1818م واستولى على بيشاور وكابول وجرد "شاه كامران" من ممتلكاته فيما عدا هيرات حيث بقى فيها بعض سنوات.
ولكن في عهد "دوست محمد" تكالبت القوى الخارجية على أفغانستان حيث استولى أمير بخارى على بلخ واستولى السيخ على مقاطعات ما وراء نهر الإندوس، وبقيت مقاطعتا السند وبلوخستان مستقلتين.
ارتفع دوست محمد من قاع هذه المحنة فتمكن من السيطرة على غزنة وكابول وجلال آباد، وأنشأ بذلك مملكة أسرة براكزاي ولقب نفسه بالأمير سنة 1826م.. ثم حاول إعادة بيشاور ولكن القائد السيخي "رانجيت سنج" تمكن من إشاعة الفرقة في معسكر خصمه، فتبخر جيش دوست محمد وفقدت أفغانستان منطقة بيشاور إلى الأبد، وظلت موضوع نزاع بينها وبين جارتها باكستان إلى اليوم...
نتابع الموضوع إن شاء الله فى حلقة لاحقة....
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.