يتحدث هذا الكتاب عن ثقافة القتال المتأصلة في أفغانستان، علي مدار تاريخها السياسي المتعاقب، ويستنتج مؤلفه المؤرخ العسكري ستيفن تانر أن التاريخ العسكري الطويل لأفغانستان كان دائما يعج بالصراعات، حيث تظهر صورة أفغانستان في الكتاب الصادر لدي كلمات عربية بعنوان أفغانستان.. التاريخ العسكري منذ عصر الإسكندر الأكبر حتي سقوط طالبان، بالبلاد التي ظلت قرونا طويلة في مفترق طرق الحضارات العظمي للعالم القديم، ومطمعا للإمبراطوريات المختلفة، ومحورا لطموحات إمبريالية عديدة من الإمبراطورية الفارسية إلي الإمبراطورية الأمريكية بعد 11 سبتمبر، لكن في العصر الحديث كما يري تانر تحولت أفغانستان إلي مجرد دويلة تقع علي الحدود، وساحة لحرب باردة بين بريطانيا وروسيا الاتحاد السوفيتي، وأخيرا إلي مخبأ يعج بالكهوف التي تؤوي الإرهابيين الدوليين. أما المثير للدهشة بحسب الكتاب الذي ترجمته نادية إبراهيم فهو الشعب الأفغاني الذي ظل عرضة لحروب لا تنقطع طوال ربع قرن، ومع ذلك لا يزال يشكل عقبة أمام المعتدين الأجانب، تماما مثلما لا تزال الخلافات الثقافية والدينية هي المحرك الرئيسي لعجلة الحرب في أفغانستان، ولذلك فإن ما يستخلصه المؤلف أن قدر هذه الأرض أن تظل مسرحا لصدام الجيوش (إشارة إلي الحروب الداخلية بين الجماعات العرقية التي يتكون منها الشعب الأفغاني) وصدام الحضارات معا. فضلا عما يحاول الكتاب تفسيره بأن تاريخ أفغانستان العسكري العنيف ارتبط أساسا بطبيعة أرضها الصعبة والوعرة، ينتقل تانر من الخريطة الجغرافية والسياسية لأفغانستان، ليؤكد أنها السبب في الأهمية المحورية التي حازتها هذه الدولة عبر التاريخ، وذيوع صيت قوة أفغانستان القتالية وبث الرعب في قلوب أعدائها، ويحيلنا المؤلف إلي معلومة طريفة عن معني كلمة أفغان في الفارسية القديمة، فهي تعني إما ذو ضجيج أو الجامح أو العاصف. عن بزوغ أفغانستان يقول المؤلف أنها لعبت دورا غريبا في التاريخ العسكري لجنوب آسيا، فقد كانت منبعا للمحاربين الوطنيين الذين تمكنوا من قلب موازين القوي بين الإمبراطوريات التي تقع حولها، ويري نظيرها أوروبيا في ذلك الوضع سويسرا، التي لعبت نفس الدور في إمداد الممالك المجاورة بالمقاتلين، لكن إذا كانت سويسرا قد استطاعت أن توحد فرقها المختلفة بعد ذلك أو شعبها متعدد الأعراق مثل أفغانستان، فإن الأخيرة لم تستطع فعل ذلك، فقد فشل جينكيز خان نفسه في إخضاع القبائل الأفغانية، وظلت الطبيعة العسكرية هي الفاعل الأول والأخير في الشخصية الأفغانية، يقول المؤلف: رغم أن الغزاة نجحوا في غزو وتدمير مدن كبيرة مثل بلخ وقندهار وغزنة وكابول وغيرها، فإن ثقافة المحارب الأفغاني ظلت باقية تتحدي الجميع. يؤكد المؤلف أن غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان حقق شيئا نادرا لتلك البلاد، فلأول مرة تجمع الأفغان حول هدف سياسي هو طرد السوفييت وإجلاؤهم، ومن هنا انطلقت فكرة الجهاد، وعن بداية ظهور طالبان، يفرد المؤلف فصلا خاصا يحلل مراحل المقاومة الأفغانية، فقد كان المجاهدون الأفغان من الأصوليين الإسلاميين، إلي جانب الأفغان العرب، الذين اعتبرتهم المخابرات الأمريكية أشرس أنواع الإرهابيين، إلي أن ظهر بن لادن، الذي بدأ بإعداد مقر في باكستان عام 1982 ليدير من خلاله عمليات إنشاء البنية التحتية للمجاهدين، وبعد 1990 أنشأ القاعدة في البدء كمنظمة مساندة لخمسة وثلاثين ألفا من المحاربين العرب القدامي، ثم توسعت في أعمال الجهاد ليصبح فرضا عالميا، ومن هنا وبدعمها للمجاهدين أيام الحرب مع السوفييت، أحست المخابرات الأمريكية أن أمريكا خلقت وحشا لن تستطيع القضاء عليه. ورغم رصد المؤلف للعديد من الحروب التي خاضها الشعب الأفغاني،ولكيفية خروجه من تلك الأزمات، إلا أنه يقول في خاتمة كتابة أنه لن يكون من الحكمة في شيء أن تتنازل الولاياتالمتحدة عن أفغانستان بعد الصراع الأخير كما فعلت بكثير من التهور والاندفاع عام1989م عقب انسحاب السوفييت، بل العكس هو الصحيح، ففي هذه الأرض الآخذة في الانكماش مع مرور الزمن، ثمة شيء سوف يشكل ذلك خطرا حقيقيا،فتوافر وسائل الاتصالات العالمية الفورية،وما يعقب ذلك من سهولة الوصول إلي تكنولوجيا الأسلحة،يمكنه أن يجعل من أي دوله مهما بلغت من انعزالها وفقرها مصدر تهديد للعالم!.