لم يتفق التاريخ والجغرافيا والسياسة علي بلد مثلما فعل في أفغانستان. قرنان ونصف من الزمان والبلد الذي تمزقه الطبيعة الجبلية والوديان والكهوف, مسرح مفتوح لحروب تشنها جيوش وامبراطوريات سطع نجم بعضها وأفل الآخر. الخلافات الثقافية والدينية كانت ولاتزال هي المحرك الرئيسي لعجلة الحرب بأفغانستان التي يتوقع لها ان تظل مسرحا مفتوحا ليس فقط لصدام الجيوش, ولكن لصدام الحضارات أيضا. فهذا البلد الذي غزاه الاسكندر الأكبر ثم من بعده المغول والتتار, شهد في القرن التاسع عشر أكبر تنافس بين أعظم دولة بحرية هي بريطانيا وأعظم دولة برية هي الاتحاد السوفيتي( انذاك) للسيطرة علي أفغانستان في مباراة حرب باردة عرفت باسم اللعبة الكبري, لم تكن أفغانستان بالفعل سوي لعبة, ذات أهمية قصوي للقوتين المتصارعتين, وبحيث حرصا علي ألا تمتلك تلك الدولة قوة ذاتية تتحكم بها في مصيرها منفردة بل تبقي مجرد دويلة حدودية عازلة بين منطقتي نفوذ لندن وموسكو. المؤرخ العسكري سيتفن تانر رصد بدقة التاريخ العسكري لهذا البلد منذ عصر الاسكندر الأكبر وحتي سقوط طالبان في2001 ضمن كتابه المهم أفغانستان الذي ترجمته نادية أحمد ابراهيم وحققه شهاب الدين أحمد مقبرة الامبراطوريات وصف يصدق بامتياز علي أفغانستان التي أذاقت الانجليز والروس ويلات لا حدود لها, عنها كتبت ليدي سيل في مذكراتها. كان البريطانيون يرون ان الكارثة العسكرية هي فشل الجيش في الحفاظ علي شرف التاج والكارثة الكبري هي وقوع خسائر جسيمة في صفوفه, لكن الانسحاب من كابول كان مشهدا صادما لدرجة ان الانجليز سكرتهم تلك الكارثة المروعة وأطلقوا عليه انسحابا بطوليا في عام1842 في وقت حذرت ليدي سيل وآخرون من أن الجيش سيفني تماما ولن يتبقي منه سوي رجل واحد ليروي ماحدث. أفغانستان التي أعلنها جمهورية رجل الجيش محمد داود عام1973, لم تشهد أي استقرار, ففي عام1979 جاء الغزو الروسي لأفغانستان بمثابة الشرارة التي أعلنت ميلاد المجاهدون الأفغان, حيث تجمع آلاف الملالي علي اعلان الجهاد واستنهاض همم القتال المتأصلة بهم وتركز هدفهم جميعا بغض النظر عن اتجاهاتهم القبلية والعرقية والجغرافية علي طرد السوفيت واجلائهم عن البلاد, وهو مالم يتحقق إلا في عهد الرئيس الروسي جورباتشوف عام1988 الذي تصدرت صورته بالغة الدلالة غلاف الكتاب, إلي ان انسحب الروس مابين1988 و1989. لتعم صراعات داخلية من جديدة وتظهر في أوائل1994 قوة مسلحة جديدة أخري غير المجاهدين سمت نفسها طالبان وتعني الطلبة, وان كان لها مدلول ديني آخر هو الساعون إلي الله وفي قلب الحركة برز اسم الملا محمد عمر, الذي كان قد التقي باسامة بن لادن وأكد دعمه له. أما بن لادن نفسه فقد زار أفغانستان لأول مرة وهو في الثالثة والعشرين من عمره عام1980 وأسس بها البنية التحتية للمجاهدين وأقام عشرات الكهوف والانفاق في الجبال الواقعة شرق البلاد ثم أنشأ في عام1990 تنظيم القاعدة لمساعدته ودعم35 ألفا من المحاربين العرب القدامي الذين كانوا يقاتلون مع المجاهدين أثناء الحرب مع الانجليز والروس. وتصاعدت الأحداث في بداية الألفية الثالثة وفي صباح الثلاثاء الحادي من سبتمبر2001 هوجمت أمريكا وقصفت مباني برجي التجارة العالميين ومبني البنتاجون.. ووجهت الانهيار الكامل للبرجين, وحيث واشنطن اصابع الاتهام في اليوم التالي للهجوم إلي أعضاء اكدت صلتهم بتنظيم القاعدة لتقوم بغزو أفغانستان في السابع من أكتوبر2001 في حربها المزعومة ضد الارهاب, المدعومة من قوات تحالف دولية نجحت بها في اسقاط نظام طالبان2002. لايخفي المؤلف تحيزه لأمريكا, حيث اخفي شرعية الغزو الأمريكي لأفغانستان, اذ يري في الغزو أعظم فرصة في تاريخ أفغانستان, فمن خلال الصراع الأخير نستطيع أن نري ملامح الفأر الذي تحول إلي أسد والذي لو ترك وحده فسوف يكون مقدرا لأفغانستان أن تقطع رحلة تؤدي بها إلي مزيد من العزلة ومزيد من الفقر.. أما الأن وبعد أن غزتها أغني دولة في العالم فإن الرجل العادي الذي يعيش علي أرضها يمكنه أن يستشرف الأمل في المستقبل. الكتاب صادر عن كلمات عربية.