يثير عنوان كتاب خلف الستار.. وجه آخر لافغانستان للكاتب خالد منصور الصادر حديثا عن سلسلة كتاب أخبار اليوم بعض التساؤلات حول الطرح السياسي للكتاب, لكن ما يلبس القارئ في قراءته حتي تنكشف له محاور الكتاب الأساسية والتي لا يتردد الكاتب في اظهارها بداية من المقدمة. يقدم منصور مزيجا من أدب الرحلات والتحليل السياسي لافغانستان وفي سياق هذا التحليل لا يغفل الجوانب الإنسانية والاجتماعية التي تكشف عن صورة جديدة غائبة من وراء ركام الصور الملتبسة حول هذا البلد وبعض الدول المجاورة له باكستان وايران في أواخر عصر طالبان وبداية السيطرة الامريكية1995 2010 ويخبرنا منصور في كتابه الواقع فيما يقرب من200 صفحة من القطع المتوسط, عبر مقدمته التي جاءت بعنوان قبل السفر عن رحلته التي لم تتوقف منذ منتصف التسعينيات والتي بدأها كصحفي عمل بوكالة أنباء الشرق الأوسط ثم ترك عالم الصحافة ليشغل منصب خبير إعلامي بمنظمة الأممالمتحدة في اواخر عام1999 وتمركزت معظم رحلاته بالمنظمة في منطقة آسيا الوسطي وخاصة أفغانستان, وهذا يفسر الجزء الثاني من عنوان الكتاب وجه اخر لأفغانستان اذ يعرض لنا الكاتب بسبب قربه من الاحداث وجها اخر لم نعرفه عن هذا المكان المنكوب. ويرجع منصور سبب جهلنا بشكل الحياة الحقيقية الي سوء التغطية الإعلامية, وكيف صور الإعلام المواطن الأفغاني علي انه صاحب اللحية المتجهم فقط, وتجاهل الصور الأخري المفعمة بحياة لا تخلو من بعض البهجة والصخب. وهنا جاء رهان كتاب خلف الستار القائم علي كشف الجانب الإنساني لهؤلاء الموجودين في ظل ظروف سياسية واجتماعية معقدة ومتوترة, لا تظهر ما في حياتهم من ألوان ويبدأ الكاتب رحلته من كابول عاصمة افغانستان, هذا البلد الخادع ببساطته وكرم اهله علي نحو يصوره كبلد متخلف عن عواصم البلاد المجاورة, بينما تشير الحقيقة التي رصدها منصور الي انه بلد مختلف اذ يرفض فرضية التخلف لصالح فكرة الاختلاف مؤكدا ان كابول أغني مما توحي المظاهر, وتاريخها أعقد من بساطة وفقر حاضرها, ويمكن فهم كابول شريطة ألا تبدأ مسعاك لفك تعقيداتها بقياسها نسبة إلي باريس أوواشنطن ويكمل ينبغي ان نقارن حاضر كابول بماضيها وواقعها بواقع مدن قريبة منها ثقافيا وجغرافيا ويرجع منصور هذا الخلط في تفسير الواقع في كابول إلي ان زوارها الأجانب يقومون منذ عشرات السنوات وخاصة أخيرا بجولات محمية معزولة عن أرض الواقع والعالم الحقيقي, لذا كل ما لدينا عن كابول جاء عبر وسائل الإعلام التي لا تبحث إلا عن أوجه التسلية التي اصبحت جزءا كبيرا من عالمنا من قتل وانتهاكات والذي وصفه منصور بالسقوط في غرف مرايا وسائل الإعلام وخلال رحلة الكاتب يعرض لنا الأحوال السياسية بتضفيرة اجتماعية ليرصد لنا تاريخ افغانستان مع الحروب سواء الاهلية بين المجاهدين, ونهاية الجهاد ضد الشيوعية في أوائل التسعينيات وهزيمة الدب الروسي ليلتفتوا حسب الكتاب إلي الشيطان الأمريكي, وكيف كانت كابول قبل هذا الغزو مقصد عديد من شباب اوربا الفارين من الحضارة الاستهلاكية في الستينيات رافعين شعارات حرية فكرية وجنسية, وسقوط كل هذا أمام الثورة الاسلامية. ولم يكتف الكاتب بعرض حال المواطنين الافغان فقط, لكنه تطرق إلي حال موظفي الإغاثة بهذه المناطق المحاصرين بقيود المانحين من جهة والواقع والإعتبارات المحلية من جهة أخري. وفي فصل تجاويف في حضن الجبل يحدثنا الكاتب عن القبائل الأصلية الموجودة في افغانستان وهي الهزارة ولا يتعدون عشرة بالمئة من تعداد السكان, والأعراق الثلاثة الأخري هم الباشتون ويمثلون أكثر من ثلث السكان بقليل ويتركزون في الجنوب, ثم الطاجيك والأوزبك والتركمان ويتركزون في الشمال أما عن مذاهبهم الدينية يقول منصور الغالبية العظمي من الأفغان مسلمون ومعظمهم سنة, الهزارة الفئة الوحيدة التي أغلبيتها من الشيعة, ويشير أيضا الي ملامحهم الخاصة وتفاوت طبقاتهم الإجتماعية هذه عبر كتابة معلوماتية وسرد محكم يدل علي دقة الرصد, هذا ولا ينسي منصور ان يشير إلي التغيرات التي خلفتها الاحداث السياسية علي طبيعة البلد منها تفجير طالبان لتمثالي بوذا المنحوتين في الجبل. المحطة الثالثة هي الطريق إلي قندهار وهي منبع اول دولة في أفغانستان العصر الحديث لكن كما يصفها الكاتب هي قلب قبائل الباشتون التي طالما أزعجت القوي الإستعمارية المحلية والإقليمية والدولية وصارت الآن شوكة لا يستهان بها في حلق قوي التحديث الأفغانية ويحكي لنا عن مدي إختلاف قندهار قبل وبعد اختفاء الملا حسن من خلال رحلتين قام بهما لها, ثم ينطلق بنا الكاتب لوصف باكستان ونشأتها في منتصف القرن العشرين وذلك عبر رحلته إلي كويتا عاصمة إقليم بالوشيستان في غرب باكستان مشيرا للتاريخ الدموي لباكستان الذي بدأ منذ مناوشات بين الجيش الباكستاني وبعض قبائل المعارضة ثم تحول الصراع لمواجهات عسكرية مفتوحة في1973, ويذكر الكاتب أن هذا التاريخ الدموي كان حاضرا في البالوشستان خلال زيارته لها, ويفسر منصور ما يحدث في باكستان قائلا هي بلد استدعي فيه فشل السياسيين تدخل الجيش, وأدت انتهازية الفريقين وتمسحهما بالإسلام وإهمالهما لتوزيع مقبول للثروة وفشلهما في التحول الي الديمقراطية إلي توغل النزعات القبلية والإسلاموية ولجوء كل طرف إلي حمام عنف دموي, لا تبدو نهايته قريبة وتحت عنوان المسلخ البشري والذي يبدو فيه ايضا اهتمام الكاتب الشديد بشكل افغانستان في وسائل الإعلام لانه كما يؤكد أن الإعلام وبعض الكتب التي الفها صحفيون, يركز علي الطبقات والخطوط العريضة من تقلبات السياسة, وظواهر الثقافة متجاهلا طبقات وطبقات من المجتمع الافغاني, أما المسلخ فهو مسلخ للحيوانات ثم مالبث لقربه من المخيم أن أصبح جزءا منه, ويصف الكاتب الحالة السيئة للمخيم والتي تشبه عشرات المخيمات في أفغانستان. وفي حديقة الجنوب وهو اسم أحد المسلسلات الكوميدية من الرسوم المتحركة في أمريكا والذي يسخر من النظم السياسية والإجتماعية الأمريكية, ويتخذ الكاتب هذا المسلسل مدخلا ليأخذنا في جولة ببلدة فايز آباد, ثم ينتقل الكاتب ليحكي تاريخ حكم طالبان تفصيليا. ويكتب خالد منصور ثلاثة فصول بعنوان حول أفغانستان لكن كل فصل يحمل عنوانا فرعيا هي باكستان طاجيستان وايران, أذربيجان وفي الفصل الأخير أو محطة أخيرة كما أرادها الكاتب والتي يلقي فيها آخر ما لديه, يتمني ألا يكون كتابة سقط بدوره في غرفة المرايا التي وصفها بالشريرة التي تشوه الواقع والبشر, ثم يحدثنا عن الكتابات التي تناولت أفغانستان بدءا من الثمانينيات ومعظمها من الغرب, اذ كانت تصور المجاهدين علي انهم عودة إلي عصر ذهبي للإسلام أو علي أنهم ميليشيات مدافعة عن أرضها, لكن الوضع إختلف في التسعينيات بعد خروج السوفيت نسي العالم أفغانستان سنين طويلة, ثم ما لبثت أن عادت إلي مسرح الأحداث وبقوة بعد هجمات11 سبتمبر, ويؤكد منصور في نهاية الكتاب كتابي ليس عن أفغانستان فقط أو ما جاورها من بعض الدول, ولكنه أيضا عن كيفية دخول عمال الإغاثة الأجانب في تلافيف مثل هذه الصراعات ودورهم فيها وحيالها, علي المستوايات السياسية والعملية والعاطفية هبة إسماعيل