ما الذي يجمع بين تيخوانا وبغداد والقدس البلدة العتيقة .. جميعها تقام فيها جدران تؤدي الى تقسيم الاحياء وتثير الجدل وتشكل جزءا من منظومة جدران تقام في جميع أنحاء العالم يتضاءل بجوارها الستار الحديدي المنهار. فهناك جدران وأسيجة وخنادق ومصدات بعضها مزود بأجهزة استشعار لرصد الحركة وكاميرات رصد حرارية وانظمة تعمل بالاشعة السينية ومعدات للرؤية الليلية الى جانب طائرات الهليكوبتر وطائرات استطلاع بدون طيار ومناطيد مراقبة.. البعض تحت الانشاء والبعض في مرحلة التخطيط. وعندما يتم الانتهاء من هذه الحواجز فستمتد لالاف الكيلومترات في أماكن متباعدة مثل المكسيك والهند وأفغانستان وأسبانيا والمغرب وتايلاند وماليزيا والعراق. والهدف من بناء هذه الحواجز هو منع تسلل المهاجرين الراغبين في وظائف والمسلحين والمهربين وابعاد الخصوم عن بعضهم بعضا. ويرى المؤيدون لهذه الجدران أن الاسوار الجيدة تصنع جيرانا طيبين لكن المنتقدين لها يقول انها نتيجة متناقضة للعولمة لانها تسمح بتحرك البضائع ورؤوس الاموال بحرية لكنها تمنع المهاجرين من ذلك. ومن المفارقات التاريخية أن الولاياتالمتحدة وهي البلد الذي عجل بسقوط جدار برلين عام 1989 باتت رائدة في مجال بناء الجدران. وأقيم أحدث جدار لتقسيم أحياء في العاصمة العراقية بغداد في نيسان الماضي. وقامت قوات أميركية ببناء الجدار باستخدام ألواح خرسانية رمادية ارتفاعها 7ر3 متر ويزن الواحد منها أكثر من ستة أطنان. ويفصل الجدار البالغ طوله 8ر4 كيلومتر حيا سنيا عن منطقة شيعية. وأثار بناء الجدار احتجاجات من الطائفتين ووصفه رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بأنه عنصري. ويشيد الجدار الذي يبنى حول القدس لفصل الشطر الشرقي العربي من المدينة العتيقة عن الضفة الغربية من مواد مماثلة وأثار اتهامات مشابهة. وعلى النقيض من ذلك فقد تقبل سكان مدينة تيخوانا المكسيكية الحدودية الجدار السميك المصنوع من ألواح الحديد المموج والذي يمتد من شاطيء المحيط الهادي وعبر تلال كاليفورنيا ليفصلهم عن مدينة سان دييجو الاميركية. وتعتزم الولاياتالمتحدة بناء جدار مزدوج على طول جزء من حدودها البالغ طولها ثلاثة الاف كيلومتر مع المكسيك بموجب قانون الجدار الامني الذي صدر عام 2006. ويشير المؤيدون الى تيخوانا ويقولون ان الجدران فعالة في منع الاجانب غير المرغوب فيهم من التسلل. ومنذ هجمات 11 أيلول على نيويوركوواشنطن ربطت الجماعات المناهضة للهجرة في الولاياتالمتحدة بين الهجرة غير المشروعة والمخاوف الامنية وزادت الضغوط السياسية من أجل تشديد مراقبة الحدود بشكل كبير. لكن المعارضين لفكرة بناء جدران حول الولاياتالمتحدة يشيرون الى العواقب غير المقصودة وهي ازهادر عملية بناء الانفاق تحت الجدار وتزوير وثائق الهوية الشخصية. ولان المتسللين المحتملين لجأوا الى الدوران حول السور وعبور صحراء أريزونا بدلا من ذلك فقد ارتفع عدد الموتى باطراد ووصل متوسطه الى تسعة أشخاص في الاسبوع. ويرى السياسيون في أميركا اللاتينية عامة وفي المكسيك بوجه خاص في الجدار الحدودي اهانة وتخليا عن الفلسفة التي دفعت الرئيس الاميركي حينذاك رونالد ريغان للوقوف أمام بوابة براندنبرج في برلين وتحدي نظيره السوفيتي لفتح هذه البوابة وهدم هذا الجدار. وبعد ذلك بعامين سقط جدار برلين وفي أعقاب ذلك بفترة قصيرة انهار ما تبقى من الستار الحديدي الذي كان منظومة من الجدران والاسيجة وحقول الالغام امتدت لنحو أربعة الاف كيلومتر عبر أوروبا وفصلت الدول الشيوعية عن الدول الرأسمالية. ورغم أن الامن والتحكم في الهجرة هي أكثر الاسباب التي تستخدم لتبرير بناء هذه الجدران فان السياسة تلعب دورا مهما في بعض الدول. وفي دول أخرى تستغل هذه الجدران لتحويل المطالبة بالاراضي الى حقيقة ملموسة على أرض الواقع. وينطبق هذا على واحد من أقل الجدران شهرة وأقدمها أيضا في العصر الحديث وهو الجدار الذي بناه المغرب خلال الثمانينات لمنع الهجمات التي تنفذها جبهة بوليساريو التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية على الاراضي التي تطالب بها لنفسها. وتقع هذه الاراضي خلف منظومة جدران يبلغ طولها 2700 كيلومتر ويصل ارتفاعها الى ثلاثة أمتار من التراب والحجارة والرمال. ويحرس الجدار الاف من الجنود المغاربة وهو مدعوم بملاجيء وأسيجة وأسلاك شائكة وألغام تشير التقديرات الى ان عددها يتراوح بين 200 ألف وعدة ملايين. وعندما تسمع الفلسطينيين ومسؤولي الاممالمتحدة يتحدثون عنه فان الجدار الذي يفصل القدس عن الضفة الغربية والاسيجة والخنادق التي تمتد عبر الضفة متصل بالنزعة التوسعية الاسرائيلية كما بالهدف المعلن لاسرائيل والذي نجحت في تحقيقه الى حد بعيد وهو منع المسلحين من دخول اسرائيل . ويشير الاسرائيليون الذين يعارضون احتلال الضفة الغربية الى جانب المنتقدين الاجانب مثل الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر الى الجدار باعتباره شكلا من أشكال الفصل العنصري. ووفقا لدبلوماسي كويتي في واشنطن فقد أغلقت الكويت وهي من الدول المجاورة للعراق أيضا حدودها بالفعل باستخدام الاسيجة المكهربة والمصدات وخندق عمقه متران ويمتد على الحدود البالغ طولها 217 كيلومترا. وتخضع الحدود التي عبرت منها الدبابات العراقية لغزو الكويت عام 1990 لمراقبة جوية مستمرة. والى الشرق من شبه الجزيرة العربية يجري تنفيذ مشروعات طموحة للتحكم في التنقلات بين الهند وباكستان والهند وبنجلادش وباكستانوأفغانستان. وتتوقع جميع الحكومات تقريبا التي تقرر بناء حواجز لفصلها عن احدى جيرانها أن هذا سيؤدي لخفض التوترات لكن في بعض الاحيان يظل هذا ضربا من ضروب الامنيات. ففي نيسان على سبيل المثال اندلع قتال بنيران الاسلحة بين جنود أفغان وباكستانيين بعد أن حاول الافغان تدمير أجزاء من جدار يمتد عبر منطقة قبلية. وبدأت باكستان بناء جدار على طول جزء من حدودها التي يصل طولها الى 2500 كيلومتر تحت ضغط من الولاياتالمتحدة لقطع الطرق التي يستخدمها مقاتلو طالبان الذين يتوجهون الى أفغانستان للانضمام الى الحرب ضد القوات الاميركية والمتعددة الجنسيات. وفي أوروبا أصبح اثنان من أكثر الجدران السيئة السمعة وهما بقايا جدار برلين وجدار السلام في بلفاست مقاصد سياحية. لكن أسبانيا بنت أسيجة مزدوجة يتراوح ارتفاعها بين ثلاثة وستة أمتار ومزودة بأسلاك شائكة حول جيبي سبتة ومليلية في المغرب لمنع المهاجرين من التسلل. وكان للاسيجة اثار شبيهة بتلك التي تسببت فيها الجدران الحدودية بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك فالمهاجرون المحتملون من الدول الفقيرة بدأوا يبحثون عن سبل أخرى للوصول للدول الغنية. وبسبب الدوريات الساحلية الاسبانية المكثفة وتحسن أنظمة الرادار لجأ المهاجرون الافارقة الى الرحلات البحرية المحفوفة بالمخاطر لجزر الخالدات الاسبانية. ولقي مئات الاشخاص حتفهم غرقا. واذا كان التاريخ عبرة فلم تستطع أي تحصينات حدودية أن تغلق دولة بالكامل. وحتى أكبر الاسوار وهو سور الصين العظيم الذي يمتد لمسافة 6500 كيلومتر لم يستطع أن يمنع البرابرة الشماليين الذين كان من المفترض أن يحمي هذا الجدار سكان الصين منهم