تحرير و ترجمة : خالد مجد الدين محمد لقد تغير الكثير فى النظام المصرفى الامريكى منذ الأزمة المالية. فقد اختفت عدد من البنوك الكبرى والشركات فى وول ستريت ، و اصبح هناك لوائح جديدة تسير الاعمال فى هذا النوع من النشاط التجارى المحفوف بالمخاطر، و على الرغم من عودة البنوك لنشاط الإقراض مؤخرا، الا انه ما زال جزء بسيط من مما كان عليه في السابق. و لكن ابرز الظواهر الناتجة عن الازمة المالية ، هو ان حفنة من البنوك الكبرى اصبحت أكبر مما كانت عليه قبل خمس سنوات وهى المسيطرة على معظم نشاط السوق المصرفية .. فقد وجد ان ثلث جميع القروض التجارية التى قدمت هذا العام كانت من جانب "بنك أوف أميركا". بينما مولت موسسة "ويلز فارجو Wells Fargo " المالية ما يقرب من ربع جميع قروض الرهن العقاري، بينما تضم خزائن "جيه بي مورجان تشيس " نحو 1.3 تريليون دولار، والتي تمثل 12٪ من السيولة النقدية الامريكية . روبرت رايخ، أستاذ الاقتصاد بجامعة بيركلي، و وزير العمل السابق ، يقول "لا يزال لدينا العديد من التجاوزات التى ادت الى ازمة عام 2008، فالبنوك مازالت متضخمة و ترى انها اكبر من ان تفشل، وكبيرة جدا على ان يزج بقاداتها في السجن، وكبير جدا لدرجة لن تحقق إدارة جيدة". ويبدو أن هذه البنوك الكبرى ازداد تحسن ادائها في الاستحواذ على الاصول اكثر من اى وقت اخر ، فلقد اصبح الان هناك ستة بنوك كبرى فقط تسيطر على ما يوازى 67٪ من مجموع الأصول في النظام المالي الامريكى بينما يدير 33 % الباقية نحو 6.943 بنك فى انحاء البلاد، ووفقا لشركة SNL لأبحاث البنوك و المالية ، تدير هذه البنوك الستة اصول تبلغ قيمتها نحو 9.6 تريليون دولار، بزيادة 37٪ عما كانت عليه هذه الاصول قبل خمس سنوات.. بينما في نفس الوقت نجد ان النمو الإجمالي للموجودات و الاصول في النظام المالى الامريكى لم يتعدى نسبة 8٪ فقط . أكبر بنك في البلاد، هو بنك "جي بي مورجان تشيس (JPM) و لديه وحده نحو 2.4 تريليون دولار من الأصول و بما يوازى حجم الاقتصاد في انجلترا ، و يعد بنك "جيه بي مورجان" اكبر بنجو سبع مرات من بنك أمريكي بانكورب (USB) الذى يحتل المرتبة رقم 10 بين البنوك الامريكية الكبرى ، و يدير نحو 350 مليار دولار من الأصول - بما يوازى حجم اقتصاد النمسا - . ومن حيث الارباح .. نجد ان أكبر أربعة مصارف في الولاياتالمتحدة وحدها، وهم جنبا إلى جنب مع جي بي مورجان : بنك أوف أميركا (BAC)، وسيتي جروب (C)، ويلز فارجو (WFC)، و قد حققوا بشكل جماعي ما يقرب من 45 مليار دولار في الأشهر الستة الأولى من هذا العام، و هو ما يوازى تسعة أضعاف ما حققته تلك المصارف نفسها قبل خمس سنوات. ومن حيث القروض، و وفقا لبيانات مؤسسة التأمين الفدرالية، فان نحو 42٪ من جميع القروض المستحقة من قبل البنوك تأتي من أكبر خمسة بنوك بالولاياتالمتحدة.. بينما كانت هذه النسبة تقدر بنحو ما يصل الى 38٪ قبل الأزمة المالية. و مع هذا النمو المطرد فى الاصول و الارباح ، اصبحت أكبر أربعة مصارف في البلاد توظف الان أكثر من مليون شخص، ارتفاعا من حوالي 900 الف شخص فقط قبل الأزمة المالية.. لذا فان هذه البنوك لا تسيطر على السوق المصرفية الامريكية فقط بل ايضا تتحكم فى مصائر مليون اسرة امريكية على الاقل لتصبح جزء من العوامل المؤثرة على البطالة و قدرة سوق العمل بالبلاد . وهذه البنوك الكبيرة لديها أقل قدر من المنافسة ، بعد ان اختفى ما يزيد قليلا عن 1400 بنك و مؤسسة مالية في السنوات الخمس الماضية.. حيث انهار نحو 485 مؤسسة ، بينما تم دمج الباقي في البنوك الأخرى. في وقت سابق من هذا الأسبوع، أفرجت الحكومة عن بيانات تكشف ما تم انجازه لتنظيم السوق المصرفية و المالية الامريكية منذ الأزمة المالية ، و فى الواقع ، لم يتغير الكثير على ارض الواقع فمازالت البنوك الكبرى مسيطرة و الاجراءات لم تحرز نجاحا يذكر فى إجبار البنوك الكبيرة على الانكماش. لقد كانت الفكرة فى الاجراءات المنظمة أن المسؤولين التنفيذيين بالبنوك الكبيرة سوف يلقون نظرة على جميع القواعد الجديدة ويقررون من تلقاء انفسهم، أو تحت ضغط من المستثمرين، بأنه من الأفضل أن تنكمش معاملاتهم و تصبح أصغر حجما مما هى عليه ، ولكن حتى الآن لا يبدو أن هذا ما حدث او خلص إليه رجال وول ستريت ... و بدلا من هذا نجد ان أسهم البنوك الكبرى انتعشت بحدة في العامين الماضيين. كذلك فشلت الاجراءات المالية الجديدة فى تحقيق اهم هدف و هو إنشاء صندوق "إنقاذ دائم" يمكن استخدامه لدفع التعويضات اذا ما انهار بنك كبير و فشل فى الاستمرار فى المنافسة . وبدلا من ذلك، مازال الامر يعتمد على مؤسسة التأمين الفيدرالية للقيام بهذه المهمة و لكن المشكلة الكبرى التى مازالت قائمة و هى ان هذا الصندوق الفدرالي لا يملك سوى لديها فقط 37.9 مليار دولار وهو أقل من نصف في المئة من أصول هذه البنوك الكبرى. و يعترف "مايكل بار" أستاذ القانون في جامعة ميشيجان ومسؤول الخزانة السابق الذي كان له دور أساسي في وضع الاجراءات المالية المنظمة للسوق المصرفية و المالية ، بان هذه الاجراءات لم تصلح النظام المالي الامريكى و لكن ايضا لا يمكن القول ان الوضع لم يعد ايضا كما كان قبل بدء الازمة المالية ، و قد حدث بعض الاصلاح لكنه غير كاف . هذا الاسبوع كان هناك عدد من المسؤولين الذين نددوا بسيطرة البنوك الكبرى ، بينهم السناتور إليزابيث وارن من ماساتشوستس التى نادت مرة أخرى بأن الوقت قد حان لتفريق هذه البنوك الكبرى و تقسيمها .. و لكن هناك البعض الاخر من يرى ان وجود البنوك الكبرى ميزة و ليس امرا سيئا اجماليا ، فهذه البنوك لديها يعتقد عموما أنها قادرة على الاقتراض بتكلفة أقل من البنوك الصغيرة.. و هو ما يعنى حسابيا لدى البعض ، انها أرخص بالنسبة لشراء المنازل وبدء أعمال تجارية جديدة مما يجعل وجود البنوك الكبيرة ميزة للاقتصاد الأمريكي و ليست نكبة عليه .