عاجل - سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الاثنين 18-8-2025 في البنوك    «الإحصاء»: 6 حالات إشهار الإفلاس خلال عام 2024 مقابل حالة واحدة 2023    إزالة 39 حالة تعدي على أراضي زراعية فى أسيوط    قافلة المساعدات الإنسانية ال17 من مصر إلى غزة تدخل القطاع عبر معبر رفح    "نؤمن بالانتصار بوجودكم".. رسالة من شيكابالا لجماهير الزمالك بعد التعادل أمام المقاولون    خبر في الجول - معروف لم يرسل تقرير إضافي بإدانة هاني.. والعقوبة المتوقعة    الجهاز الفني للزمالك يستقر على مهاجم الفريق في لقاء مودرن سبورت    ضبط مدير مكتبة بحوزته 18 ألف كتاب خارجي بالمخالفة للقانون    "صيف بلدنا" ببورسعيد يواصل لياليه باستعراضات متنوعة لفرقة المنيا للفنون الشعبية|صور    وزير الخارجية: مصر بقيادة الرئيس السيسي لن تدخر جهدا في دعم صمود الشعب الفلسطيني    "ذا ناشيونال": مصر وقطر يعدان مسودة اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة    المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: دخول 266 شاحنة مساعدات منذ الجمعة والاحتلال سهل سرقة معظمها    الوادي الجديد تعتمد النزول بسن القبول في المدرسة الدولية "IPS"    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    بروتوكول بين "البحوث الزراعية" والكلية الفنية العسكرية لإنتاج الأسمدة البوتاسية محليا    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    ضبط أطراف مشاجرة بالسلاح الأبيض في المقطم بسبب خلافات الجيرة    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    غرق شاب بأحد شواطئ مدينة القصير جنوب البحر الأحمر    استشهاد 4 فلسطينيين بينهم طفلة بعد قصف إسرائيلي لمدينة غزة ومخيم النصيرات    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    إيرادات أفلام موسم الصيف.. "درويش" يتصدر شباك التذاكر و"روكي الغلابة" يواصل المنافسة    "ماتقلقش من البديل".. حملة لرفع وعي المرضى تجاه الأدوية في بورسعيد    من 5 فجرا إلى 12 ظهرا.. مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    إصابة عامل في حريق شقة سكنية بسوهاج    «وقف كارثة بيع قطاع الناشئين».. نجم الزمالك السابق يثير الجدل بتصريحات قوية    وزير الرياضة ورئيس الأولمبية يستعرضان خطط الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    ريهام عبدالغفور عن وفاة تيمور تيمور: «كنت فاكرة أن عمري ما هتوجع تاني»    نشأت الديهي يكشف مخططات «إخوان الخارج» لاستهداف مصر    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    «الديهي»: حملة «افتحوا المعبر» مشبوهة واتحدي أي إخواني يتظاهر أمام سفارات إسرائيل    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    استشاري مناعة: مبادرة الفحص قبل الزواج خطوة أساسية للحد من انتشار الأمراض    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    جامعة مصر للمعلوماتية تستضيف جلسة تعريفية حول مبادرة Asia to Japan للتوظيف    حلوى باردة ومغذية فى الصيف، طريقة عمل الأرز باللبن    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025    انطلاق امتحانات الدور الثاني للشهادة الثانوية الأزهرية بشمال سيناء (صور)    إسرائيل تقر خطة احتلال مدينة غزة وتعرضها على وزير الدفاع غدا    ارتفاع سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    وفاة عميد كلية اللغة العربية الأسبق ب أزهر الشرقية    كم سجل عيار 21 الآن؟ أسعار الذهب اليوم في بداية تعاملات الاثنين 18 أغسطس 2025    حكيم يشعل أجواء الساحل الشمالي الجمعة المقبلة بأجمل أغانيه    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرية في مصر‏...‏ وقفة مع قضيتين
نشر في أخبار مصر يوم 21 - 09 - 2007


الأهرام 21/9/2007
تعرضت الحرية التي تنامت في مصر هذا الأسبوع لموجة من التشويش والافتراء‏,‏ وخضعت الجهود المصرية المستمرة لدعم مسيرتها وتسديد ما أصابها من أخطاء لكثير من الجدل والنقاش في مناخ يتسم في جانب منه بالتربص وسوء القصد وقصر النظر وإنكار المصالح الوطنية العليا لهذا البلد الآمن في منطقة هي اليوم أشد بقاع الأرض اضطرابا واختلالا‏.‏
ففي الداخل أثار حكم المحكمة الابتدائية ضد أربعة من رؤساء تحرير الصحف الخاصة كثيرا من الجدل والنقاش حول واقع حرية الصحافة في مصر ومستقبلها‏.‏ وكشف الحوار الساخن حولها مشكلات كثيرة آن الأوان لوضع نهاية لها حماية لحرية الصحافة وتدعيما لمسيرتها التي لم تتوقف‏.‏ ومن الخارج جاءنا ما يسمي بتقرير الحريات الدينية الدولية عن مكتب الحريات الدينية الذي أنشأه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون عام‏1998‏ والذي أصدر حتي الآن تسعة تقارير‏.‏ وفي التقرير التاسع منها حظيت مصر وحرياتها الدينية بإحدي عشرة صفحة وانتهي التقرير بالدعوة إلي ربط المساعدات الأمريكية لمصر بمدي ما تحرزه من تقدم فيما أسموه ملف الحريات الدينية وما نسميه نحن في مصر ملف الفوضي الدينية‏.‏
ويبدو أن قضية الحرية في مصر أصبحت محور اهتمام كثير من الدوائر الخارجية بشكل لافت للنظر ومثير للشكوك‏.‏ فالتقارير الدولية التي تتحدث عن الحرية بأشكالها المختلفة تتنكر عن قصد لما حققته مصر في العقدين الماضيين من تطور حقيقي وملموس في جميع القضايا المرتبطة بالحرية‏,‏ وخاصة حرية الصحافة‏.‏ وليس لدي من تفسير لذلك سوي حالة التربص التي تسيطر علي كثير من تلك القوي الخارجية ومن تستطيع استخدامهم في الداخل لتصبح حرية الصحافة حصان طروادة لترويض القوة المصرية إقليميا لخدمة أغراض وأهداف معروفة جيدا للجميع ومرفوضة منهم أيضا‏.‏ فما تحقق في مصر من تطور علي كل مستويات الحرية خلال العقدين الماضيين لايقارن بحديث التقارير الدولية عن الحرية في مصر‏.‏
فعلي الصعيد الداخلي أثار الحكم الصادر ضد رؤساء التحرير الأربعة حوارا مفتعلا حول حرية الصحافة‏,‏ وذهب البعض إلي اعتبار هذا الحكم النهاية القاصمة للحرية بينما رآه البعض الآخر بداية لتصحيح مسيرة وتقويم سلوكيات معيبة استقرت زمنا‏,‏ وظن كثيرون أنها هي الحرية في عالم الصحافة حتي أن تلك السلوكيات المعيبة قد أوشكت أن تصبح معايير مهنية لبعض الصحفيين‏.‏ وينبغي علي الذين يتباكون اليوم علي تلك الحرية السليبة أن يراجعوا وبقدر ضئيل من الإنصاف ما اقترفته بعض الأقلام في حق هذا الوطن طوال السنوات الماضية‏,‏ وأن يراجعوا أيضا كتابات أخري حذرت كثيرا من سوء عاقبة هذا الفهم لحرية الصحافة‏.‏ ولأن الأقلام الأولي كانت أكثر إثارة وسخونة واستثمارا لبعض ما نعانيه من مشكلات فقد حظيت من الكثيرين بالاهتمام في الوقت الذي تواري فيه صوت التحذير حتي تدخل القضاء لتصحيح مسيرة كان لابد من تصحيحها حفاظا علي وحدة المجتمع وقدرته علي مواجهة مشكلاته الكبري‏.‏
لقد حذرت مرارا من اليأس الذي تزرعه بعض الصحف في عقول أجيالنا الجديدة‏,‏ ومن الإحباط الذي غرسته عمدا في نفوس كان جديرا بها أن تملأها أملا في غد أفضل‏,‏ وأن تأخذ بأيديهم جميعا إلي واقع يتغير بكل المقاييس إلي الأفضل‏.‏ فالحرية التي نعمل في ظلالها اليوم هي حرية الصحافة‏..‏ تلك المؤسسة الحيوية والضرورية لأمن المجتمع واستقراره وليست حرية الصحفيين وحدهم‏.‏ وتاريخ حرية الصحافة ليس من صنع الصحفيين دون غيرهم‏,‏ وإنما هو تاريخ صنعه كتاب ومفكرون وفلاسفة وعلماء وقادة رأي حفاظا علي قدرة هذه المؤسسة علي أداء وظائفها في خدمة المجتمع بكافة طوائفه وطبقاته‏.‏ وإذا ما أساء البعض استخدام الحرية التي يحميها المجتمع فمن حق الجميع أن يحاسبوهم علي إساءتهم‏.‏

ومن اشد ما تحتاجه الصحافة المصرية في الوقت الراهن الصراحة والمكاشفة لتحمي حريتها وتحافظ علي تاريخها المشرف‏.‏ فهي تعاني اليوم مشكلات أفرزت وسوف تفرز الكثير من الأزمات إذا بقيت علي ماهي عليه دون حلول‏..‏ والحقيقة أن الصحافة في مصر لا تعاني قيودا من أي نوع‏.‏ كما أن حكم القضاء الأخير لايشكل أي قيد عليها‏,‏ وسوف تظل وعود الرئيس مبارك للصحافة قائمة برغم كل ما تعرض له هو وأسرته من تجاوزات صحفية أثارت استهجان الرأي العام في الداخل والخارج‏,‏ خاصة أن الرئيس مبارك هو أكثر حكام مصر انتصارا لحرية الصحافة ودفاعا عنها في مواجهة المتربصين بها‏.‏
إن مشكلات الصحافة المصرية تأتي من داخلها ومن بين العاملين فيها ومن سوق الصحافة التي أصبحت عاجزة عن استيعاب هذا العدد الكبير من الصحف فاشتدت المنافسة بينها علي عدد من القراء يتآكل بفعل التطورات المتلاحقة التي أصابت المجتمع المعاصر بحالة من التخمة الإعلامية‏,‏ ومثلما حدث في سوق الفضائيات أصبح التنافس قويا بين الصحف علي اجتذاب القراء وأصبحت وسائل جذب الجمهور مقدمة كثيرا علي احترام مهنة الصحافة‏,‏ وتكريس دورها والالتزام بأخلاقياتها وبأصولها المهنية‏.‏ ففقدت الموضوعية والتدقيق والنزاهة والمعلومات التي تثري ضمير الأمة وترفع مستويات الوعي بين أفرادها‏,‏ وفي ظل هذا المناخ تدهورت المهنية إلي أبعد حدودها وهي عنصر أساسي ولازم للصحافة في أداء دورها‏.‏وتراجعت كذلك أخلاقيات الصحافة وأصبحت حريتها لدي البعض تعني حرية شخصية لهم يستخدمونها ضد من شاءوا‏,‏ وفي سبيل المصالح التي يريدونها دون اكتراث بحق القراء بالدور المنتظر من هذه الصحف‏.‏ واعتقد أن الصحفيين هم أكثر وعيا بهذه النوعية من المشكلات‏.‏
ولأن مشكلات الصحافة الأساسية تأتي من داخلها‏,‏ فإن الصحفيين مسئولون عن الحوار والنقاش ووضع الحلول المناسبة لها وإلا فإن تحرك المجتمع يصبح ضرورة حفاظا علي حق الرأي العام الضائع في الجدل الراهن حول مسئولية الصحافة والحكومة في القضية الأخيرة‏.‏ وعلينا أن نعترف بصراحة أن أخطاء كثيرة قد ارتكبت وأنها أضرت كثيرا بالمجتمع ولابد من وقفة هذه المرة من الصحفيين أنفسهم قبل أصحاب الحق الذين تم تجاهلهم في العلاقة بين الصحافة والحكومة‏.‏
إن حرية الصحافة في مصر مازالت هي الأبرز بين دول المنطقة وسوف تستمر صحافتنا في أداء دورها في دعم مسيرة الديمقراطية‏..‏ أما عن الحكم الذي صدرضد رؤساء التحرير الأربعة فمازال منظورا في مستوي أعلي من مستويات التقاضي‏,‏ وعلينا جميعا احترام أحكام القضاء الحارس علي مصالح المجتمع‏.‏
هجمة الحريات الدينية وأخطاؤها‏!‏
أما الهجمة الأخري علي الحرية في مصر فقد كانت حلقة في مسلسل تقرير الحريات الدينية الذي يصدر عن وزارة الخارجية الأمريكية‏,‏ والتي نصبت نفسها دون غيرها من المنظمات الدولية حارسا ورقيبا علي حريات المتدينين في العالم لتعيد إلي ذاكرة التاريخ ممارسات محاكم التفتيش في القرون الوسطي‏.‏ وهذا التقرير يمثل إصرارا علي الجهل بثقافة المنطقة وموقع الأديان فيها‏,‏ ويعطي برهانا آخر علي غياب الفهم الأمريكي لأبجديات الحياة في الشرق الأوسط‏,‏ وتفسيرا للفشل الذريع لهم في العراق‏.‏
فالتقرير ينكر علي مصر عدم الإشارة إلي الديانة البهائية في بطاقات الهوية‏,‏ ويتهم الحكومة بعدم التصدي لمواجهة تأثير الجماعات الإسلامية‏,‏ ويستنكر فرض قيود علي أي هبات أو تبرعات ترد للمؤسسات الدينية وأدان محاكمة الذين يقومون بازدراء الأديان والسخرية منها والنيل من الأنبياء وطالب مصر بإنزال العقوبة بكل من يعادي السامية سواء بالقول أو النشر‏.‏
هذه بعض مطالب تقرير الحريات الدينية في مصر‏.‏ ولو أن عقلا أراد لمصر أن تقع أسيرة للفوضي والاضطراب ماوجد أفضل من تلك التوصيات التي تفتقت عنها عبقرية واضعي هذا التقرير‏.‏
والحقيقة أنه تقرير لايستحق القراءة‏,‏ ولكن الإمبراطورية الإعلامية الأمريكية قادرة علي نشر هذه التخريفات في أنحاء العالم باعتبارها حقائق بل إنها ترغب في أن تصبح تلك الافتراءات ورقة من أوراق الضغط السياسي علي مصر‏.‏ ففي عام‏2005‏ أشاد التقرير السابع بالتطور الذي طرأ علي الحريات الدينية‏,‏ ثم جاء التقرير التاسع هذا ليبدي القلق علي هذه الحريات‏!‏ فما الذي تغير خلال هذين العامين بشأن أوضاع الحريات الدينية في مصر؟‏..‏ الحقيقة أن الذي تغير هو السياسة الأمريكية تجاه مصر وعلينا جميعا أن ندرك ذلك‏.‏
فالتقارير الدولية الخاضعة للسياسة الأمريكية والتي تصدر عن مؤسسات تدعي أنها مستقلة وغير هادفة للربح لاتصدر من أجل الحرية ولا من أجل الأديان وإنما تصدر لخدمة السياسة الأمريكية في المحيط الإقليمي لمصر‏.‏ وهي تستخدم لممارسة الضغط والابتزاز وتقويض استقلالية القرار المصري الرافض للتورط في العمليات العسكرية الامريكية في العراق‏,‏ والانسياق وراء رغبات بعض المتطرفين في الإدارة الأمريكية فيما لو قرروا الحرب علي إيران‏.‏ ومثل هذه التقارير وأهدافها أصبحت معروفة للجميع ولم تعد تحظي بأي مصداقية‏,‏ بل إنها تنال من مصداقية الولايات المتحدة ومكانتها في العالم‏,‏ وقوضت نجاحا هائلا كانت قد حققته بانتصارها التاريخي السلمي علي الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينات القرن الماضي‏,‏ فالإدارة الأمريكية الحالية مصابة بعناد يمنعها من مراجعة أخطائها القاتلة وبحصانة تبعد عنها استيعاب الدروس من تلك الأخطاء‏!!.‏
ولن يدفعنا هذا التقرير إلي الحديث عما أنجزناه في مجال الحريات الدينية والمدنية خلال العقدين الماضيين‏,‏ والتي من أبرزها ما تبنته التعديلات الدستورية الأخيرة التي كرست مبدأ المواطنة والمساواة بين جميع المصريين بلا دين أو جنس‏..‏ بالنص عليه صراحة في المادة الأولي‏..‏ ويبدو أن معدي التقرير لايعرفون أن المواطنة هي حجر الأساس للحريات الدينية‏.‏
لن يسعدنا كثيرا أن تعترف الخارجية الأمريكية بذلك ولن يحزننا أن تنكره‏.‏ فنحن أدري وأعلم بما نعمل من أجله‏,‏ وسوف يظل قرار مصر مرهونا بمصالح هذا الشعب وغاياته‏.‏ ولن يكون هذا التقرير هو الأخير في مسلسل التقارير الأمريكية أو الخارجية التي تصدر دوليا لتمهيد الأرض أمام أهداف لاتخدم مصالحنا‏,‏ ونحن أدري بها وندرك غايتها‏.‏ وربما آن الأوان لأن تعترف الإدارة الأمريكية بفشل تلك التقارير في تحقيق أي من أهدافها‏,‏ خاصة في منطقة أثبت الأمريكيون مرارا أنهم أقل معرفة بها بالرغم من اهتمامهم الشديد بشئونها‏!.‏
إن هذا التقرير الدولي لا يعتمد علي معلومات دقيقة ولا يوجهه منهج صائب‏,‏ حيث يقع في تناقضات من عام إلي آخر وهو فريسة لسوء القصد والفهم معا‏.‏
وهذا ما ينبغي أن نقوله ليس للأمريكيين وحدهم ولكن أيضا للمصريين الذين قد يقعون فريسة لمثل هذه التحليلات‏.‏ فهذه التقارير لاتصدر لوجه الله ولا للأديان التي نحن بها أحرص وأعرف لأن بلادنا موطن الأديان وتحترم كل مواطنيها‏.‏ وإنما تصدر لخدمة الدولة صانعة الحروب والفوضي في عالمنا مع شركائها‏,‏ والهدف هو الضغط علينا وابتزازنا لكي نتورط في صراعات وحروب لا طائل من ورائها‏.‏
فوضع الحريات الدينية في مصر في تحسن مستمر‏..‏ بل هو الأفضل في منطقتنا بلا منازع والدليل علي ذلك أن كل الآراء في هذا المجال تناقش علنية في مصر الآن‏,‏ وتطرح للحوار وعلي سبيل المثال ذلك الرأي المطالب بشطب خانة الدين في بطاقة الهوية وقد توصل الجميع مسلمون ومسيحيون‏,‏ إلي التمسك بذكر الدين‏,‏ وإلي أن هذه المسألة تتصل بثقافة مجتمع وليست بالحريات كما يزعم التقرير الأمريكي‏.‏
كذلك هناك انفتاح متزايد في الحريات العامة والفردية في المجتمع المصري‏,‏ ولكن بمعدلات متفاوتة من مجال إلي آخر‏.‏
وقد يكون التقدم في مجال الحريات الدينية أقل سرعة من مجالات أخري لأسباب تتعلق بثقافة المجتمع وليس بسياسة الدولة التي يجب عليها أن تحترم ثقافة شعبها‏.‏
وعلينا أن نكشف معدي تقرير الحريات الدينية ونقول لهم إنكم لو أخذتم الأمور بالجدية أو بشيء من الموضوعية وتخلصتم من فكرة الابتزاز لأسباب سياسية للاحظتم أن المشكلة الأساسية في منطقتنا الآن هي مشكلة التعصب عموما‏,‏ والتعصب الديني خصوصا‏,‏ فهناك تعصب بالفعل لم يكن موجودا منذ ثلاثة عقود بهذه الدرجة وأن هذا التعصب هو السبب الرئيسي لانتشار حركات الإسلام السياسي والسلفي‏,‏ وليس سياسة الدولة بل إن الدولة نفسها تعاني من ممارسات هذه الحركات الكثيرة التي تتغذي علي الاضطرابات والحروب التي تضعونها في منطقتنا‏,‏ وعدم مواجهة المشكلات والقضايا المزمنة والتي يأتي في مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني المهدرة‏.‏
إن معدي هذا التقرير لديهم أجندة خفية لا علاقة لها بالحريات الدينية‏,‏ وعندما يتعرضون لمناقشتها يقعون في مرمي سوء القصد‏,‏ وحتي لا نلجأ إلي التعميم مثلهم فإننا نحدد ذلك في عدة نقاط منها مثلا أن التقرير يطالب الدولة بأن تتخلي عن مسئوليتها في حماية المجتمع من انتهاكات قانونية صريحة ترتكبها جماعة الإخوان المحظورة‏,‏ وفي الوقت نفسه يقع في تناقض عندما يتحدث عن تمييز صارخ ضد الأقباط‏.‏
وهكذا فإن التقرير يفضح نفسه ويظهر متلبسا بإدعاء أن مصر تقيد بعض الحريات الدينية‏.‏ ثم يهاجمها لأنها ترفض التمييز الذي يعبر عنه الإخوان ضد الأقباط‏.‏
والحقيقة أن التقرير الجديد يمثل استمرارا لمنهج أمريكي خطير‏,‏ يمهد لنشر التعصب في المنطقة من خلال دعمها المتواصل للتطرف باسم الإسلام‏,‏ وحدث ذلك في الفترة الأخيرة في حروب ما بعد أحداث‏11‏ سبتمبر عام‏2001‏ في أفغانستان والعراق ثم الفشل في حل القضية الفلسطينية‏..‏ وكلها مبررات لصناعة التطرف في منطقتنا وليس للحريات كما تزعم التقارير‏.‏
خلاصة ما نعتقده هو أن عملية الإصلاح التي تحدث في مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا هي أكبر من أن تطالها الأيدي التي تعبث في الداخل‏,‏ أو تأتي من الخارج‏,‏ ولكن المهم أن نتماسك وأن نواصل عملنا بلا تردد أو اهتزاز‏,‏ وأن نملك قدرة المواجهة وشجاعة التحليل لكشف المتربصين بتجربتنا الديمقراطية وحرياتنا الدينية ومسيرتنا التنموية‏,‏ وأعتقد أننا قادرون علي ذلك بإذن الله‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.