اختلطت أوراق اللعبة العراقية واضطربت حسابات اللاعبين علي الجبهتين الرئيسيتين الأمريكية والعراقية. وأصبحت قدرة الإدارة الأمريكية علي الصمود في وجه طوفان المعارضة الداخلية للحرب من المستحيلات. وما جولة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ووزير الدفاع روبرت جيتس في الشرق الأوسط للضغط علي الدول العربية من أجل مد يد العون للعراق, إلا محاولة يائسة لا طائل من ورائها! ولم يقف الأمر عند هذا الحد, بل انعكس اضطراب إدارة الرئيس بوش علي العراق من الداخل, فقد فاجأ ديفيد بيتريوس قائل القوات الأمريكية الجميع بخطته المبتكرة لتمويل ودعم وتسليح المدنيين في مختلف أنحاء العراق وأغلبهم من السنة في محاولة أخري لانقاذ ماء الوجه لإدارته. وهو ما أشعل فتيل صراع لم يكن في الحسبان بين القائد الأمريكي ونوري المالكي رئيس الوزراء الشيعي الذي هدد هو الآخر بتسليح الشيعة, وبذلك تتفاقم حالة الفوضي في العراق وتزداد المخاطر التي تهدد بتفتيت البلاد, لتصبح أقرب ما تكون إلي التدمير الذاتي. ولكن يبدو أن ما خفي علي بيتريوس أن لخطته أبعادا أخطر كثيرا من مظهرها المتفائل, فهي سلاح ذو حدين. الأول هو قيام هذه القوات المفترضة بواجبها علي أكمل وجه للقضاء علي كل من تصفه واشنطن بالعدو, من عناصر القاعدة. أما الثاني والأشد خطورة هو أن تتحول هذه القوات إلي مرتزقة, فبدلا من الحصول علي ثمن المهمة الأمنية التي تقوم بها من الجانب الأمريكي, يمكنها أن تحصل علي ثمن أكبر كثيرا من أي جهة أخري لتكون طوع أمرها. والأسوأ من ذلك أن فكرة تسليح المدنيين ستجعلهم في النهاية طوعا لأهوائهم بغض النظر عن مواقفهم. وفي هذا السياق, لابد من أخذ الخلافات الناشبة بين المالكي وبيتريوس حول هذه الخطة الجديدة في الاعتبار. فعلي الرغم من ضعف حكومة المالكي وعدم قدرتها علي اتخاذ أي خطوة إيجابية علي الصعيد السياسي أو حتي إصدار أوامر لقوات الأمن. إلا أن المالكي قادر بلاشك علي تنفيذ تهديده بتسليح الشيعة في العراق بدعوي الدفاع عن أنفسهم في مواجهة السنة المسلحين. أما فيما يتعلق برغبته في استبعاد بيتريوس من قيادة القوات الأمريكية, فهو أمر ليس بمستبعد فأمر استبعاده لن يأتي تنفيذا لرغبة المالكي, ولكن كمحاولة أخيرة لإنقاذ بوش من كبوته من خلال تحميل بيتريوس مسئولية الفشل الأمريكي في ميدان المعركة. أما موقف بوش في الداخل فيزداد صعوبة يوما بعد الآخر, فالكونجرس ذو الأغلبية الديمقراطية يسعي للاستفادة من التمرد المتصاعد بين أروقة الحزب الجمهوري ضد الرئيس وسياساته في العراق, من أجل تمرير المزيد من القوانين التي من شأنها الوصول إلي قرار سحب القوات من العراق, وقد خطا الكونجرس أولي خطواته في هذا الاتجاه من خلال قرار حظر إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق. إذن فكل الشواهد تؤكد أن أمام الولاياتالمتحدة المزيد من المتاعب في العراق, سواء كان ذلك برغبة بوش أم رغما عنه. ومن هنا فلن يتبقي للعراقيين سوي سلاحهم ونزاعاتهم الطائفية المتقدة ومشاعر كراهية أيقظتها الولاياتالمتحدة علي مدي الأعوام الماضية, بعد عقود طويلة من الخمود. وعلي الرغم من أن المصالحة الوطنية والمعايشة السلمية هما الحل الأمثل لجميع مشكلات العراق إلا أن كل الجهود التي تدعي القوات الأمريكية ومن خلفها الحكومة العراقية بذلها بهذا الصدد تسفر عن نتائج عكسية.