نجح فريق علمي ضم باحثين من سويسرا وفيتنام وأمريكا في عزل أجسام مضادة قد تحمي البشر من انفلونزا الطيور. وقال الفريق الدولي من العلماء انهم استخدموا أجساماً مضادة مستخرجة من خلايا أجهزة مناعة أشخاص نجوا من الوفاة نتيجة الإصابة بفيروس إنفلونزا الطيور من سلالة H5N1 الممرضة جداً، لمعالجة فئران أعداها العلماء بنفس الفيروس ولوقايتها مما كان سيشكل كمية قاتلة من الفيروس. وكان البحث الذي نشر الفريق نتائجه عملية تعاونية بين علماء في المعهد القومي (الأمريكي) للحساسية والأمراض المعدية، التابع لمعاهد الصحة القومية الأمريكية، وفي معهد الأبحاث الخاصة بالطب الأحيائي في سويسرا ووحدة جامعة أكسفورد للأبحاث الطبية في مستشفى الأمراض الاستوائية في فيتنام. وقال مدير المعهد القومي الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية، انثوني فوسي، في بيان صدر في 28 مايو/ ايار الماضي، إنه “في حال تأكد نجاح هذه الدراسة الأولية من خلال تجارب مختبرية وسريرية إضافية فإن الأجسام المضادة البشرية وحيدة النسيلة قد تثبت أهميتها في التدخل العلاجي والوقائي في حال تفشي وباء إنفلونزا عالمي”. والأجسام المضادة وحيدة النسيلة هي بروتينات هجين خاصة تتصدى للأمراض يتم إنتاجها في المختبرات من مواد طبيعية في الجسم. والمعروف ان جهاز المناعة يعتبر المواد الغريبة الدخيلة على الجسم، كالفيروسات المسببة للأمراض، مواد غازية تدعى المستضدات (أو مولدات المضاد). وتدعى مواد الوقاية الطبيعية من المستضدات الأجسام المضادة، وهي بروتينات تبحث عن المستضدات وتساعد على القضاء عليها. والأجسام المضادة أجسام محددة، يرتبط كل منها بمستضد محدد ويهاجمه. وعندما يتم تنشيط بعض الأجسام المضادة، كتلك الخاصة بالجدري والحصبة، تواصل وقاية الناس ضد الفيروسات المرتبطة بها مدى حياتهم. ويقول متحف الصحة القومي الأمريكي إن هذه الخاصية تجعل إنتاج اللقاحات ممكنا. وتتيح تكنولوجيا الأجسام المضادة وحيدة النسيلة للعلماء إنتاج كميات كبيرة من الأجسام المضادة الصرفة من خلال الحصول على خلايا تنتج الأجسام المضادة بشكل طبيعي. كما أنهم يستخدمون مجموعة من الخلايا “الخالدة”، أي التي تنمو على الدوام في زريعة الخلايا. وإذا ما استخدم العلماء هذه الخلايا التي لا تموت لإنتاج هجين يجمع بين سمتي الخلود والقدرة على إنتاج المادة المرغوب فيها، يصبح لديهم مختبر أحيائي ينتج الأجسام المضادة على مدار الساعة. ويتم في تكنولوجيا الأجسام المضادة وحيدة النسيلة تحقيق انصهار خلايا الأورام المتكاثرة بشكل لا نهائي مع خلايا بشرية تنتج الأجسام المضادة. وينتج عن هذا الاندماج النووي ما يعرف بال”هايبريدوما” التي تنتج الأجسام المضادة بشكل متواصل لا ينقطع. وفي البحث العلمي الذي أسفر عن إنتاج الأجسام المضادة البشرية لوقاية الفئران من فيروس H5N1، وافق أربعة فيتناميين بالغين سن الرشد تم تشخيص إصابتهم بفيروس H5N1 بين كانون الثاني/يناير 2004 وشباط/فبراير ،2005 على التبرع بدمهم بعد شفائهم بوقت قصير. وفي سويسرا، قام الدكتور أنتونيو لانزافتشيا باستخراج خلايا دم بيضاء منتجة للأجسام المضادة من العينات الفيتنامية وعالجها من خلال عملية كان قد طورها بحيث أصبحت تنتج كميات كبيرة من الأجسام المضادة. وبعد ذلك قام بحاثة في مختبر الدكتورة كانتا سباراو في المعهد القومي الأمريكي للحساسية والأمراض المعدية بفحص 11 ألف عينة تحتوي على الأجسام المضادة التي زود الفريق السويسري المختبر بها ووجدوا حفنة من الأجسام المضادة القادرة على إبطال تأثير فيروس H5N1 المسبب للإنفلونزا. وأنتج لانزافتشيا، بناء على هذه النتائج، أربعة أجسام مضادة وحيدة النسيلة تفرز أجساماً مضادة مبطلة بشكل محدد لتأثير فيروس H5N1. وقامت سباراو وزملاؤها في العمل بأول تجربة لاختبار إمكانية وقاية الأجسام المضادة لفيروس H5N1 البشرية وحيدة النسيلة للفئران من الإصابة بعدوى شديدة بإنفلونزا H5N1. وقد أصيبت الفئران التي أعطيت أجساماً مضادة وحيدة النسيلة ولكنها لا تحتوي على H5N1 بالمرض الشديد وماتت خلال أسبوع. أما تلك التي أعطيت أول أجسام مضادة بشرية وحيدة النسيلة تم فحصها واحتوت على الفيروس فقد نجت من الموت، وظل 80 في المائة من الفئران التي أعطيت أكبر الجرعات من رزمة الأجسام المضادة الثانية لفيروس H5N1 وحيدة النسيلة على قيد الحياة. كما اختبر العلماء إمكانية احتمالات استخدام الأجسام المضادة ل H5N1 البشرية وحيدة النسيلة كعلاج. وقالوا إن استخدام منتجات دموية من الناجين من مرض الإنفلونزا فكرة قديمة. وخلال وباء الإنفلونزا الذي اجتاح العالم في العامين 1918-،1919 على سبيل المثال، أخذ الأطباء مصل الدم من المرضى الذين شفوا من الإنفلونزا وحقنوا به المصابين الجدد؛ وأشارت الأبحاث الحديثة على الأمراض التي وقعت في الماضي إلى أن عمليات نقل الدم هذه أنقذت الأرواح في بعض الأحيان، عندما كان يتم القيام بها في مرحلة مبكرة من المرض. وقالت سباراو إن النتائج التي توصل إليها البحث، عندما ينظَر إليها مجتمعة، تثبت أنه يمكن توليد الأجسام المضادة البشرية وحيدة النسيلة التي تنطوي على إمكانية إبطال مفعول فيروس الإنفلونزا من سلالة H5N1، بسرعة من دم المرضى المتماثلين للشفاء من ذلك المرض، وأن الأجسام المضادة وحيدة النسيلة تعمل بشكل جيد في معالجة الإصابة بفيروس H5N1 والحيلولة دون وقوع وفيات نتيجة مثل هذه الإصابة، بين الفئران على الأقل. ويعتزم الفريق العلمي مواصلة البحث من خلال زيادة الكمية المنتجة من الأجسام المضادة لفيروس H5N1 وحيدة النسيلة، وفي حال التأكد من مأمونية وفاعلية هذا الأسلوب في مزيد من التجارب على الحيوانات، فإنهم يعتزمون تقييم فعالية الأجسام المضادة البشرية وحيدة النسيلة في تجارب سريرية على البشر. وذكرت هيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي” التي اوردت النبأ على موقعها على الانترنت انه قد ينتج عن هذا الاكتشاف العملي تطوير علاج تكميلي للقاح المضاد للإنفلونزا في حالة تفشي الفيروس. ويقدر عدد الوفيات التي خلفتها سلالة H5N1 من فيروسات إنفلونزا الطيور بأكثر من 180 شخصا عالميا منذ 2003. يشار إلى أن هناك عددا من الدول التي تقوم بتخزين التلقيح بالجملة احتياطا من انتشار الوباء بين البشر، إلا أن مدى فاعلية التطعيم تبقى مجهولة. ويبقى السبب في ذلك هو عدم إمكانية المعرفة المسبقة لسلالة فيروس إنفلونزا الطيور بالتحديد التي قد تنتشر بين البشر. وأوضح البروفيسور أنتونيو لانزافيتشيا، من معهد الأبحاث البيولوجية الطبية في سويسرا، ان الأجسام المضادة أثبتت فاعليتها في التجارب التي قام بها فريقه على الفئران وأنه واثق بفاعليتها عند البشر. واضاف “بطريقة ما أمعنا النظر في رد فعال جهاز المناعة لدى الشخص الذي أصيب بالفيروس ونجا منه بعدما طوّر جسده أجساما مضادة لإبطال فعل هذه الفيروسات”. وأضاف لانزافيتشيا أنه “باستعمال هذه التقنية، تمكنّا من عزل الخلايا التي تنتج هذه الأجسام المضادة من أجل إنتاج هذه الأجسام في المختبر، ونأمل في أن يتم إنتاجها بكميات كبيرة لعلاج الناس”. ويمكن استخدام الأجسام المضادة لوقاية الموظفين الذين لديهم اتصال مباشر مع المصابين، مثل الممرضين والأطباء، في البلدان التي قد ينتشر فيها المرض. ويقول الباحثون إنه يمكن استعمال هذا الدواء كترياق طوارئ عند الأشخاص الذين أصيبوا بالفيروس إذ ما تم استهلاكه في خلال أيام قليلة من الإصابة. ويأمل الباحثون في أن تبدأ التجارب على البشر في وقت قريب. يشار إلى ان علماء فرنسيين قالوا قبل نحو عام إنهم حققوا تقدما في جهود تطوير لقاح لحماية البشر ضد السلالة القاتلة من فيروس انفلونزا الطيور (اتش5 ان1). وقال الباحثون، في بيان نشر في دورية “لانست” الطبية، إن التجارب الأولية على مصل أولي أظهر أنه آمن نسبيا وفعال. وقال الخبراء إنه تم اختبار الدواء على 300 متطوع واتضح أنهم طوروا أجساما مضادة لفيروس (اتش5 ان1) ولم تظهر أعراض جانبية كثيرة. وقالت ميلاني سافيلي العاملة بوحدة أبحاث شركة سانوفي افنتيس الفرنسية للأدوية ورئيسة فريق اختبار الدواء، “إن المصل الذي اختبرناه آمن وتم تقبله بشكل جيد ورأينا استجابة طيبة للمناعة”. وأضافت الخبيرة أن النتائج مشجعة تماما لكن هناك حاجة لمزيد من الأبحاث. ويخشى العلماء من تحور فيروس (اتش5 ان1)، الذي انتشر من آسيا إلى أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا، إلى نوع قادر على الانتقال بين البشر مما قد يعني تفشي المرض بشكل وباء يحصد معه حياة الملايين من الناس.