هل ثمة مشهد مريح لإسرائيل أكثر من مشهد الجبهتين تتقاتلان على الساحة السورية لتطول الحرب، وتدمّر سوريا، المهم ألا يهدّد أحد أمن إسرائيل. لا شك في أن النظام السوري نجح في جولة "القصير"، بمساعدة من "حزب الله" كانت حاسمة، وميزان القوى تغير على الأرض لمصلحة النظام. وفي السباق ذاته، ومع الوقت نحو قمة بوتين– أوباما، ونحو جنيف -2، ثمة حقائق ووقائع ميدانية تعزز موقع النظام في التفاوض، وتريح حلفاءه الروس والإيرانيين. هذا إذا عقد المؤتمر. وإذا لم يعقد فهو أمسّك بزمام المبادرة في النقطة الجغرافية الإستراتيجية، ويستعد "لإنجاز" جديد بتأمين خط دمشق – حمص. وخط دمشق – درعا، وتكريس بقاء مطار دمشق مفتوحاً. مع التركيز على استكمال المعارك في مناطق أخرى، في ظل الحديث عن الاستعداد لمعركة حلب وريفها ووصول قوات من "حزب الله" إلى هناك. نتائج المعركة الأخيرة مهمة جداً بالنسبة إلى النظام. ستكون لها تتمات من خلال العرض المفتوح لاعترافات القادة المعتقلين في صفوف المقاتلين، ولمضمون "الوثائق المصادرة"، وبالتالي ستكون تعبئة إعلامية ، توازي الحركة السياسية والدبلوماسية المركزة على دور "القوى الإرهابية" و"الظلاميين" و"الوافدين" من كل حدب وصوب للمشاركة في هذه "الحرب الكونية" ضد سوريا. ولا شك في أن كثيرين في الغرب برروا حتى الآن عدم اندفاعهم في اتجاه تسليح المعارضة بالخوف من وقوع هذا السلاح في أيدي الفصائل المتطرفة والإرهابية! ورغم أن الحظر الأوروبي المفروض على تقديم السلاح قد انتهت مفاعيله أوائل الشهر الحالي، وقيل بأن بريطانيا وفرنسا ستسلحّان المعارضة، فإن مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أكدت منذ يومين أن لا تسليح للمعارضة الآن. وجاء هذا الكلام في وقت كانت المعارضة تستغيث فيه طالبة النجدة والدعم لفك الحصار عنها في القصير، ولوقف "المجازر" التي ترتكب بحقها، ولاحقاً لإخراج الجرحى المدنيين والمقاتلين ولم يكن ثمة مجيب! كذلك، فإن حسم معركة القصير تزامن مع استمرار التردّد والإرباك الأمريكيين في الموقف من النظام. وفي ظل عجز، وصمت، وإنكفاء ولا مبالاة أحياناً حيال مشاركة "حزب الله" إلى جانب النظام في معركة الحسم، بل كان ثمة من يقول بأن التدخل سيقع، ولن يكون احترام للقوانين والحدود الدولية وهذا ما حصل. أما الموقف الروسي الثابت على دعم النظام، والتحضير ل جنيف -2 ، فقد منع صدور قرار في مجلس الأمن لإدانة ما جرى في القصير. وروسيا تتصرف بارتياح تام، وتعبّر عن موقفها بحزم وتؤكد أن كل ما جرى ويجري يؤكد صحة وجهة نظرهار التي تقول: ها هم "الشيشانيون الإرهابيون"، الذين يهددون أمن روسيا، يقاتلون على الأرض السورية، ومعهم من جاء من كندا وأفغانستان، وباكستان وداغستان وقرغيزستان وليبيا وتونس والجزائر والسعودية والعراق، وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وألمانيا والنمسا، وهم يحملون فكراً "تكفيرياً" خطيراً وسيقومون بتنفيذ عمليات ضد الشرق والغرب في دولهم بعد عودتهم إليها. وقد لاقى هذا الكلام صدى في أكثر من موقع. فلم يعد ثمة شعب سوري يريد الحرية والكرامة والتغيير بل أصبح الكل في خانة "جبهة النصرة الإرهابية". ومعروف أن عدداً كبيراً من أعضاء هذه الجبهة كان يشغّله النظام في العراق ضد القوات الأمريكية، وأعادهم إلى الداخل وانقلبوا عليه تماماً مثل كل الذين تمت تربيتهم وحمايتهم ورعايتهم للقيام بأعمال معينة في أماكن مختلفة من العالم ثم عادوا للانقلاب على مربيّهم! ومما ساعد في ترجيح موقع النظام، خلافات القوى المعارضة، والدول الواقفة وراءها، قيل إنه في أثناء التحضير لتوسيع الائتلاف السوري، أصرّ بعض الأطراف على "الثلث المعطل" كشرط للتوقيع والذهاب إلى التفاوض مع النظام! كي يضمن تأثير دولة عربية معينة في هذه العملية. وعند سؤال هؤلاء: ما هو الأهم؟ سقوط النظام الآن، وإعطاء دفع لمعركة القصير أم تنفيذ شروطكم؟ كان الجواب: تنفيذ شروطنا. المشهد في الدول الداعمة لقوى المعارضة وفيما بينها لا يبشر بخير. تفكك وانقسام وخلاف على القيادة ولا قيادة ولا مشروع ولا رؤية. ولا تأثير بل اندفاعات غير مدروسة وحسابات فئوية وشخصية وحال من الفوضى وتراجع وقلق، كما حصل في تركيا على سبيل المثال لا الحصر التي اهتز حكم أردوغان فيها وردّ له النظام السوري الشماتة واستخدم تعابيره فوصفه بالمنفصل عن الواقع ودعاه إلى التنحي في مشهد ساخر. إضافة الى الاقتتال بين المنظمات المسيطرة في مناطق معينة، وعمليات سلب ونهب وتهريب آثار وبيع نفط وفوضى، وممارسات سلبية وصور عن ممارسات بشعة لا يقبل بها عقل بشري مهما كانت الأسباب. وجاءت الضربات الإسرائيلية لمواقع عسكرية نظامية سورية لتريح النظام أيضاً. سوريا، مسرح، وملعب وساحة لاقتتال كل الذين كان من المفترض أن يكونوا في وجه إسرائيل. اليوم، الغرب وعدد من الدول الأفريقية يشكو "حزب الله" ويخاف من عملياته الخارجية ضد مصالحهم! والغرب وعدد من الدول العربية والإسلامية والأوروبية والغربية يخشى "القاعدة" ، "وجبهة النصرة" وحليفاتها ومثيلاتها وكل أشكال التطرف والإرهاب. وإسرائيل، ترى في "جبهة النصر" التي يمثلها "حزب الله" خطراً كبيراً وتريد الانتقام منها! كما ترى خطراً في جبهة "النصرة" وهي التي استغلت وتستغل كل شيء لتؤكد أنها ليست دولة إرهابية بل هي تقاتل الإرهاب الذي بات مصدر قلق لكل الذين اتهموها. ف"حزب الله" مصدر قلق للعرب والمسلمين المناوئين لإيران. و"جبهة النصرة" ومثيلاتها مصدر قلق لبعض العرب ولإيران وهو مصدر قلق لها. وبالتالي في مفهومها هي تقاتل القلقين والخطرين فهل ثمة مشهد مريح لها أكثر وأفضل من مشهد الجبهتين تتقاتلان على الساحة السورية، لتطول الحرب، ولتستمر ولتدمّر سوريا، المهم ألا يهدّد أحد أمن إسرائيل. ما جرى في القصير جولة من جولات هذه الحرب. يذكرني ذلك بالحرب اللبنانية وإن كانت الحرب السورية أكبر وأخطر والبازار الدولي المفتوح حولها قد يغيّر وجه المنطقة كله، وربما وجه العالم كما يقول مسؤولون إيرانيون. نقلا عن جريدة الاتحاد الإماراتية