بعد أن اجلت خلافات قانونية وسياسية مصادقة مجلس النواب العراقي على قانون جديد للمساءلة والعدالة تجاه أعضاء حزب البعث المنحل ،وذلك إثر تباين في وجهات النظر القانونية بين الأعضاء ،اقر البرلمان العراقي القانون الذي سيحل محل قانون اجتثاث البعث ويتضمن اجراءات اقل صرامة تجاه البعثيين في المراتب الدنيا للحزب. القانون الجديد يهدف الى إعادة جزء من عشرات الالاف من اعضاء حزب البعث الى الوظائف الحكومية التي طردوا منها بعد الاطاحة بنظام صدام حسين في 2003. وكان البرلمان العراقي قد بدأ في 25نوفمبر الماضى مناقشة القانون الذى يعتبر خلاصة لخمسة مشاريع مقدمة من قبل القائمة العراقية، والتوافق والائتلاف الموحد ، وهيئة اجتثاث البعث، وورقة افكار امريكية. القانون الجديد يتضمن ثلاثين مادة اهمها : -إنهاء خدمات جميع الموظفين ممن كان بدرجة عضو شعبة ( فى حزب البعث) وإحالتهم على التقاعد بموجب قانون الخدمة والتقاعد . - إحالة جميع الموظفين الذين يشغلون إحدى الدرجات الخاصة مدير عام أو ما يعادلها فما فوق ممن كانوا بدرجة عضو فرقة في صفوف حزب البعث على التقاعد بوجب قانون الخدمة والتقاعد . - إنهاء خدمات جميع منتسبي الأجهزة الأمنية (الأمن العام والأمن الخاص والحمايات الخاصة والأمن القومى أى المخابرات والأمن العسكرى وفدائيو صدام) وإحالتهم الى التقاعد . - يمنع فدائيو صدام من اي حقوق تقاعدية لعملهم في الجهاز المذكور. - السماح لجميع الموظفين غير ذوي الدرجات الخاصة ممن كانوا بدرجة عضو فرقة فما دون في صفوف حزب البعث بالعودة الى دوائرهم او الاستمرار بوظائفهم. - لا يسمح لأعضاء الفرق بالعودة للخدمة أو الاستمرار في الخدمة في الهيئات الرئاسية الثلاث ومجلس القضاء والوزارات والاجهزة الامنية ووزارتي الخارجية والمالية . - لا يصرف الراتب التقاعدي او المنحة لكل من كان منتميا لحزب البعث بعد 20/3/2003 وحصل على اللجوء السياسي او الانساني في أية دولة من الدول . - يمنع من إشغال وظائف الدرجات الخاصة ( مدير عام او ما يعادله فما فوق ومدراء الوحدات الإدارية ) كل من كان بدرجة عضو فما فوق في صفوف حزب البعث واثرى على حساب المال العام. - إحالة جميع من لم يشمل بقانون الخدمة والتقاعد للعمل في دوائر الدولة ما عدا الهيئات الرئاسية الثلاث ومجلس القضاء والوزارات والاجهزة الامنية والخارجية والمالية . - تسقط كافة الحقوق الواردة في الفقرات السابقة عن شخص كل من ثبتت قضائيا مشاركته بجرائم ضد الشعب العراقي أو أثرى على حساب المال العام. - تشكيل هيئة للمساءلة والعدالة تتكون من سبعة اعضاء بدرجة مدير عام من اصحاب الخبرة السياسية والقانونية يراعى فيهم التوازن في تمثيل مكونات المجتمع العراقي يقترحهم مجلس الوزراء ويوافق عليهم مجلس النواب بالاغلبية البسيطة ويصادق عليها مجلس الرئاسة . ويهدف القانون الذى ستتولى الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة تنفيذه الى : -عدم عودة حزب البعث فكرا وسيادة واداء وممارسة في البلاد تحت أى مسمى الى السلطة أو الحياة العامة . - تطهير مؤسسات القطاع الحكومي، والقطاع المختلط، ومؤسسات المجتمع المدني، والمجتمع العراقي، من منظومة حزب البعث تحت أيّ شكل من الأشكال. - إحالة عناصر حزب البعث المنحل والأجهزة القمعية الذين يثبت التحقيق إدانتهم بأفعال جرمية بحق أبناء الشعب إلى المحاكم المختصة لينالوا جزاءهم العادل. - تمكين ضحايا جرائم حزب البعث والأجهزة القمعية ومن خلال مراجعة الجهات المختصة من المطالبة باستيفاء التعويض عن الأضرار التي لحقتهم جراء تلك الجرائم . ويتوقع أن يسمح القانون للكثير من البعثيين بالعودة إلى مناصبهم الوظيفية والحصول على حقوقهم التقاعدية، وكان آلاف من السنة أقيلوا من وظائفهم الحكومية بعد الإطاحة بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين في الغزو الذي قادته الولاياتالمتحدة عام 2003، ما أجج أعمال العنف ضد الحكام الجدد والقوات الأميركية. أسباب وضع الحكومة العراقية لقانون المساءلة - الضغوط الداخلية على الحكومة العراقية لتحقيق مصالحة وطنية والذى جعلها تقرر إيجاد صيغة قانون مرضية لجميع الاطراف المؤيدة والرافضة لقانون اجتثاث البعث من خلال طرح قانون المساءلة والعدالة البديل، وتحويله الى مجلس النواب لمناقشته واقراره. - ضغوط الحكومة الأميركية باتجاه تخفيف الاجراءات ضد البعثيين وإقتصار عمليات اقصائهم عن المساهمة في الحياة السياسية على اعضاء القيادتين القومية والقطرية وهما اعلى هيئتين في حزب البعث المنحل وعدد اعضائهما يتراوح بين الخمسن والستين قياديا . ويذكر أن واشنطن اعتبرت أن تمرير قانون المساءلة والعدالة واحدا من 18 معيارا وضعته لاحراز التقدم المطلوب في تحقيق المصالحة السياسية في البلاد. ويرى الاميركيون ان تطبيق قانون الإجتثاث بشكله الحالي أدى الى إقصاء أكثر الكوادر المتقدمة الخبرة في المجال الإداري ،والذين يشملون مسؤولين مدنيين وعسكريين و موظفين صغار . خاصة مع تبين أنه في فترة مابعد الاحتلال أن الكوادر الشيعية عجزت عن سد الفراغ الذي تركه استبعاد الكوادر السنية المعروفة بكفاءتها وتميزها في شتى المجالات ، وقد أحدث ذلك ربكة في جميع المسارات والوزارات ، وأصبح من المسلم به أن عودة هؤلاء المبعدين ضرورة لا مفر منها حتى تستقرأحوال وزارات العراق . -ضغوط الإدارة الأميركية من اجل استئناس التعبئة لشعورها بالمخاوف من أن هؤلاء الموظفين المبعدين عن أعمالهم يغذون التمرد والعنف، ويقنعون السنة أن الأغلبية الشيعية في العراق تهدف إلى الانتقام منهم -اكتشاف الأمريكيين أيضاً أنه لابد من الجمع بين السنة والشيعة في الجيش والشرطة بنسبة متساوية ، وذلك للطبيعة الطائفية المعقدة في العراق . -يقدم بعض المراقبين تفسيرا آخر للقرار بأنه يهدف إلى تحجيم النفوذ الشيعي المتنامي خاصة مع تداعيات أزمة انسحاب الوزراء الصدريين ، ومحاولات بعض أعضاء مجلس الحكم من الشيعة التهديد بالإستقالة إحتجاجا على أداء الاحتلال ، وكان نتيجة ذلك أن أبرز الأمريكيون للشيعة سلاح البعث من جديد بهدف إجبارهم على إعادة حساباتهم .. **مواقف متباينة تجاه القانون الجديد تركز الخلاف الأساسى بين القوى السياسية العراقية المؤثرة تجاه القانون حول مدى أهمية عودةالبعثيين السابقين الى العملية السياسية فى العراق من أجل إستقرار البلاد، حيث اعتبرت بعض القوى قانون المساءلة والعدالة ضروريا لإتمام عملية المصالحة السياسية في البلاد، إلا أن قوى أخرى انتقدته، بحجة أنه سيعيد سيطرة أعضاء وأنصارحزب البعث على المراكز المهمة في أجهزة الدولة، بعد عودتهم إلى وظائفهم القيادية. أبرز الجبهات المؤيدة للقانون - قائمة الائتلاف العراقي الموحد (الشيعية) أشارت الى أن قانون المساءلة والعدالة يعد خطوة مهمة في مسار المصالحة الوطنية، ويأتي استجابة لحالة وطنية أولا ولمطلب إقليمي ودولي ثانيا. كما وصفت القانون بأنه من القوانين الاستراتيجية التي انجزها البرلمان العراقي، كون التصويت عليه جاء بالاجماع من قبل اعضاء مجلس النواب. - جبهة التوافق ،التي يترأسها عدنان الدليمي (44 مقعدا في البرلمان) والمحسوبة على السنة أيدت إقرار القانون ،حيث أشار عضو مجلس النواب العراقي عن جبهة التوافق رشيد العزاوي أنه "لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نأتي بقانون يلبي رغبات الجميع لأن الكتل تختلف في مطالبها وتحفظاتها.ولكنه أعتبرأن تأييد الجبهة لمشروع القانون لا يعني أنه ليس لديها ملاحظات حول بعض بنوده، إلا أنها تعتبر أن القانون يشكل مدخلا مهما من مداخل المصالحة الوطنية التي بات الشارع العراقي في أمس الحاجة إليها." - كما أعتبرت جبهة التحالف الكردستاني ان اقراره يعتبر خطوة ايجابية في الطريق الصحيح باتجاه المصالحة الوطنية وتوسيع المشاركة في العملية السياسية ،وتوقعت أنه اذا ما طبق القانون بشكل صحيح فأنه سيؤدي إلى التقليل من أعمال العنف. ابرز الجبهات المنتقدة واجه مشروع قانون المساءلة والعدالة، منذ أعلن عنه رئيس الوزراء نوري المالكي، في يونيو العام الماضي، معارضة وتحفظات عدة كتل برلمانية أهمها: -التيار الصدري الذي يقوده الزعيم الشيعي مقتدى الصدر (30 مقعدا من أصل 275 العدد الإجمالي لمقاعد البرلمان) والذى وصفه بأنه مخالفاً للدستور، وتغاضيا عما حصل إبان حكم صدام حسين. -الهيئة الوطنية لاجتثاث البعث أيضاً هاجمت المشروع في وقت سابق واعتبرته تجاهلا لمشاعر الملايين من ضحايا البعث وعدم مراعاة لعواطفهم وحقوقهم واعتبرته لايؤدي الى تحقيق المصالحة . ووصفت المشروع بأنه جاء متسرعا قبل تعويض ضحايا البعث . واكدت ان الكثير من مواد هذا المشروع قد جاءت مخالفة لأحكام الدستور العراقي واحكام القوانين العراقية والمبادئ العامة لاصول القوانين المتفق عليها دوليا . - حركة الوفاق الوطني، ذات التوجهات العلمانية والتي تضم 22 نائبا من مختلف الأطياف العراقية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي، أصدرت بيانا حول قانون المساءلة والعدالة قالت فيه انه لا يمثل الحد الأدنى لإجراء المصالحة الوطنية في البلاد، مطالبة بإلغاء قانون اجتثاث البعث، وأن يأخذ القضاء العراقي مجراه في معاقبة من اسماهم البيان بالمجرمين الحقيقيين، ومن أساؤوا للشعب العراقي من أعوان النظام السابق. - كما أعلنت كل من القائمة العراقية الوطنية التي يتزعمها اياد علاوي رئيس الوزراء الاسبق، وجبهة الحوار الوطني بزعامة صالح المطلق، والكتلة العربية المستقلة، ومجلس الحوار الوطني والمستقلون من جبهة التوافق، رفضهم وعدم تصويتهم لقانون المساءلة والعدالة ووصفوه بأنه صعب التطبيق. وكان بيان صادر عن هذه الكتل قد أشار إلى أن عددا من فقرات القانون الجديد تدعو إلى الثأر والانتقام ،وقال إنها عبارات لا تصلح أن تكون أساسا لبناء المجتمعات. وأضاف البيان أن بعض فقرات القانون الجديد لا تفرق بين الاشخاص الذين سيشملهم القانون الجديد أو ذويهم ، ووصفتها بأنها بمثابة حكم الاعدام على مستقبلهم الاجتماعي . -أعضاء سابقون في حزب البعث اعتبروا أن قرارات الحكومة العراقية سواء كانت إجتثاث البعث أو المساءلة والعدالة فكرة غير صحيحة وغير واضحة، مشيرة الى أن المشكلة ليست في فكر البعث، وإنما بالأفعال السلبية التي مورست من أشخاص تحت ستار البعث،وطالبت بضرورة توجيه المساءلة للأشخاص المسيئين وليس للبعث كحزب قومي وطني.. قانون إجتثاث البعث وضع قانون المساءلة والعدالة كبديل لقانون إجتثاث البعث الذي تم تشريعه من قبل الحاكم المدني الأميركي بول بريمر الذي رأس السلطة المدنية لقوات التحالف وحكم العراق بعد سقوط النظام السابق في أبريل عام 2003 . ويذكر أن قانون اجتثاث البعث وضع الكثير من القيود على أعضاء حزب البعث المحظور ومنع نحو 30 ألفا منهم من العودة إلى تسلم مناصب في الدولة أو الحصول على حقوقهم التقاعدية. وكانت هيئة خاصة قد تأسست بهدف مطاردة عناصر البعث حملت اسم هيئة اجتثاث البعث بقرار من رئيس الادارة المدنية في العراق السفير الاميركي بول بريمر والتي عدت فيما بعد من القرارات الخاطئة لأنها دفعت بعناصر هذا التنظيم الى العمل المسلح لاسترداد مناصبهم السابقة في الدولة العراقيةن خاصة وأنه بعد سنتين من حكم المالكي لم يشهد مشروع المصالحة الوطنية وجوداً عملياً على ارض الواقع، على الرغم من تشكيل اكثر من مؤسسة حكومية وتشريعية لتنفيذه، ابرزها كانت الهيئة السياسية العليا لاجتثاث البعث والتي ضمت عدداً من القادة السياسيين العراقيين واعضاء الكتل البرلمانية، كما تم استحداث وزارة خاصة للدولة معنية بالحوار الوطني.