رغم مرور عام على توقيع اتفاق السلام فى دارفور لم يتراجع العنف فى غرب السودان، ولازالت هذه البقعة تشهد مزيدا من العنف يعود بها الى المربع الاول قبل الاتفاق .ومنيت أزمة دارفور بنكسة جديدة ربما تنبئ بعودة الحرب بالإقليم إلى حيث بدأت من قبل أربعة أعوام إثر تهديد الجيش السوداني بسحق التمرد عقب إسقاط إحدى مروحياته نهاية الشهر الماضي، في وقت كانت تتسارع آمال الخرطوم تجاه تسوية سلمية للأزمة وسط تنامي الضغط الداخلي والخارجي. تزامن ذلك مع تحركات داخلية لقوى المعارضة الرئيسية بقيادة أحزاب الأمة ، طرحت من خلالها إستراتيجية جديدة تمسكت فيها بما سمته المطالب العادلة لشعب دارفور والموافقة على نشر قوات مشتركة بالإقليم لحماية المدنيين. وتدعو هذه الإستراتيجية حل جميع المليشيات واستخبارات حرس الحدود المتهمة بموالاة الحكومة ونزع أسلحتها، ومحاكمة كافة المسؤولين عن جرائم الحرب .
يأتى هذا فيما دفعت المحكمة الجنائية الدولية بمذكرة توقيف لمسؤولين حكوميين رفيعى المستوى تتهمهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بدارفور، وهو ما اعتبرته الحكومة تآمرا جديدا على البلاد. واعتبر المحللون أن تهديد الجيش السوداني بسحق التمرد سيشكل عقبة جديدة في وجه السلام الذي تبحث عنه الخرطوم، كما أنه سيدفع المجتمع الدولي إلى الاعتقاد بإصرار الحكومة على مواصلة الحرب في دارفور' ويرى آخرون أن الجيش لا يؤمن بالحل السياسي طالما أن هناك جهات تعتدي عليه دون أن يتحرك المجتمع الدولي لوقف ذلك'وإن التهديد بسحق المتمردين سيهدد جميع الاتفاقات والجهود المبذولة في التوصل إلى حل سلمي بالمنطقة وإقناع المتمردين بالانضمام لمسيرة السلام'كما أن من شأن ذلك أن يزيد من عزلة الحكومة إقليميا ودوليا، و يزيد من إصرار المجتمع الدولي والمعارضة بممارسة مزيد من الضغط على الحكومة.
وكأن الاتفاق الذي تم في أبوجا عاصمة نيجيريا بين الحكومة السودانية وجناح مني أركو ميناوي بحركة تحرير السودان فى الخامس من مايو الماضى كان مجرد حبرا على ورق ' فهو حتى الآن لم يأخذ طريقه للتطبيق الكامل على الأرض، بسبب عدم انضمام بقية فصائل المتمردين .فرغم مفاوضات طويلة سبقت هذا الاتفاق الا انه لم يحظ سوى بتوقيع فصيل واحد متمرد من اصل ثلاثة رغم ان الفصيلين الاخرين يعيشا فى دوامة من الانقسامات الداخلية . ويستمر تبادل الاتهامات بين حركة تحرير السودان والحكومة حيث تتهم حركة تحرير السودان الحكومة بعدم تنفيذ تفاهمات السلطة والثورة والأمن كما انها رهنت تنفيذ الاتفاق بتوقيع بقية الفصائل . ومن جانبها ربطت الحكومة بطء تنفيذ الاتفاق بعدم انضمام بقية فصائل التمرد لاتفاق السلام، مؤكدة استعدادها للتفاوض مع رافضي الاتفاق للدخول في جولة مفاوضات معهم لإكمال ما نقص في أبوجا. وتصر الحكومة ان حل 20% من قضايا دارفور ياتى عبر اتفاق أبوجا، الا ان الحل الداخلي لقضايا الإقليم يمثل 80% من الحل وذلك بسبب تداخلات القبائل وتنوع المشاكل في الإقليم.
ولايمضى يوم فى دارفور دون تسجيل اعمال عنف فى شكل هجمات للمتمردين وردود من جانب الحكومة فضلا عن معارك بين القبائل واعتداءات على البعثات الانسانية وقوة الاتحاد الافريقى التى تنشر سبعة الاف عنصر فى المنطقة . والضريبة التى يدفعها المدنيون باهظة تتمثل فى نحو 200 الف قتيل جراء النزاع وتداعياته فضلا عن مليونا نازح ' الامر الذى استدعى اطلاق عملية انسانية واسعة تبلغ تكلفتها السنوية مليار دولار ويشارك فيها 13 الف ناشط يعملون فى ظروف صعبة .
ولعلنا نجمل ا لعوامل الرئيسية المانعة لإحلال السلم وهى عدم الاستقرار الأمني بسبب رفض الأطراف المتصارعة احترام وقف إطلاق النار، وعدم توحيد الحركات المسلحة ' فضلا عن إعاقة توصيل مواد الإغاثة الإنسانية يتزامن ذلك مع صعوبات تواجه قوات الاتحاد الأفريقي بسبب ضعف التمويل ما حدا بالغرب للضغط على السودان لقبول نقل مهمة حفظ السلام إلى الأممالمتحدة. ورغم هذا المشهد القاتم يامل عدد من المعنيين بالأزمة بتطور ايجابى خلال عام 2007 مستندين الى نتائج تحرك دبلوماسى كثيف شهدته الأشهر الاخيرة . وفى هذا السياق اكد كبير مساعدي الرئيس السوداني رئيس السلطة الانتقالية التنفيذية لولايات دارفور اركو مناوى أن الانحياز لخيار السلام كان بدافع الحرص على وحدة وسلامة السودان وحقن دماء أبناء دارفور والسودان عامة داعيا الفصائل التي لم توقع على اتفاقية سلام دارفور للحاق بركب السلام والتوقيع علي الاتفاقية لتجنيب أهل دارفور المزيد من المعاناة. مؤكدا أن شهر مايو الجارى سيكون حاسما في مسألة تنفيذ الترتيبات الأمنية التي نصت عليها اتفاقية سلام دارفور ومشيرا إلى أن العمل سيبدأ في حصر ودمج وإعادة تسريح للقوات بواسطة اللجنة المشتركة المكلفة بتنفيذ الترتيبات الأمنية. ويرى مناوى أن تلك الخطوة من شانها إحداث تحول جوهري في مسار اتفاقية سلام دارفور , لأنها ستعكس استقرارا وأمنا على الاقليم الأمر الذي سيساعد في إعادة النازحين إلى قراهم والبدء في تنفيذ برامج التنمية والخدمات.
وكانت قيادات وممثلو الأحزاب والقوى السياسية بولاية شمال دارفور قد أكدوا وقوفهم وقواعدهم سندا وعضدا من اجل تنفيذ اتفاقية سلام دارفور , داعين لضرورة بسط وتحقيق الاستقرار الامنى وإعادة توطين اللاجئين والنازحين وتعويضهم ، علاوة على البدء في تنفيذ برامج ومشروعات خدمية وتنموية وإعادة تعمير ما دمرته الحرب.