وسط أجواء توتر واستعدادات أمنية وأزمات سياسية تجرى فى 22/7 بتركيا الانتخابات المُبكرة لانتخاب 550 عضواً للبرلمان الجديد من بين 8680 مرشحاً يمثلون 14 حزباً، بالإضافة إلى 321 مستقلاً يتنافسون على نيل ثقة نحو 43 مليون ناخب فى 85 دائرة انتخابية فى 81 محافظة، وأن هذه الانتخابات لن تكون كسابقاتها مقصورة على تكوين الخريطة الحزبية وتشكيل الحكومة بعد أن صارت تمثل مواجهة علنية حول انتخاب رئيس جديد للبلاد . ويرى المراقبون أن هذه الانتخابات البرلمانية تشكل دخول تركيا مرحلة سياسية جديدة خاصة أنها تأتى فى سياق الصراع على الحُكم بين المعسكر العلمانى الذى تحميه المؤسسة العسكرية وحزب العدالة الحاكم ذى الجذور الإسلامية، كما لا يتوقع أن تؤد ى الانتخابات إلى وضع حد للتوتر السائد بين المدنيين والعسكريين . وتشير استطلاعات الرأى إلى دخول ثلاث أحزاب رئيسية هى حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الشعب الجمهورى والحركة القومية إلى البرلمان الجديد لقدرتها على تجاوز حاجز نسبة 10% من أصوات الناخبين، كما أشار استطلاع آخر إلى أن حزب العدالة الذى يرأسه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان سيفوز بعدد كاف من الأصوات تمكنه من تشكيل الحكومة التركية القادمة وحده وإن لم يستبعد بعض المحللين إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية ، وكان أردوغان قد أعلن أنه سيترك السياسة إذا لم يتمكن حزب العدالة والتنمية الذى يتزعمه من تشكيل حكومة بمفرده بعد الانتخابات التى تُجرى غداً . وأعرب رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان عن اعتقاده بأن البرلمان الجديد سيتشكل من حزبين فقط مع وجود احتمال ضعيف لدخول حزب ثالث، مُشيراً فى حديثه لقناة " ستار " التركية أنه ليس متأكداً مما إذا كان هناك حزب ثالث بالإضافة إلى العدالة والتنمية الحاكم والشعب الجمهورى المُعارض قادر على دخول البرلمان، وحول ما إذا كان يعتقد أن هناك ارتباطاً بين حزب المجتمع الديمقراطى الموالى للأكراد وحزب العمال الكردستانى أشار إلى أن حزب المجتمع يجب أن يعلن رفضه للإرهاب الذى يمارسه حزب العمال الكردستانى وأنه يعتبره منظمة إرهابية، مُضيفاً أن حكومته نجحت فى خفض معدل البطالة من 10.3% إلى 9.8% كما وفرت عمل ل 2.4 مليون مواطن على مدى أربعة أعوام ونصف العام . وفى أول رد فعل على تصريحات رئيس الوزراء التركى باعتزال الحياة السياسية فى حالة عدم تمكن حزب العدالة والتنمية بالإنفراد بالسلطة عقب الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل أكد أردوغان نائب رئيس حزب الشعب الجمهورى أكبر الأحزاب المُعارضة أن أردوغان ستيخلى بذلك عن السياسة . وتتهم أحزاب المعارضة العلمانية حزب العدالة والتنمية الحاكم بالسعى لتقويض الوضع الحالى وتحويل تركيا إلى دولة تحكمها حكومة دينية على غرار إيران، ويسخر حزب العدالة من الاتهامات قائلاً : إن سجله فى الحُكم يثبت العكس، وفى الحقيقة أن سياساته كانت مؤيدة للغرب أكثر من أشد الأحزاب علمانية وحرص على تجنب النظر إليه على أنه مؤيد لزيادة دور الدين فى الحياة العامة، وأظهر آخر استطلاع للرأى أن حزب العدالة والتنمية سيفوز بحوالى 40 فى المائة من الأصوات بزيادة عدة نقاط من عام 2002 مع دخول حزبين آخرين فقط من يمين الوسط واليمين القومى المتطرف فى البرلمان . وقد أزعجت سلسلة من الاحتجاجات المؤيدة للعلمانية والمناهضة لحزب العدالة فى أنحاء تركيا الحكومة فى الشهور الأخيرة لكن ذلك الغضب لم يؤد على ما يبدو إلى زيادة الأصوات لصالح المعارضة، كما هدد الجيش الذى أطاح بأربع حكومات آخرها حكومة إسلامية قبل عشر سنوات بالتدخل فى السياسة فى حالة تعرض قيم الجمهورية التى أرساها أتاتورك للخطر واضطر رئيس الوزراء أردوغان للدعوة لإجراء انتخابات مُبكرة بعد خسارته معركة مع الصفوة العلمانية التى تشمل جنرالات الجيش وقضاة وزعماء معارضة حول تعيين رئيس الجمهورية القادم . ويُشار إلى أن العلمانية قد هيمنت على تركيا منذ عام 1923 عندما أسس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية الحديثة على أنقاض الخلافة العثمانية الإسلامية وفصل بين الدين والحياة العامة وكون أتباعه فيما بعد أيديولوجية تركزت على العلمانية والقومية والدولة المركزية، وفى الثمانينات شددت القيود على الدين بشكل كبير بحظر ارتداء الحجاب فى الجامعات والمكاتب العامة وسيطرت الصفوة العلمانية لفترة طويلة بحماية من العسكر على مؤسسات الدولة والصناعة والتجارة ويذكر أن العسكر قد نفذوا في تركيا ثلاثة انقلابات مباشرة وواحدا غير مباشر فى فبراير1997، فبعد انتهاء الحرب الباردة ساد اعتقاد أن الانقلابات العسكرية قد ولت نتيجة النزعة الديموقراطية التي ظهرت فى اوروبا آنذاك فقام انقلاب عام1980 بقيادة رئيس أركان الجيش كنعان افرين وأعاد الانقلابيون الأمور إلى المربع الأول ايؤكد أن العسكريين مازالوا فى الساحة .. وزج بالقيادات الإسلامية في السجون.. وأحدث الانقلابيون ما يسمى بمجلس الأمن القومي.. أصبح الجيش بموجبه يتولى مباشرة تصحيح الأمور( من وجهة نظره).. وتشكل مجلس الأمن القومي كمؤسسة دستورية وعن طريقها يتم مراقبة الأوضاع السياسية شهريا فى البلاد. ومع تقديم الاتحاد الأوروبي في خريف 2000 لوثيقة شراكة الانضمام ومن بين عدد هائل من الشروط الحرجة، الداخلية والخارجية، كان واضحا أن الحاجز الأعلى أمام هذا الانضمام هو شرط إلغاء دور الجيش في السياسة والمؤسسة الأشهر، أي مجلس الأمن القومي. لذا كان (طبيعياً) أن يشن أمين عام مجلس الأمن القومي الجنرال طونجير كيليتش الهجوم تلو الآخر ضد أوروبا ولكن خلال العقد الماضى برزت فى المُدن طبقة متوسطة آخذة فى النمو ذات عقلية دينية . إن هذه الانتخابات المُبكرة التى توجهت إليها تركيا جاءت بسبب الأزمة السياسية التى نتجت عن عجز البرلمان التركى فى مايو الماضى عن انتخاب رئيس الجمهورية وهو المنصب الذى كان مرشحاً له وزير الخارجية عبد الله جول عن حزب العدالة وذلك بسبب مقاطعة أحزاب المعارضة داخل البرلمان للانتخابات وعدم حضور أغلبية ثلثى الأعضاء بالجولة الأولى للانتخابات فى 27 أبريل ثم جولة الإعادة فى 6 مايو الماضى . ويراقب الانتخابات التركية وفد من المجلس الأوروبى أثار وجوده جدلاً من جانب أحزاب المعارضة التى اعترضت على مراقبة الانتخابات، كما يشارك 350 صحفياً أجنبياً فى تغطية هذه الانتخابات التى اكتسبت إثارة كبيرة بسبب الصراع بين العلمانيين وحزب العدالة والتنمية الحاكم الذى يسعى حسب رأى المراقبين إلى تطبيق أجندته الإسلامية عبر السيطرة على رئاسة الحكومة والحصول على منصب رئيس الجمهورية لينفتح الباب أمامه إلى تغيير النظام السياسى للجمهورية التركية العلمانية وتحقيق ما فشل فيه الإسلاميون منذ تأسيس الجمهورية الحديثة على يد مصطفى كمال أتاتورك . ومن جانبه أكد وزير الدولة التركى " بشير أتالاى" أن حزب العدالة والتنمية سيحصل على 320 مقعداً من مقاعد البرلمان أى سيحصل على نسبة تفوق 40% من أصوات الناخبين وهى النسبة التى حققها فى الانتخابات المحلية عام 2004، مُشيراً إلى أن هذا الرقم قد يزيد لأن كل حزب يعجز عن تحقيق نسبة العشرة بالمائة الحد النسبى لدخول البرلمان تذهب مقاعده إلى أحزاب الأغلبية، مُضيفاً أن حزب الشعب الجمهورى المعارض بإمكانه أن يحصل نسبة تتراوح ما بين 20 و 22% من أصوات الناخبين وأن حزب الحركة القومية يتوقع أن يحصل على الحد النسبى لدخول البرلمان وهو 10% وليست هناك فرصة لأحزاب أخرى لتحقيق هذه النسبة . ويشير المحللون إلى أن الانتخابات بشقيها البرلمانى والرئاسى تبشر باستمرار الأوضاع فى تركيا على حالها دون تغيير من حيث استمرار سيطرة حزب العدالة والتنمية الإسلامى على أكبر عدد من مقاعد البرلمان التى تؤهله لتشكيل الحكومة القادمة بصورة منفردة لخمس سنوات مُقبلة فى سابقة لا نظير لها من قبل فى تاريخ الجمهورية التركية خاصة بعد انقلاب عام 1980وهو ما يعنى حسب رأى المحللين أن المعادلة السياسية الحالية أو القائمة فى سبيلها إلى الاستمرار لسنوات إذا لم يظهر فى الأفق ما يشير إلى أن المعارضة ستكون قادرة على تغيير هذه المعادلة. 21/7/2007