من يشاهد الآن اطلال القوى السياسية المصرية وهي تتناثر كالشظايا في كل مكان لابد وان يشعر بالحزن والأسى على ماوصلت إليه احوالنا.. لقد اجهدت هذه القوى بعضها البعض في معارك وصراعات وصلت بها إلى حالة من العنف والتشرذم واصبح من الصعب ان تجد فصيلا منها مازال متماسكا في قدراته، ولا شك ان حالة الضعف والترهل التي اصابت هذه القوى أصبحت تمثل خطرا شديدا على مستقبل مصر. من يتابع خريطة هذه القوى ومواقعها سوف يجدها على اربعة محاور اساسية هي من حيث القوة العددية تبدو محدودة المساحة في دولة تعدادها يتجاوز 90 مليون مواطن.. إلا ان الأغلبية الصامتة التي تحملت سنوات الفقر والجهل والتهميش جعلتها بعيدة تماما عن الدور والرسالة والتأثير.. ان هذه القوى السياسية تتجسد الآن في اربعة مواقع هي الإخوان المسلمون والسلفيون وكتلة الأحزاب الدينية.. والنخبة ممثلة في القوى الليبرالية والعلمانية.. واجيال الشباب من الثوار.. ومع هذه القوى تقف المؤسسة العسكرية بعيدا عن ساحة الصراعات وان بقيت عنصر الحسم في ساعة الضرورة.. لقد اجهضت الأحداث السياسية طوال عامين كل هذه القوى باستثناء الجيش الذي انسحب في الوقت المناسب وإن طاله رذاذ كثيف في لعبة الصراعات.. نحن الآن امام الفصيل الأقوى في الساحة السياسية وهم الإخوان المسلمون والجماعات الدينية ولاشك انهم كانوا مفاجأة المشهد بعد الثورة لأنهم الأكثر تواجدا واستعدادا، ولهذا انقضوا على المكاسب والغنائم واستطاعوا ان يحصدوا مرة واحدة برلمانا ملغيا ورئيسا ودستورا ومجلسا للشورى وان يخرجوا المؤسسة العسكرية من الساحة السياسية وان يفرضوا حالة تهميش واضحة على جميع القوى الوطنية الأخرى.. كان إنجاز الإخوان الأكبر بعد الوصول إلى سلطة القرار هو إخراج الجيش من الساحة السياسية وإبعاد المجلس العسكري بكل قياداته التقليدية في خطوة تشبه المعجزة لأنها تجاوزت كل الحسابات.. على الجانب الآخر استطاع الإخوان تمرير الدستور رغم كل محاولات القوى الأخرى تأجيله أوتعديل مساره.. وامسك الإخوان بمواقع تنفيذية كثيرة ودفعوا بقياداتهم إلى أكثر من مكان.. لا شك ان الإخوان وصلوا إلى ذلك كله بشعبية كبيرة صنعوها في العهد البائد حين اصبحوا القوة السياسية الوحيدة في الشارع المصري مع الحزب الوطني المنحل، وقد استفادوا كثيرا من اساليبه في الإقصاء والمراوغة.. ورغم كل ما احاط بسرية العلاقة بين الإخوان والنظام السابق إلا ان هناك مناطق التقاء كثيرة بينهما، ويكفي ان النظام السابق هو الذي منح الإخوان فرصة الوجود في الشارع المصري سنوات طويلة رغم ما كان بينهما من خلاف.. لا اعتقد ان الإخوان احسنوا استخدام أكبر فرصة تاريخية اتيحت لهم بالوصول إلى حكم أكبر دولة عربية واكبر دولة إسلامية من حيث التأثير والدور.. هناك اطراف كثيرة وقفت وراء الإخوان ومنحتهم هذه الفرصة كان في مقدمتها جموع الشعب المصري التي ايدتهم امام صناديق الانتخاب ومنحتهم ثقتها وهناك المجلس العسكري الذي رأي فيهم فصيلا موجودا بقوة على الساحة، وهناك الإدارة الأمريكية التي حاولت ان تملأ الفراغ الذي تركه النظام السابق ولم يكن امامها غير الإخوان الفصيل المنظم القادر على احتواء الشعب وملأ الفراغ.. بقيت مناطق اخرى لم يكن لديها استعداد لدعم تجربة الحكم الإخواني لمصر.. بعض هذه المناطق كان ينطلق من علاقة خاصة مع رأس النظام السابق وهي دول الخليج وبعض دول اوروبا مثل فرنسا وايطاليا وهناك ايضا من كان يرى في الإخوان عودة إلى عصور لم تعد تتناسب في الفكر والرؤي مع روح العصر الذي نعيش فيه.. وهناك النخبة المصرية التي وقفت مع الإخوان ايام محنتها في السجون والمعتقلات ورأت فيها شيئا آخر وهي تنتزع السلطة انتزاعا من بقية شركاء الثورة.. لا شك ان تجربة الإخوان حتى الآن لم تكن مرضية في الكثير من جوانبها وان لم تخرج من هذا المأزق التاريخي في إدارة شئون مصر فسوف تضيع منها اكبر فرصة منذ إنشائها في عشرينيات القرن الماضي خاصة مع تراجع المد الشعبي الإخواني بصورة واضحة في الشهور الأخيرة ومنذ تولي الرئيس مرسي الحكم. على الجانب الآخر تقف النخبة المصرية وهي تراجع ملفات أخطائها منذ قيام الثورة.. كان الخطأ الأول هو انسحابها من ميدان التحرير بعد سقوط رأس النظام، وكان الخطأ الثاني انها انقسمت على نفسها منذ اللحظات الأولى وكان الخطأ الأكبر انها رقصت على الحبال بين القوى السياسية الأخرى خاصة الإخوان والسلفيين حين تحالفت هنا واستسلمت هناك.. وفي النهاية و رغم ان لها تاريخا طويلا وعلاقات فريدة مع القوى السياسية الدولية إلا ان هناك فصيلا غافل الجميع وقفز إلى مقدمة السيارة وانطلق بها بعيدا وهم الإخوان المسلمون.. حين افاقت النخبة كانت المسرحية قد انتهت وخرج الجمهور واسدل الستار وجلس الرئيس مرسي على كرسي الرئاسة بأغلبية ضئيلة ولكنها حسمت كل شئ.. وامام طموحات شخصية تحركت رغبات ومصالح افسدت على النخبة أشياء كثيرة خاصة حين تسللت إلى صفوفها اسماء لا علاقة لها بالثورة ولكنها طفت على السطح مثل النباتات والحشائش الضارة.. هناك اتهامات كثيرة توجه إلى النخبة في مقدمتها بعدها الحقيقي عن الشارع المصري وهمومه وافتقادها لغة التواصل مع البسطاء من الناس.. وربما تكون النخبة قد تخلصت قليلا من امراضها إلا انها بقيت تعاني العزلة والتشرذم والبعد عن الشارع.. ولا شك ان الخلاف بين النخبة والإخوان اضاع على مصر فرصة تاريخية لتجربة ديمقراطية حقيقية حين سبق الولاء للافكار والمصالح الولاء للوطن. يأتي فصيل الشباب وهم اصحاب الثورة ومفجروها الحقيقيون في أول القائمة من حيث الدور والولاء وأداء الواجب ولكنهم للأسف الشديد امام قصور التجربة والعمر وزحام الصراعات بين الكبار وجدوا انفسهم خارج السياق، بل ان اطرافا اخرى حاولت إستخدامهم بصورة سيئة حين دفعت بهم إلى فوضى الشوارع واستغلت براءتهم في اعمال عنف ضاع ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى.. ورغم كل ما تعرضت له فصائل الشباب من التهميش والمتاجرة إلا انهم ظلوا أطهر وانقى اطراف اللعبة السياسية ولاء للوطن وإخلاصا للثورة وحرصا على بناء مستقبل افضل. حين نتحدث عن المؤسسة العسكرية فلاشك انها كانت الدرع التي حميت الثورة وحافظت عليها وبرغم الظروف الصعبة والنقد الشديد الذي تعرض له العسكريون إلا انهم لم يتخلوا عن حماية الثورة وحرصوا دائما على التواصل مع كل القوى السياسية الأخرى.. لقد اساء البعض للمؤسسة العسكرية ووجدت نفسها احيانا امام مواجهات لا تليق بتاريخها المجيد إلا انها تحملت كل ذلك من أجل استقرار الوطن.. خرجت المؤسسة العسكرية من الساحة السياسية ووقفت تراقب الصراعات بين القوى المختلفة، وحين اعلن الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة ان الجيش سوف يقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية المتصارعة فإنه كان يعكس موقفا مبدئيا من الجيش انه لن ينحاز لأحد الأطراف لأن جيش مصر لكل اهلها ولن يكون طرفا في الصراع.. ان هذا لا يعني ان يكون الجيش سلبيا إذا تطلب الأمر حسما وهذا ما حدث في بورسعيد والسويس والإسماعيلية حين سادت الفوضى والعنف ونزل الجيش ليحمي الممتلكات الخاصة ومؤسسات الدولة.. وهنا يظل الجيش منطقة أمن وامان لكل المصريين مهما ارتفعت حدة الصراعات بين القوى المختلفة.. هناك اطراف كثيرة تريد ان تفسد على مصر ثورتها وقد يكون من بين اطراف اللعبة السياسية نفسها من يسعى لذلك.. هناك من يرى ان نجاح الإخوان في إدارة شئون مصر يمثل تهديدا لأنظمة قائمة لا تحب الإخوان ولا تريد افكارهم، وهذه القوى تربطها مصالح كبيرة مع قوى ودول خارجية تتفق في الهدف وان سعت إلى مبدأ الاحتواء وليس المواجهة.. هناك قوى النظام السابق وهي مازالت تعتقد ان انهيار حكم الإخوان شئ ممكن خاصة ان بينهما تاريخا طويلا من الصراعات والفهم المتبادل، بل ان الأمر يمكن ان يصل إلى اتفاق على الآخرين إذا تطلب الأمر ذلك في مرحلة قادمة وفرضت الظروف على الجميع صيغة للتفاهم. ان الصراع الآن ونحن على ابواب انتخابات برلمانية سيكون بين النخبة والتيارات الدينية على التفاوض مع بقايا النظام السابق وربما فاز الإخوان بهذه الصفقة المريبة لأن جسورهم مع النظام السابق كانت أكبر واعمق.. ان الطرف المظلوم في هذه اللعبة هم شباب الثوار امام جحافل القوى الأخرى ولأن جميع القوى حريصة على استخدامهم واستغلالهم لأنهم يمثلون الأغلبية الشعبية ولأنهم المستقبل الذي يحرص الجميع عليه. وسط هذا كله يبقى جيش مصر الجيش العربي الوحيد الذي حافظ على قدراته بعد انهيار معظم الجيوش العربية، ولهذا ينبغي ان يبقي بعيدا عن صراعات القوى السياسية في الشارع المصري وحتى لا يجد نفسه مضطرا للدخول في مواجهات مع هذه القوى حفظا للأمن وحرصا على استقرار مصر. ان فشل تجربة الإخوان رغم كل شئ سيكون خسارة خاصة ان النخبة ليست افضل حالا في كوادرها ومقوماتها من القوى المنافسة.. وعودة الجيش إلى الساحة السياسية ستكون ايضا خسارة، لأن بقاء الجيش في ثكناته هو مصدر الحماية الحقيقي لتجربة مصر الديمقراطية وهو الذي سيتحمل نتائج فشلها حين يعود للسلطة مرة أخرى.. أما شباب الثورة فهم الأمل ويجب ان يخرجوا من عباءة الأجيال السابقة التي ادمنت لعبة الصراع وفرطت في ثوابت كثيرة من أجل تحقيق مصالحها والوصول إلى السلطة.. إن إجهاض القوى السياسية خسارة لمصر كلها والأولى بهذه القوى ان تجلس مع بعضها لتصل إلى صيغة من التفاهم والتعاون والحوار قبل فوات الأوان. ..ويبقى الشعر ماذا أخذت من السفر.. كل البلاد تشابهت في القهر.. في الحرمان.. في قتل البشر.. كل العيون تشابهت في الزيف. في الأحزان.. في رجم القمر كل الوجوه تشابهت في الخوف في الترحال.. في دفن الزهر صوت الجماجم في سجون الليل والجلاد يعصف كالقدر.. دم الضحايا فوق أرصفة الشوارع في البيوت.. وفي تجاعيد الصور.. ماذا أخذت من السفر ؟ مازلت تحلم بالليالي البيض والدفء المعطر والسهر تشتاق أيام الصبابة ضاع عهد العشق وانتحر الوتر مازلت عصفورا كسير القلب يشدو فوق أشلاء الشجر جف الربيع.. خزائن الأنهار خاصمها المطر والفارس المقدام في صمت تراجع.. وانتحر.. ماذا أخذت من السفر ؟ كل القصائد في العيون السود آخرها السفر.. كل الحكايا بعد موت الفجر آخرها السفر.. أطلال حلمك تحت أقدام السنين.. وفي شقوق العمر. آخرها السفر.. هذي الدموع وإن غدت في الأفق أمطارا وزهرا كان آخرها السفر كل الأجنة في ضمير الحلم ماتت قبل أن تأتي وكل رفات أحلامي سفر.. بالرغم من هذا تحن إلي السفر؟! ماذا أخذت من السفر؟ حاولت يوما أن تشق النهر خانتك الإراده حاولت أن تبني قصور الحلم في زمن البلاده النبض في الأعماق يسقط كالشموس الغاربه والعمر في بحر الضياع الآن ألقي رأسه فوق الأماني الشاحبه.. شاهدت أدوار البراءة والنذالة والكذب قامرت بالأيام في سيرك رخيص للعب. والآن جئت تقيم وسط الحانة السوداء.. كعبه هذا زمان تخلع الأثواب فيه.. وكل أقدار الشعوب علي الموائد بعض لعبه. هذا زمان كالحذاء.. تراه في قدم المقامر والمزيف والسفيه.. هذا زمان يدفن الإنسان في أشلائه حيا ويقتل.. ليس يعرف قاتليه.. هذا زمان يخنق الأقمار.. يغتال الشموس يغوص.. في دم الضحايا.. هذا زمان يقطع الأشجار يمتهن البراءة يستبيح الفجر.. يسترضي البغايا هذا زمان يصلب الطهر البريء.. يقيم عيدا.. للخطايا.. هذا زمان الموت.. كيف تقيم فوق القبر عرسا للصبايا ؟! علب القمامة زينوها ربما تبدو أمام الناس.. بستانا نديا بين القمامة لن تري.. ثوبا نقيا فالأرض حولك.. ضاجعت كل الخطايا كيف تحلم أن تري فيها.. نبيا كل الحكايا.. كان آخرها السفر وأنا.. تعبت من السفر.. "قصيدة ماذا أخذت من السفر سنة 1986" نقلا عن جريدة الأهرام