اقتربت الثورة المصرية من اتمام عامها الثانى فى ظل اوضاع داخلية اقل ما توصف به انها متردية سواء على الصعيد الاقتصادى او الاجتماعى او السياسى ، نتيجة الازمات السياسية المتعاقب التى مرت بها مصر منذ قيام الثورة و حتى الان ، فقد شهدت البلاد نوعين من الحكم الانتقالى حتى الان ، مرحلة حكم المجلس العسكرى ثم المرحلة الحالية و هى للاخوان المسلمين. والحقيقة ان وراء الأزمة السياسية الحالية في مصر ، هو وجود صراع حقيقي على السلطة بين الإخوان ومؤيدوهم من الأحزاب الإسلامية وبين قوى أحزاب المعارضة المدنية والعلمانية، و على الرغم من ارتضاء الجانبان للديمقراطية كنظام يحكم مصر مابعد الثورة الا ان كلاهما يتخذ الديمقراطية كحائط سد ضد الاخر .. ومنذ تصويت الشعب بنعم خلال استفتاء مارس 2011 على الاعلان الدستورى ، ايقن الاخوان و الاسلاميون ان استراتيجية اللجوء "للساحة الانتخابية" هى الافضل بالنسبة لهم اعتمادا على تواجدهم فى الشارع المصرى ، بينما نهجت المعارضة المدنية و العلمانية استراتيجية اللجوء " للساحة القضائية" من أجل تعزيز قوتهم الخاصة ومنع الإخوان المسلمين من الاستفادة من نتائج الانتخابات .. و يبدو ان الاستراتيجيتان ناجحتان حتى الان فالاخوان نجحوا فى تحقيق الاغلبية البرلمانية و الوصول لمقعد الرئاسة بينما نجح الجانب الاخر فى استغلال الثغرات القانونية و الاطاحة بالبرلمان عبر المحكمة الدستورية و كانوا ياملون فى تحقيق ذلك ايضا مع مجلس الشورى و الجمعية التاسيسية للدستور لولا فرمان الرئيس مرسى الدستورى بتحصينهما . و نجاح استراتيجية كلا من الاخوان و المعارضة لا يعنى انهما يؤمنان بالديمقراطية وانما يستغل كل طرف منهما احكامها لتكسير عظام الاخر بطرق ذات صبغة ديمقراطية .. فالاخوان و يتشبثون بنتائج الصناديق الانتخابية وهذا لا يعنى انهم اكثر ديمقراطية و لكن لأنهم يمكن أن يفوزوا بالانتخابات ، كذلك تلجأ المعارضة للقضاء لانهم يعون جيدا ان فرصهم للفوز في الانتخابات ضئيلة نظرا لوضعهم الضعيف فى الشارع فلا طريق لهم الا عرقلة تقدم الاخوان ومنعهم من الاستفادة من نتائج الانتخابات.. فبدلا من الهجوم يلجأون دائما للدفاع . و قد منحت المعارضة فرصة ذهبية و قامت باستغلالها جيدا حينما قرر قضاة مصر الانخراط فى العملية السياسية و ابتعدوا عن فكرة استقلال القضاء و اعلنوا مقاطعتهم للمشاركة فى الاشراف على استفتاء الدستور . و هذا و لم تبدا الازمة الحقيقية فى مصر مع الاعلان الدستورى المحصن للرئيس مرسى و انما ولدت الأزمة عندما ألغت المحكمة الدستورية العليا الانتخابات البرلمانية وحُل البرلمان الذي كان قد انتخب من قرابة 30 مليون مصرى في الانتخابات اعترف الجميع بأنها حرة ونزيهة. حيث اصبحت البلاد بلا سلطة تشريعية و انتقلت مهامها للمجلس العسكرى الى ان انتقلت لمرسى بعد انتخابه .. لذلك يرى البعض ان قرار حل البرلمان كان قرار سياسي صارخ من جانب المحكمة، وبالطبع رد مرسي بقرار سياسي اخر لوضع نفسه و قرراته فوق متناول المحكمة. و الموقف الحالى فى مصر ليس امرا فريدا ، فانقسام البلاد على نفسها و الصراع على سلطة الحكم هو تكرار بالضبط لما حدث في تركيا في الماضي، ولا يزال مستمرا في تركيا لليوم إلى حد ما . و قد نجح الصراع بين الاسلاميون و المعارضة المدنية و العلمانية فى تقسيم البلاد دون تحديد حجم كل قسم نجد ان هناك أغلبية من يميلون نحو الإخوان و الاسلاميون هم من السواد الاعظم من الشعب ألاقل تعليما، الاكثر فقرا ألاكثر ورعا، الاكثر محافظة و كل هذه الفئات لا يوجد ما يوحدها سوى الرغبة فى الاستقرار و هدوء البلاد و كان بعد نحو اكثر من خمسة اشهر من حكم الاخوان قد تسبب فى فقدانهم لشريحة كبرى من هؤلاء نتيجة العشوائية فى اتخاذ القرارت ولكن على الجانب الاخر نجد ان معارضى الاسلاميين ينقصهم التكتل و يصارع بعضهم البعض حتى ان جبهه الانقاذ الوطنى التى اسست لمواجهه الاعلان الدستورى المحصن و رفض الدستور والاستفتاء عليه تعانى من الكثير من المشاكل و على راسها اختلاف المصالح و وجهات النظر و حدث بها بعض الانشقاقات . ناتى الى الجيش و هو عنصر قوى طالما كان و مايزال جزء من المعادلة السياسية فى مصر ، و كلا من الاخوان و المعارضة يعول عليه للحسم و التاييد لمواقفهما .. فالاخوان بعد وصول مرسى نجحوا فى تحييد الجيش بعد اقصاء قادة المجلس العسكرى و تعيين الفريق أول عبد الفتاح السيسى وزيرا للدفاع و يحسبه الكثيرين على الاخوان ، فيما يراهن الفريق المعارض ايضا على الجيش ليكون حاسما فى لحظة ما ازاء ما يحدث فى مصر .. فهل سيكون للجيش دورا فيما يحدث الان او بعد فترة .. هذا هو السؤال الكبير. و للحقيقة ان الجيش هو قطاع عريض من المجتمع المصري بعد كل شيء. وبه عدد كبير جدا بلا شك من المتعاطفين مع جماعة الإخوان و الاسلاميين و لكن ايضا هناك من يتعاطف مع الجانب المعارض .. و هذه الحقيقة تفترض ان يكون الجيش مثله مثل بقية قطاعات الشعب المصرى منقسم ايضا فيما بينه و تدخل الجيش فى الحياة السياسية مرة اخرى و سط حالة الاستقطاب السياسى المروعة فى المجتمع خطر كبير ومن شأنه أن يخلق أزمة أكبر في بلد بالفعل في أزمة. و الوضع لدينا الآن فى مصر يمكن ان يطلق عليه الوضع المتناقض، باسم الديمقراطية، جانب يرى ان الشرعية فى الصندوق و الاخر يرفض الذهاب للصندوق و كما بينا لكل منهما اسبابه و النتيجة واضحة للعيان .. لكن يجب الا يجعلنا هذا نكفر بالديمقراطية و الشرعية الانتخابية لانه لو وصل الامر لهذا ، فان ماتم انجازه خلال عامين من بعد الثورة و لو كان ضئيلا و غير محسوسا بشكل او باخر ، سيتلاشى و تعود مصر و المصريين الى المربع صفر مع ضرورة ادراك مخاطر تزايد الاستقطاب السياسى و تقسيم المصريين على الحالة العامة للدولة .