نشرت صحيفة النيويورك تايمز الامريكية تقرير حول الاوضاع فى مصر تحت عنوان فرص الديمقراطية فى مصر .. وقالت فيه ان عودة الدبابات والاحتجاجات والموت الى شوارع القاهرة هذا الاسبوع امر مروع.. في الوقت الذى تفشت فيه نظريات المؤامرة التي دفعت كلا من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وخصومهم العلمانيين إلى الاعتقاد بصدق أنهم المدافعين عن الثورة في مصر. و اشار تقرير الصحيفة الامريكية الى ان الانتقادات و الاتهامات الموجهه للرئيس محمد مرسي لتفرده بالسلطة وتسريعه لعملية الاستفتاء على الدستور. . هي الشكاوى التي تعتمد عليها المعارضة العلمانية في البلاد التى تفتقد للتنظيم والى دعم الأغلبية وترفض تقديم تنازلات. واذا لم يحدث تغير مفاجئ في الاتجاه القائم الان ، فان تجربة مصر مع الديمقراطية يبدو أنها ستتجه نحو الفشل. ومن المرجح أن دستور البلاد المعيب سيتم التصديق عليه في استفتاء يوم 15 ديسمبر. و بالتالى فان المعارضة المحبطة و الفاقدة للثقة ستعلن مقاطعة الانتخابات البرلمانية اللاحقة. وسيقوم الرئيس مرسي بتشكيل حكومة " لينة استبدادية" مماثلة لتلك التي شكلها الرئيس السابق حسني مبارك، حيث ستتواجد فيها عناصر من أحزاب المعارضة الصغيرة ، فى الوقت الذى سيهيمن فيه الإخوان المسلمين على الدولة، والسياسة والمجتمع . وترى النيويورك تايمز ان المسئولين ألامريكين - الحريصيون اكثر من أي وقت مضى على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط - سوف يغضون الطرف ويقيمون "علاقة عمل" مع الرئيس مرسي. ونقلت عن "ناثان براون، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن وخبير بارز في شؤون مصر، قوله "أعتقد أن الإدارات الأمريكية ستتعامل مع البلاد العربية من منطلق المقولة :" اين زعيمك؟" ، مشيرا الى أن الولاياتالمتحدة ليس لديها العديد من البدائل. و ليست في وضع يمكنها من دعم انقلاب عسكري أو دعم المعارضة. وقد وجد استطلاع لمعهد جالوب جرى فى سبتمبر 2012 أن 82٪ من المصريين يعارضون قبول الحكومة أي مساعدات اقتصادية من الولاياتالمتحدة. وعلى سبيل المقارنة، فان 42 في المئة من المصريين الذين شملهم الاستطلاع – اى ما يقرب من النصف - يعارض معاهدة السلام مع إسرائيل. و يقول التقرير انه بالنسبة لأولئك الذين يفكرون بان "القيادة الأميركية" هى المفتاح : بان تدعم انقلاب عسكري ، فهذا امر مشكوك فيه فالولاياتالمتحدة تعى الوضع فى المنطقة و ليس من مصلحتها استعداء المتطرفين الإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة وتقديم هدية كبيرة لتنظيم القاعدة. وبالمثل، اذا كانت واشنطن ستدعم علنا المعارضة العلمانية في البلاد، فستُعتبر من وجهه نظر المعارضين " انها ضمن عملاء أمريكا" و ستفقد الدعم الشعبي. وتقول داليا مجاهد، الباحثة الأمريكية التي أشرفت على استطلاع معهد جالوب ان "الاستراتيجية ألاكثر فعالية بالنسبة للولايات المتحدة هو الدعوة لحوار بين حكومة مرسي والمعارضة من وراء أبواب مغلقة ، بينما تظهر واشنطن فى العلن بانها جانب المعارضة ضد مرسى". وقال توماس كاروثرز، وهو خبير في الانتقال إلى الديمقراطية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، ان السبب الوحيد لوجود أمل ضئيل هو أن الصراعات فى مصر ليست غير مسبوقة. فقد شهدت بلدان أخرى التحولات المؤلمة والمضطربة أيضا. أن ما يحدث اليوم في مصر هو الحال عندما تحصل الاغلبية المحرومة على السلطة و تصبح شكاكة و انعزالية بعد سنوات من الصراعات، وغالبا ما تكون مترددة في تقاسم السلطة وترى نفسها على أنها لا تزال عرضه للهجوم و التدمير. وقال كاروثرز ان الصراع فى مصر يعكس المرحلة الانتقالية الصعبة التى لا تزال جارية في بوليفيا . فبعد سبع سنوات من انتخاب ايفو موراليس اول رئيس للبلاد من السكان الأصليين، مازال التوتر يخيم على بوليفيا حيث ان "إعادة التوازن الأساسي للسلطة السياسية" ما زال قائما هناك حتى الان . فالنخبة التقليدية في البلاد وحركة السكان الأصليين ما زالتا تتصارعان لتثق كل منهما فى الاخر و يقبلا بتبادل السلطة فيما بينهما. والحجج المتعصبة بأن الديمقراطية لا تعمل في العالم العربي لا تنطبق على حالة مصر. و شدد كاروثرز على انه "لا يوجد شيء خاص بالعالم العربى فيما يحدث الان ، انها ليست قضية إسلامية في حد ذاتها." ووفقا للسيد كاروثرز ، هناك مقارنة اخرى تثبت ما يحدث من جماعة الإخوان، فقد اكتسب المؤتمر الوطني الافريقي فى جنوب أفريقيا احتكار السلطة بعد الانتخابات في البلاد في مرحلة ما بعد الفصل العنصري الأولى في عام 1994. ومع عدم وجود معارضة قابلة للحياة، نما الفساد وسط المؤتمر االوطنى على نحو متزايد مع توافد الشخصيات الانتهازية عليه.. و اصبح "الحزب مجرد آلة مكتفية ذاتيا، و بدأ الناس ينضمون للحزب من مبدا الانتهازية المحضة". و هذا هو نفس الامر مع جماعة الإخوان فخوفها من احتمال الاضطرار التنحى عن السلطة التي حققتها أخيرا قد يدفع قيادتها لتصبح نوع من الحزب الحاكم و يصبح أعضائها مكروهين . و يختتم تقرير النيويورك تايمز باستعراض وجهه نظر ناثان براون ، الأستاذ بجامعة جورج واشنطن الذى يقول انه في افضل سيناريو ان التصويت بلا على الدستور سيصل الى 30 في المئة، و حينئذا على المعارضة الانخراط في الانتخابات التشريعية اللاحقة. صحيح انها لن تفوز بأغلبية، ولكن ربما ستفوز بعدد كاف من المقاعد لتكون معارضة قابلة للحياة امام جماعة الاخوان المسلمين. وستضطر المجموعتين وسط العداء المستحكم أن يجلسا في البرلمان معا. الوقت والرغبة في الفوز في الانتخابات سيجعل من هذا حل وسط وينقذ فرص مصر في الديمقراطية و يمنعها من ان تتلاشى.