أيهما أفضل لمصر الآن؟ أن يحكم الرئيس محمد مرسي منفردا، يحيط نفسه بمجموعة من المساعدين والمستشارين من اتجاهات سياسية متنوعة، وعندما تجري إنتخابات مجلس الشعب يكلف حزب الحرية والعدالة إذا حصل على الأكثرية بأن يشكل الحكومة منفردا، أو أن يحكم منذ الآن وطوال فترته الرئاسية من خلال حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين للأحزاب الرئيسية في مجلس الشعب القادم؟ من الواضح أن التوجه الأول هو خيار الرئيس المفضل وأن جماعة الإخوان المسلمين التي يعتبر حزب الحرية والعدالة ذراعها السياسية، ترى أن إنفرادها بالحكم هو فرصة كبيرة يجب إغتنامها الآن، والإستفادة منها في طرح نفسها على الشعب المصري بإعتبارها تملك البرنامج القادر على تحقيق النهضة، لإخراج البلاد من أزمتها الراهنة. وأن إنفراد الجماعة بحكم البلاد سوف يعطيها ميزة على الأحزاب والقوى السياسية الأخرى لأنها ستكون قادرة من خلال إنفرادها بالحكم على التمكين لنفسها في أجهزة السلطة وفي المجتمع، وعلى كسب تأييد المصريين باستخدام كافة الأدوات والوسائل التي يتيحها لهم ممارستهم للحكم. وفي اعتقادي أن هذا التوجه سوف يؤدي في الغالب إلى نتائج عكسية، وكما هو واضح الآن فإن الأغلبية التي حققها الإخوان المسلمون والسلفيون في مجلسي الشعب والشورى قد ساهمت في خسارتهم تأييد قطاع لا يستهان به من الناخبين لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق نتائج ملموسة تساعد على حل مشاكل المواطنين. وقد عبر الكثيرون عن خيبة الأمل في أداء نواب الأغلبية وتأكد من الممارسة أن كثيرا من النواب السلفيين ليست لديهم الخبرة السياسية الكافية، ولم ينجحوا في ممارسة أداء برلماني فعال. وشهدت البلاد خلال هذه الفترة التي لا تجاوز بضعة أشهر أوسع موجة إضرابية عرفتها في تاريخها الحديث، فقد تعددت الاضرابات والوقفات الاحتجاجية والإعتصامات التي تطالب بحل المشاكل التي تعاني منها فئات عديدة في المجتمع كالعمال والمهندسين والمعلمين والأطباء وسكان الأحياء العشوائية والمزارعين وغيرهم. وبدلا من تفهم الظروف التي ساهمت في إتساع نطاق الإضرابات وإرتباطها بثورة 25 يناير التي رفعت سقف الآمال في حل مشاكل الشعب المصري بعد أن نجحت الثورة في إجبار مبارك على التنحي وحل مؤسسات النظام ومحاكمة أهم رموز الحكم السابق. بدلا من ذلك تعاملوا مع هذه الإضرابات بإعتبارها مؤامرة لإفشال الرئيس. ومن المؤكد أنه ما لم يحدث تحسن في أحوال الناس فإنهم سيواصلون التعبير عن مطالبهم بعد أن إكتسبوا خبرة التضامن الجماعي من أحداث الثورة، وبعد أن تأكد لهم أن الضغوط الجماهيرية أدت إلى حل مشاكل المضربين. من هنا فإنه من المهم البحث قبل فوات الأوان عن مخرج من هذا الوضع الذي تتراكم فيه المشاكل وتتزايد مطالبة الناس بحل هذه المشاكل. هناك أولا مشكلة الفقر الذي يعاني منه ما يقرب من نصف الشعب المصري حيث لا يستطيع هؤلاء الفقراء توفير الإحتياجات الضرورية لأسرهم، وهناك أوضاع الأجور غير العادلة بحيث لا يوجد حد أدنى كاف لإعالة أسرة العامل بشكل لائق بينما لا يوجد سقف للحد الأقصى للأجور حيث يحصل البعض على ما يتجاوز المليون جنيه شهريا. وهناك أيضا مشكلة البطالة التي يعاني منها ما يقرب من خمسة ملايين مواطن كلهم في سن الشباب ومعظمهم من المتعلمين. فضلا عن مشكلة الأحياء العشوائية المحرومة من المرافق الأساسية ويسكنها ما يقرب من خمسة عشر مليون نسمة. وعلى مستوى الاقتصاد الكلي تعاني الموازنة العامة للدولة من عجز يتجاوز مئات المليارات من الجنيهات لم تتمكن الحكومة من تدبيره حتى الآن وتتخذ إجراءات لفرض ضرائب غير مباشرة سوف تمثل إرهاقا للمواطنين حيث يتساوى الفقراء والأغنياء في تحملها. ولا تزال السياحة متوقفة تقريبا بسبب ما يجري في سيناء من أعمال إرهابية وتحذير معظم الدول رعاياها من زيارة مصر. في ظل هذا كله فإن إنفراد الرئيس وحزبه بحكم البلاد لن يكون الخيار الأفضل بل سوف يساهم في تراجع التأييد الذي حصل عليه في الإنتخابات. وبديلا عن ذلك فإن التوجه إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها الأحزاب الرئيسية وفق برنامج سياسي تساهم هذه الأحزاب في صياغته سوف يكون الخيار الأفضل لأنه سيقوم على رؤية مشتركة تقوم على سياسة إقتصادية تعطي الأولوية للتنمية المعتمدة على النفس بدلا من الإقتراض من الخارج وتلتزم بتوزيع ثمار التنمية وفق أسس العدالة الإجتماعية، وتضع ترتيبا للأولويات يتماشى مع احتياجات فئات الشعب المختلفة، وعندما يشارك في الحكم دائرة واسعة من الأحزاب فإن ذلك سيوفر للحكم قاعدة تأييد جماهيري واسعة، وستحقق تعبئة للمشاركة في العمل الوطني وتحمل المشاكل فترة معقولة يتم خلالها تنفيذ هذا البرنامج الذي يحظى بتأييد شعبي واسع، وبالإمكان في هذه الحالة دراسة المطالب الإجتماعية والفئوية من خلال دراسة ميدانية ويتم وضع جدول زمني للإستجابة لهذه المطالب يكون موضع تفاوض بين صانع القرار وأصحاب المطالب. وليس من شك في أن هذا التطور الإقتصادي الإجتماعي سوف يساعد على تحقيق الإستقرار في المجتمع. وجدير بالذكر أن هذا الإستقرار مطلوب بشدة لتمكين الحكومة من معالجة مشاكل أخرى عديدة على رأسها إستعادة الأمن وتطوير الخدمات التي تدهورت بشكل ملحوظ، خاصة في مجال التعليم والصحة وإعادة بناء نظام الحكم المحلي بما يضمن مشاركة الناس في إدارة شئونهم المعيشية اليومية بأنفسهم، ووضع برامج محلية للتنمية وممارسة الرقابة الفعالة على المرافق العامة وأجهزة الخدمات. وعندما تحقق هذه العملية نتائج ملموسة يمكن تجاوز المرحلة الإنتقالية التي تمر بها البلاد وتكليف الحزب الحاصل على الأغلبية في الإنتخابات التشريعية التي ستجرى عام 2016 بتشكيل الحكومة، وبذلك فإن حكومة الوحدة الوطنية تكون قد حققت الهدف الأساسي لها وهو تجنيب البلاد مخاطر شديدة تتعرض لها حاليا. نقلا عن جريدة الأهرام