هل تعرف شكل الاسهم المتداولة بالبورصة.. ما شكل قاعات ومقرات التداول التي شهدت على عمل سوق المال المصرية على مدى نحو 130 عاما.. كيف كان يجري التداول في مختلف العصور.. إجابة تلك الاسئلة في "متحف البورصة المصرية".. الذي اسدلت ادارة السوق الستار عن المرحلة الأولى منه الاحد. ويضم المتحف قاعتين.. الاولى هي "الكروبيه" قاعة التداول السابقة بالبورصة والتي ظلت مقرا للتداول حتى ابريل الماضي وتحوي شاشات البورصة وعدد من الوثائق. والثانية هي القاعة المقابلة للكروبيه وتضم ساحة تداول سابقة واشكال لاسهم الشركات على مر العصور بجانب صور قديمة لبداية التداول بالبورصة. وتعتبر البورصة المصرية واحدة من أقدم البورصات التى تم إنشائها في الشرق الأوسط، حيث تعود جذورها إلى القرن التاسع عشر عندما تم انشاء بورصة الاسكندرية فى عام 1883 وتلتها بورصة القاهرة عام 1903. وافاد رئيس البورصة الدكتور محمد عمران بان المتحف يضم بين جنباته وثائق نادرة تعود إلى عقود عدة سابقة استغرق جمعها وإعادة ترميمها سنوات من العمل الجاد مع عدد من الشركاء الفاعلين فى حماية التراث. وقال "المتحف يمثل دعوة للافتخار بالماضي والحاضر.. فخلال الأربعينات من القرن الماضي كانت البورصة المصرية واحدة من أنشط 4 بورصات في العالم ويحمل الحاضر أيضا الكثير من الانجازات التى يجب البناء عليها لتفعيل دور البورصة في خدمة الاقتصاد وخاصة في تلك المرحلة المهمة من تاريخ أمتنا". بورصة الإسكندرية خلال القرن التاسع عشر كان السوق الآجل بالإسكندرية من أقدم الأسواق الآجلة في العالم. ووفقا لبيانات البورصة المصرية، تمت أول صفقة قطن محلية مسجلة في عام 1885 بمقهى أوروبا السكندري بميدان "Des Consuis" والذى سمي لاحقاً ميدان محمد على، حيث كان تجار القطن يجتمعون ويعقدون صفقات قائمة على العرض والطلب بشأن القطن طويل التيلة ( كرنك ومنوف) أو القطن قصير إلى متوسط التيلة ( أشموني، جيزة وزاجورا) وعلى مدار السنوات امتدت تلك الصفقات لتشمل نوعيات بذور القطن المختلفة مثل عفيفي وسكلاريدز. وكان المتممون الاولون لصفقات القطن الأولون ينتظرون وصول صحيفة الأنباء من أوروبا لكي ترشدهم في عملياتهم فى المستقبل، وكانت السمعة الطيبة تؤثر على كل حركة. ونال مزارعو القطن الذين كانوا يقومون بتسليمه فى الموعد المحدد ثقة المصدرين ومن ثّم كانوا يتسلمون طلبات كبيرة فى الموسم التالى. فكان احترام المواعيد والمصداقية ذاتا أهمية جوهرية إذا ما أرد التاجر تحقيق ربحاً. ومن المقهي الأوروبي السكندري انتقل متممو صفقات القطن إلى مبنى مجاور وعندما بدأ العمل يتزايد أنشئت هيئة الإسكندرية للقطن (سميت لاحقاً بالهيئة السكندرية العامة للغلة أوال AGPA) بغرض التجارة في القطن وبذور القطن والحبوب في الأسواق الفورية والآجلة. وفى عام 1899 خلال عهد الخديوى عباس الثاني انتقلت الAGPA إلى مبنى جديد، ومن ثّم أطلق عليها البورصة بميدان محمد على. وأصبحت بورصة الإسكندرية إحدى معالم المدينة التى تظهر على بطاقات البريد، والكتب والدليل الإرشادي للمدينة. وأصبحت البورصة بطرق عديدة النقطة المركزية لمجتمع المدينة المالي. وقننت عقود بيع القطن الآجلة فى عام 1909 لتتوافق مع انتعاش مصر بعد الهبوط الإقتصادى الكبير الذى جلبه الإنهيار المالى لعام 1907، عندما انهارت المؤسسات المصرفية والعقارية للأسواق في المضاربات. وكان التدخل الحكومي حتى ذلك الوقت غائباً من الناحية الفعلية، ومن ناحية أخرى، ظل السوق الفوري لميناء الباسال معزولاً حتى عام 1931. ومن بين سماسرة القطن الخمسة والثلاثين المسجلين فى عام 1950 لم يكن هناك سوى اثنين فقط من المصريين. وتألف مديرو بورصة الإسكندرية من مزيج غير متساوى من المصريين، والشاميين واليهود وكان رئيسها سورى الجنسية يدعى جول كلات بك. وعلى الرغم مما إتسمت به الAGPA من مزيج عرقي إلا أن الهيئة كانت قد قطعت شوطاً كبيراً بعد تحكم البريطانين فيها لفترة طويلة من خلال أكبر مصدرين للقطن في الإسكندرية وهما عائلة كارفرو وعائلة موس. وازدادت قبضة هذين المصدرين على سوق التصدير المربح بعد أن تزوج أحد أبناء عائلة كارفر من وريثه عائلة موس. وعلى نحو مماثل، سيطر الأجانب فى الأغلب على مغازل حلج القطن، وكان في مقدمة هؤلاء الأجانب في القرن الماضي سيليج كول (مانشستر) و(عائلة البلانتاس (ليفر بول) وعائلة لندمانز (براغ) وكذلك ودرسدن وعائلة كورامي بناكي سافاكوس ممثلين عن الرابطة اليونانية. وحتى الخمسينيات من القرن العشرين كان معظم التداول يتم مع بورصة القطن "بليفربول" كشاهد على روابط مصر القوية بالإمبراطورية البريطانية. وإستخدمت تجارة القطن المصرية على نحو متفاوت سياسياً خلال فترات الحروب – عكس حال النفط الآن – حيث كانت تبرز كشرط فى أغلب إتفاقيات مصر الدولية، فقد كانت تلك التجارة آداة رئيسية للمساومة وكذلك آداة تعزيز للعملة المصرية. واعتمدت تجارة مانشستر القوية بشكل مكثف على ذلك المصدر الرئيسي والذى كان مسئولاً عن تكوين ثروات لا توصف في المملكة المتحدة. كان هناك أيضاً لجنة القطن المصرية المشتركة ومعهد القطن، وهما مؤسستان موقرتان منضمتان إلى المؤتمر الدولى للقطن. ومع مرور الوقت، أخذ عدد المصدرين الداخلين في هذه التجارة يزداد، وضم التجار الجدد كل من طلعت حرب باشا، مؤسس مجموعة شركات بنك مصر، ومحمد فرغلى باشا، رئيس هيئة مصدري القطن بالإسكندرية، ومن جانب الخبراء كان من بين الجدد أحمد عبد الوهاب باشا وهو وزير مالية سابق وفؤاد أباظة باشا مدير الجمعية الملكية الزراعية وبينما كانت طبقة المفكرين المحلين على وشك أن تأخذ دورها فى السيطرة والتحكم، ظهرت التجارة الزراعية تحت حماية الدولة من خلال سلسلة من قوانين الإصلاح الزراعى ولذا تحول القطاع الزراعي إلى ملكيات صغيرة غير مربحة وجمعيات تعاونية بيروقراطية. بورصة القاهرة أعاد كبير تجار وسماسرة القاهرة السيد موريس كاتاوى لفت انتباه التجار والسماسرة مرة أخرى أثناء إحدى اجتماعاتهم غير الرسمية بمقهى نيوبار إلى أن الوقت قد حان لكي تنتهج القاهرة نهج الإسكندرية ويكون لها بورصة خاصة بها. وأصبح من الصعب على رؤساء المنشآت الأجنبية إجراء اتفاقات في شوارع القاهرة الجانبية أو داخل المقاهي والفنادق بشأن تمويل حكوماتهم لمشروعات تستهدف كسب التأييد وربحية أشخاص بعينهم، وذلك فى ظل وصول عدد الشركات ذات المسئولية المحدودة إلى 79 شركة برأس مال إجمالي بلغ 29 مليون جنيهاً مصرياً. ومن هنا كان ميلاد بورصة القاهرة ففى يوم الخميس الموافق 21 مايو 1903 قامت اللجنة الخاصة برئاسة موريس كاتاوى بك باختيار المبني القديم للبنك العثمانى ( وهو الآن مبنى جروبي – فرع عدلي) الكائن بشارع المغربي كمقر رسمى- ولكن بصفة مؤقتة – للشركة المصرية للأعمال المصرفية والبورصة – المؤسسة حديثاً – شركة ذات مسئولية محدودة. واستأجرت الشركة الجديدة بما لديها من خطط طموحة هذا المبنى لمدة 6 سنوات غير قابلة للتجديد وبإيجار سنوى بلغ 400 جنيهاً، وفى نفس الوقت تم الإعلان عن مسابقة دولية لتصميم بورصة يكون مقرها المنطقة الأوربية بالقاهرة ، ليس بعيداً عن مقر البنك الأهلى المصرى ( مقر البنك المركزى الآن). ولقد حاز المهندس المعماري الفرنسى راوؤل براندون على جائزة أفضل تصميم في إبريل 1907 (براندون هو مصمم متاجر أوروسدى باك بالقاهرة). ولم يكن هناك توقيت أفضل من ذلك أو هكذا أعتقد الجميع، فقد كان داعمو ومناصرو قيام البورصة يتمتعون بجرأة دفعتهم إلي النجاح والنمو. وكان أمراً معروفاً للجميع أن بورصتا القاهرةوالإسكندرية، عند اجتماعهما، احتلا مركزاً بين أكبر 5 بورصات على مستوى العالم. وكان اقتصاد مصر منتعش في ذلك الوقت وبلغ عدد الشركات المتداولة فى بورصة القاهرة وحدها 228، بإجمالي رأس مال قدره 91 مليون جنيهاً. وكان هناك 73 سمساراً ووسيطاً متوفرون شئون تجارة الأسهم في طفرتها ومما لا شك فيه أن المبنى المتواضع بشارع المغربي استطاع أن يتجاوز الفائدة التى صمم من أجلها. وسرعان ما اختفت حالة الشعور بالنشاط حيث أفسحت الرغبة في الحرص والتدبر المجال للمضاربات التي تنطوي على مخاطرة عالية، وعرفت تلك الفترة في السجلات التاريخية للمضاربات عام 1907. ويسلم بعض المؤرخين بأن الذعر المالي الذي وقع عام 1907 بدأ في الإسكندرية مع إخفاق بنك في يوليو من هذا العام ألا وهو بنك كاسادى سكونتو. وضرب هذا الإنهيار اليابان بعد ذلك، ثم ألمانيا ثم شيلي، ومع حلول شهر أكتوبر إمتد ليشمل أوروبا والولايات المتحدةالأمريكية. وفي مصر أخذت المصارف شديدة التوسع في الانهيار واحد تلو الآخر وحيث انخفضت أسعار الأسهم بسرعة شديدة، وقد تم تعيين آفرد نعمان السمسار الذي أصبح بدون عمل آنذاك – كمصفي رئيسي للشركة المصرية للأعمال المصرفية والبورصة كشركة ذات مسئولية محدودة. وبعد انقضاء 18 شهراً من إعلان براندن عن جائزة لتصميم البورصة التي لم يقدر لها أن تعمل، وقامت مؤسسة وكلاء العملة بتفويض المنشأة المصرية التي يمتلكها ادوارد معتسك وموريس كاتاوي بالاشتراك مع إيرنست جاسبار مبنى لسوق الأوراق المالية وتشييده. وقد بدأ الصرح المشيد من أجمل المباني أو المجموعات البنائية فى القاهرة. وأخيراً وبعد طول انتظار أصبح للقاهرة منصة تداول حقيقية يحوطها شرفة عالية يمكن منها للجمهور المهتم أن يراقب حركة تداول الأسهم. وتم تشييد هذا المبنى المواجه للقنصلية الفرنسية وبترتيب من بنك ليودز، غرفة التجارة البريطانية، والبنك الأهلي المصري والبنك الوطني للتنمية حاليا. وبدأت حركة التداول بالكاد فى إبريل 1909 بشارع البورصة الجديدة. وفى عام 1928، قبل انهيار "وول ستريت" بعام، انتقلت بورصة القاهرة إلى المبنى الحالي الكائن بشارع الشريفين. وقام بتصميم المبنى بطرازه الإغريقي المحدث المعماري الفرنسي جورج بارك والذى قام ببناء معظم مبانى القاهرة الأنيقة بما فى ذلك مبنى متجر صيدناوى بميدان خازيندار، والجدير بالذكر – هذا الأمر سواء كان قد أكتشف بالمصادفة أو بدونها- أن الموقع الذى بنى عليه متجر صيدناوى كان يوماً ما مكان اللقاء الأول بين تجار القاهرة المضاربين قبل تكوين أول بورصة بالقاهرة. وحيث أن موريس كاتاوى الداعم والمناصر الأصلي لبورصة القاهرة قد توفى فى عام 1924، ولم يكن بالطبع ليعرف أن بعد أربع سنوات من رحيله سوف تنقل البورصة موقعها لتصبح كائنة على جزء بطول الطريق حتى ميدان سليمان باشا (وهو ميدان طلعت حرب الآن). وظلت حركة التطور في بورصتي القاهرةوالاسكندرية، حتى اصبحتا مجتمعتان من أفضل 5 بورصات في العالم في الاربعينات، ومع قيام ثورة 1952 وبدء حركة تأميم القطاع الخاص والاتجاه إلى الاشتراكية فقد تراجع دوره بشكل كبير فقد تضاؤل دور البورصة المصرية بصورة كبيرة، وذلك حتى التسعينات من القرن العشرين. وفى بداية التسعينات بدأت مصر تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي والذى تضمن تفعيل دور القطاع الخاص مما اعاد إحياء سوق المال المصري مرة أخرى خاصة مع وضع قانون سوق المال رقم 95 لسنة 1992، وفي عام 1994 تحولت البورصتان من التداول اليدوى إلى استخدام نظام الكترونى للتداول. وفي النصف الثاني من التسعينات بدأت الحكومة فى تطبيق برنامج الخصخصة والذى تم طرح عدد كبير من الشركات من خلال البورصة مما ساهم فى إنعاش السوق بشكل كبير وجذب شريحة كبيرة من المستثمرين إلى السوق المصرى، حيث تمثل تلك الفترة البداية الحقيقية لازدهار البورصة المصرية مرة أخرى فى العهد الحديث. وفي عام 1996 بدأت شركة مصر للمقاصة فى مزاولة عملها ثم تلى ذلك خطة شاملة لتطوير وتحديث البنية التحتية والتشريعية لمواكبة التطورات السريعة على الساحة الدولية، حيث أصبح لللبورصتان مجلس إدارة واحد، وتم توحيد نظام التداول والمقاصة والتسوية بين البورصتين. وفى عام 1999 تم إنشاء إدارة للإفصاح لضمان تحقيق الكفاءة والشفافية بين المتعاملين، تلاها فى عام 2000 صندوق ضمان التسويات لتوفير الضمان لتسوية العمليات. ولكن الركود الاقتصادي في ذلك الوقت سرعان ما أثر على اداء البورصة ودفع حركة التداول إلى الركود وكان الركود هو الاتجاه السائد ليس فى مصر فقط ولكن فى غالبية الأسواق العالمية. وفي عام 2001 تم إنشاء شركة مصر لنشر المعلومات EGID وتلاها فى نفس العام استبدال النظام الالكتروني المحلي الصنع بنظام اخر مصمم من قبل EFA العالمية، والذى تم تحديثه مرة أخرى فى عام 2008 بالنظام الأكثر تطوراً X-Stream المصمم من قبل Nasdaq OMX. وفى عام 2002 تم لاول مرة الغاء الحدود السعرية على الشركات الأكثر نشاطاً، كما تم إعادة تنظيم سوق خارج المقصورة ليضم سوقاً للأوامر وأخر للصفقات. وفى عام 2003 اعتمدت هيئة سوق المال الأمريكية البورصة المصرية كبورصة أوراق مالية مسجلة بالخارج، كما تم فى نفس العام إطلاق مؤشر CASE30 ليحل محل مؤشر CASE50. وفي عام 2005 تم اتمام الربط الألى بين البورصة وشركة مصر للمقاصة كما بدأ العمل بنظام البيع والشراء فى ذات الجلسة، وفى نفس العام تم قبول البورصة المصرية فى الاتحاد العالمى للبورصاتWFE. وفي عام 2006 نجحت البورصة فى إدخال نظام التداول عبر الانترنت، كما شهد العام قيام شراكة استراتيجية بين البورصة المصرية وناسداك OMX من خلال التشارك فى شركة مصر لنشر المعلومات. وفى عام 2007 تم تخفيض زمن التسوية للبورصة المصرية ليصبح T+2 بدلاً من T+3، وتم إنشاء بورصة النيل للشركات المتوسطة والصغيرة فى نفس العام. وفي عام 2008 تم إعادة تسمية بورصتى القاهرةوالاسكندرية لتصبح البورصة المصرية. ومثلت تلك الفترة فترة إزدهار حقيقية للبورصة المصرية حيث كانت فى أوج نشاطها وسط صعود قوى للمؤشرات تأثراً بالنمو الاقتصادى المحلى والعالمى فى تلك المرحلة. ولكن نشوء الأزمة العالمية وقيام ثورة 2011 في مصر أثر بشكل كبير على أداء البورصة المصرية حيث تراجعت أحجام التعاملات وواجهت البورصة تحديات جديدة نتيجة الحراك السياسي فى تلك الفترة.