أصبح الحفاظ علي مصداقية معاهدة منع الانتشار النووي قضية الساعة علي الساحة الدولية ولاسيما أن هذه المعاهدة باتت تتعرض لإخفاقات متتالية بسبب لجوء القوي الكبري لاتباع سياسة المعايير المزدوجة في التعامل مع الأزمات التي تثار في هذا الشأن مما دفع دولة مثل كوريا الشمالية ورغم كونها عضوا في المعاهدة للسعي لتملك السلاح النووي ودولة مثل إيران للسعي نحو تخصيب اليورانيوم بنسبة مرتفعة. وفي الوقت الذي تمارس فيه ضغوط دولية شديدة علي هاتين الدولتين للتخلي عن برامجهما النووية، فليس هناك أي صوت من الأسرة الدولية ينادي كلا من إسرائيل والهند وباكستان بالتخلي عن أسلحتها النووية والانضمام إلي المعاهدة. وفى اطارالمساعى الرامية لدعم وتفعيل هذه المعاهدة ،تأتى مشاركة مصر فى الاجتماع التحضيرى الأول لمراجعة معاهدة منع الانتشار النووى الذى يبدأ فعالياته بالعاصمة النمساوية "فيينا "اليوم الاثنين ،وقد أعلنت نائلة جبر مساعدة وزير الخارجية المصرية للعلاقات متعددة الاطراف و المنظمات الدولية انها سترأس وفد مصر فى جلسات المؤتمر ، وسيتم خلاله مناقشة عدة اوراق عمل لطرح وجهة النظر المصرية ازاء تحقيق عالمية المعاهدة و الاستخدام السلمى للطاقة النووية و ضرورة نزع السلاح النووى .كما تم اعداد ورقة عمل منفصلة حول موضوع اخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل حيث ان عملية التمديد النهائى للاتفاقية عام 1995 قامت على هذاالأساس مما يربط الموضوع عضويا و قانونيا بالمعاهدة . وأكدت مساعدة وزير الخارجية أن اسرائيل بوضعها النووى الحالى تمثل تحديا سافرا لارادة المجتمع الدولى وأن فكرة انضمام اسرائيل كدولة نووية لمعاهدة منع الانتشار النووى فكرة غير مقبولة لدى مصر ، ولن تكون هناك مرونة مع المحاولات التى تبذلها بعض الأطراف من أجل قبول انضمامها كدولة نووية قياسا على الهند واصفة هذه المحاولات بانها خلط للاوراق. وفيما يتعلق بموقف مصر من برنامج ايران النووى ، فهى ترى انه من حق ايران الاستخدام السلمى للطاقة النووية ولكن يجب على ايران أن تؤكد فى الوقت نفسه تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتعزز تعاونها فى اطار من الشفافية مع الوكالة حيث إن مصر لن تقبل اطلاقا انتقال البرنامج النووى الايرانى الى الاستخدامات العسكرية. وحذرت نائلة جبر من محاولات بعض الدول التخلص من اتفاقية منع الانتشار النووى مشيرة الى أن مصر لن تسمح بذلك مطلقا حفاظا على النظام متعدد الأطراف مشيرة لوجود تنسيق مصرى مع كل من المجموعة العربية ومجموعة دول عدم الانحياز و مجموعة الاجندة الجديدة وهى مجموعة تعمل على نزع السلاح النووى وتضم جنوب افريقيا و السويد و ايرلندا و المكسيك و نيوزلاندا لتحقيق عدة اهداف مثل عالمية المعاهدة واحداث تقدم فى مجال نزع السلاح النووى وتأكيد الحق فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية و اعلان المنطقة خالية من اسلحة الدمار الشامل . وفى السياق ذاته ، صرح مؤخراً وزيرالخارجية أحمد أبو الغيط عقب استقباله يوكايا امانو سفير اليابان لدى النمسا ورئيس اللجنة التحضيرية لاجتماع بأن مصر لديها مواقف واضحة ستعمل على طرحها خلال اجتماع اللجنة التحضيرية المقبلة خاصة الدعوة الى انشاء منطقة خالية من السلاح النووي فى الشرق الاوسط ولفت ابو الغيط الانتباه في تصريحاته الى اهمية انضمام اسرائيل لمعاهدة منع الانتشار النووي باعتبارها الدولة الوحيدة فى المنطقة التى لم تنضم حتى الان الى المعاهدة محذراً من ان عدم وضع قرار اخلاء الشرق الاوسط من السلاح النووي الصادر من لجنة المراجعة عام 1995 موضع التنفيذ على الرغم من مرور 12 عاما على اعتماده هو أمر يبعث على القلق ولايسهم فى تحقيق الامن والاستقرار فى الشرق الاوسط. واوضح ان مصر لن تدخر وسعا للعمل على انجاح الاجتماع الأول للجنة التحضيرية فى اطار حرصها على دعم معاهدة منع الانتشار النووى من أجل التحكم فى عملية منع الإنتشار النووى بحيث تكون هناك ضمانات وضوابط أفضل لضمان إمداد الوقود النووى اللأزم للمفاعلات التى تعمل فى مجال الأغراض السلمية . ومن ناحيته ابدى السفير أمانو تفهمه كرئيس للجنة التحضيرية لمؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار للاهمية التى توليها مصر لموضوع اخلاء الشرق الاوسط مؤكدا دعم بلاده لموقف مصر المطالب بانشاء المنطقة الخالية من السلاح النووي. ومنذ بداية الستينيات ، كانت مصر على الدوام من أوائل الدول الرئيسية الداعية إلى منع الانتشار النووى على الساحة الدولية ، ولعبت دوراً رئيسياً فى الجهود الدولية التى جرت منذ تلك الفترة، وفى مقدمتها معاهدة منع التجارب النووية فى الغلاف الجوى والفضاء الخارجى وتحت الماء، التى أبرمت فى عام 1963، كما كانت مصر من أوائل الدول التى دعت إلى صياغة معاهدة منع الانتشار النووى، وشاركت فى مفاوضات صياغة هذه المعاهدة، ثم كانت من أوائل الدول التى وقعت عليها فور الانتهاء من صياغتها فى الأول من يوليو 1968.وكانت هذه الممارسات من جانب مصر تعبيراً قوياً عن رغبتها منذ فترة مبكرة فى الحيلولة بكل قوة دون نشوب سباق تسلح نووى فى الشرق الأوسط. وفى خطوة لاحقة، بلورت مصر سياستها فى هذا المجال بصورة أكثر تكاملاً، من خلال مبادرة الرئيس حسنى مبارك فى أبريل 1990 بشأن إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والتى تميزت بأنها لم تقتصر فقط على الأسلحة النووية، وإنما ركزت على جميع الأنواع من أسلحة الدمار الشامل، بما يخلق نوعاً من الربط بين تلك الأسلحة. ويقوم المنطق الرئيسى وراء مثل هذا الربط على أنه لا يجوز فى سياق التعامل الدولى مع قضايا من نوع تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية، أو الأزمة النووية الإيرانية، أن يتم النظر إلى هذه القضايا باعتبارها جهداً دولياً منعزلاً عن القضايا الأوسع لضبط التسلح فى الشرق الأوسط، لاسيما مسألة امتناع إسرائيل عن التوقيع على معاهدة منع الانتشار النووى، وإنما لابد من المعالجة المتكاملة لتلك القضايا من منظور أكثر شمولاً يضع فى الاعتبار المصالح الأكثر إلحاحاً لدول المنطقة. وطبقت مصر هذا المنهج فى العديد من المناسبات ، يجئ فى مقدمتها مسألة إزالة أسلحة الدمار الشامل العراقية، عقب حرب تحرير الكويت فى أوائل عام 1991. وتكرر هذا المنهج أيضاً فى مفاوضات الأمن الإقليمى وضبط التسلح، التى جرت فى إطار عملية مدريد للسلام فى الشرق الأوسط، فى أواخر عام 1991، حيث رفضت مصر الأفكار الجزئية التى طرحها الإسرائيليون والأمريكيون بشأن البدء بإجراءات بناء الثقة أو التركيز على قضايا التسلح التقليدى.. وغير ذلك. وقد طبقت مصر المنهج ذاته فى موقفها من معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية فى عام 1992، فطالبت بضرورة تضمين مشروع المعاهدة ضمانات فعالة لحماية الأعضاء ضد استخدام أو التهديد باستخدام أى نوع من أسلحة الدمار الشامل، لتحقيق التكامل بين جهود ضبط التسلح فى كافة المجالات، إلا أن الدول المالكة للأسلحة النووية رفضت هذا المطلب، مما دفع مصر لرفض التوقيع على المعاهدة، باعتبار ذلك نوعا من الاحتجاج الرمزى على مضمون المعاهدة. وفى مؤتمر التمديد اللانهائى لمعاهدة منع الانتشار النووى فى عام 1995، أصرت مصر على ربط موافقتها على تمديد المعاهدة بضرورة انضمام إسرائيل إليها. ومع أن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل، إلا أن مصر نجحت فى أن تنتزع من المؤتمر قراراً خاصاً بالشرق الأوسط، يؤيد بقوة هدف إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى وكافة أسلحة الدمار الشامل ووسائل إيصالها، ويدعو جميع الدول غير الأعضاء فى معاهدة منع الانتشار النووى إلى الانضمام إليها، وإخضاع أنشطتها النووية للإشراف الكامل من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. 30/4/2007