يبدو ان الهاجس الصيني بالسيطرة والتوسع العالميين، لا أفق له، فبعد العلاقات الثنائية الوطيدة التي شرعت بكين بنسجها مع عدد من الدول الآسيوية لتعزيز سياستها واقتصادها، تتجه الانظار الصينية اليوم باتجاه القارة السمراء من جهة وأمريكا اللاتينية من جهة اخرى، ليس فقط من أجل روابط التجارة والاقتصاد، بل أيضاً لتعزيز التعاون العسكري، بحيث ان الصين لم تعد ترغب في اقتصار عبارة «صنع في الصين« على السلع والبضائع «المدنية« وباتت ترغب في شمولها القطاع العسكري أيضاً. وفي هذا الاطار عهدت بكين إلى جيش التحرير الشعبي بمهمات من الطراز الرفيع لتعزيز التعاون والتبادل التكنولوجي العسكري بين الصين والدول الافريقية واللاتينية بما يشمل تأهيل وتدريب العسكريين في هذه الدول عبر انخراطهم في الاكاديميات العسكرية الصينية، وفي تقديم كل المساعدات اللازمة للمساعدة على بناء هذه الجيوش. كما عمدت بكين إلى إشراك قوة من جيش التحرير الشعبي في مهمات الأممالمتحدة لحفظ السلام. «أورينت برس« تعرض في التقرير التالي دور الجيش في مساندة الاستراتيجية الصينية تجاه افريقيا وأمريكا الجنوبية: يتزايد في الآونة الأخيرة الحديث عن الدور الصيني المتعاظم كقوّة آسيوية صاعدة، بحيث يقال ان اللاعب الأصفر يدك بيد من حديد كل الحواجز التي تقف عائقاً أمام تحقيقه ما يصبو إليه، ولكن ما يجب التركيز فيه هنا هو أن هذا اللاعب - المارد لا ينطلق من العدم أو بصورة عشوائية نحو أهدافه، بل يسير ضمن خطة ممنهجة محسوبة الأبعاد والنتائج ويستفيد من كل ثغرة يجدها في صفوف الدفاع التي تجابهه، ليخترق لاعبي الصفوف الأمامية ويسجل هدفه بنجاح. اليوم، يتزايد الوجود الصيني في القارة السمراء وفي أمريكا اللاتينية رغم كل التحدّيات والقوى المنافسة، ولأنه صادف نجاحاً في القطاعات الاقتصادية، نجد أن بكين تعدّ العدّة لتتحوّل إلى قاعدة للإنتاج وللتبادل العسكري. كيف؟ الإجابة حسبما جاءت من الصين هي في: توسيع دور جيش التحرير الشعبي وحفز نفوذه في الدول المستهدفة. علاقات وطيدة استناداً إلى جيش التحرير الشعبي، عمدت الصين إلى إقامة شبكة علاقات وطيدة مع الدول الافريقية واللاتينية، بحيث انها وكخطوة أولى، تستقبل عسكريي هذه الدول من مختلف الرتب والأعمار ليجرى تأهيلهم وتدريبهم في أكاديميات الجيش بما يشمل التدريب على الاستراتيجيات العسكرية، وعلى مختلف أنواع السلاح، وإجراء دورات تأهيلية حول صيانة وهندسة القطع الحربية إضافة إلى دورات لوجستية خاصة وأخرى مخابراتية، ودورات لتعزيز الاتصالات. وبذلك يكون للجيش الصيني تأثير فاعل في الجيوش السمراء واللاتينية خصوصاً أنّ الدورات التدريبية لا تقتصر على الجنود بل تشمل كبار الضباط أيضاً، ولا تجرى فقط في الصين بل ان الجيش الصيني يرسل ضباطه إلى الدول المستهدفة ليشرفوا على الدورات التدريبية على أرض الواقع. وللمثال فقد استقبلت الصين العسكريين من كوبا وفنزويلا وكولومبيا والأرجنتين وتشيلي والمكسيك وغيرها الكثير من دول امريكا اللاتينية، كما أرسلت بعثات تدريبية مكثفة إليهم، وفي القارة الافريقية عززت الصين روابطها العسكرية مع أكثر من 43 دولة واستقبلت الكثيرمن العسكريين لاخضاعهم لدورات عسكرية ولوجستية مكثفة. مساعدات عسكرية وفي السياق نفسه، تقدم بكين مساعدات عسكرية إلى الدول اللاتينية والافريقية بحيث تتبرّع بالشاحنات وبالكثير من المعدّات العسكرية من خيم وملابس وآليات متطوّرة ومعدات للصيانة وبعض الأسلحة الخفيفة، فضلاً عن سفن لخفر السواحل كالتي أعطتها إلى بوليفيا. إلا أن ما تفعله الصين من خطوات تكتيكية يندرج في اطار خطة استراتيجية تهدف إلى تعزيز وجودها العسكري في افريقيا وجنوب امريكا فهي بدأت بتعزيز التبادل العسكري ومد يد العون لإعادة تدريب الجيوش وبنائها، لكنها تطمح إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير خصوصاً أن الحديث بدأ عن توقيع صفقات من قبل الدول المذكورة لشراء السلاح من الصين، وللمثال فقد وقعت الصين حديثاً اتفاقية مع فنزويلا لتؤمن لها ثلاثة رادارات حربية من طراز (ےتضج-1)، التي وصلت قيمتها إلى 150 مليون دولار أمريكي، علماً بأن كلفة هذه المعدات في الغرب توازي ضعفي المبلغ الذي طلبته بكين. وهو أمر يخولها الدخول إلى أسواق أمريكا اللاتينية وإثبات نفسها كمصدر أساسي لإنتاج السلاح والمعدات العسكرية وك «صديق« للدول النامية. مع ذلك، يبدو أن الصين حذرة جداً في صياغة علاقاتها العسكرية خوفاً من لفت أنظار النسر الأمريكي الذي لايزال القوة الكبرى المسيطرة، ولاسيما في حديقتها الخلفية أمريكا اللاتينية. ومن هنا فإن بكين تبنّت سياسة حذرة وهادئة جداً، فهي تخاف التسرّع كي لا ينعكس ذلك على مصالحها الاقتصادية الأخرى خصوصاً أن كلاً من افريقيا وأمريكا اللاتينية تشكلان مصدراً غنياً للثروات الطبيعية ومصادر الطاقة وهي لا تريد خسارة ذلك لأي سبب كان. وبموجب خطتها الاستراتيجية فهي تدرك تماماً كيف ستتحرك في المستقبل. التمثيل الدبلوماسي الجدير ذكره، ان الصين لم تقم روابط خاصة مع الدول اللاتينية المناهضة للسياسة الأمريكية كما في كوبا وفنزويلا بل انها حاولت قدر الإمكان الحفاظ على علاقات متساوية مع سائر الدول الأخرى، وفي هذا السياق استقبلت كبار الوافدين من الاوروجواي وتشيلي والارجنتين، وحافظت على ملحقاتها وسفاراتها في الدول اللاتينية المختلفة. إلى ذلك، حافظت بكين على علاقات ثنائية دبلوماسية رفيعة المستوى مع نحو 25 دولة افريقية، وهي علاقات يعززها وجود السفارات الصينية بملحقاتها كافة التي تهتم برفع تقارير دورية إلى بكين حول الوضع الأمني والعسكري في تلك الدول وبتسهيل الاتصالات الصينية بالقوات العسكرية المحلية. وحالياً، هناك نحو 14 ملحقاً عسكرياً للصين في القارة الافريقية علماً ان عدد مكاتب هذه البعثات الصينية عالمياً هو 107 بعثات. سفارات افريقية الصين على الصعيد نفسه، تستقبل بكين مكاتب نحو 18 ملحقاً افريقياً للدفاع من عدد من الدول الافريقية منها الجزائر ومصر وناميبيا ونيجيريا والسودان. وقد شاركت الصين في مهام متعددة للأمم المتحدة في افريقيا منذ عام 1990، ولاسيما في ليبيريا والكونجو واريتريا والصحراء الغربية في المغرب العربي. وبالتأكيد فإن الدور المتنامي للصين في افريقيا لا يلقى ترحيباً من الولاياتالمتحدة التي لا ترغب في أن يكون لها منافس في أي رقعة من العالم *