بدأت الشرارة الأولى لثورات الربيع العربي على مواقع النت والتواصل الاجتماعي ولم يكن غريبا ان تنطلق هذه الثورات في عدد من الدول العربية، وقد طرحت هذه الظاهرة سؤالا في دوائر الغرب كيف استخدمت دول العالم الثالث أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا العصر في إسقاط نظم سياسية فاشية مستبدة وكيف نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في جمع هذه الحشود التي انطلقت منها الثورات وسواء نجحت هذه الثورات أو فشلت إلا انها وضعت سؤالا خطيرا عن مستقبل الديمقراطية في ظل حسابات جديدة تضعها بكل الثقة قوافل مواقع النت والتواصل الاجتماعي. ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها هذا الحشد الكوني الرهيب الذي وصل إلى مئات الملايين من البشر وجعل العالم بالفعل وليس بالقول قرية صغيرة يمكن ان تتحول إلى حشد بشري مروع في دقائق معدودة دون ترتيبات أو حسابات أو قوى أمنية أو سياسية.. نحن أمام عالم جديد يملك سلطات رهيبة دون ان تكون له سلطة رسمية صاحبة قرار انه يتجاوز حدود اللغات والأفكار والأشخاص والأوطان والعقائد.. انه عالم منفتح إلى أبعد مدى حيث لا قيود ولا رقابة.. ان ابنك الصغير الذي يجلس أمامك في غرفة واحدة لا يمكن ان تعرف وهو يلعب في جهاز الأيباد أين هو الآن وفي أي بلد ومع أي ثقافة وأي أجهزة المخابرات العالمية تعد له البرامج لكي تخلق منه إنسانا جديدا تصنعه كما تريد وليس كما تريد أنت.. ان حجم المعلومات والصور والقصص والحكايات والأخبار والجرائم التي تتدفق في عقل ابنك تمثل طوفانا يستطيع ان يقتحم كل شىء ويدفع في طريقه كل الثوابت والأفكار التي تعيش أنت عليها.. إن أخطر ما في هذه التكنولوجيا الحديثة انها حتى الآن لم تكشف كل أوراقها وماذا ستفعل في العقل البشري في زمان قادم ليس ببعيد.. لقد حققت هذه التكنولوجيا إنجازات كثيرة في التواصل بين البشر وتيسير وسائل الحياة وزيادة حدود المعرفة والتنوع الثقافي والفكري واستطاعت ان تكون مكتبة بلا آلاف الكتب وان تكون المؤسسة الإدارية التي لا يوجد فيها غير شخص واحد وان تكون الميزانية والبورصة والتليفزيون ونشرات الأخبار والقصص الإنسانية الطريفة والمؤلمة ولكن كل هذه الوسائل يمكن ان تصبح في لحظة مؤسسة استبداد وقمع وسيطرة بل انها يمكن ان تمثل أكبر عدوان على النزعات الفردية وخصوصية الإنسان وتفرده.. انها يمكن ان تؤكد ظواهر القطيع في أكمل صورها حيث يتحول الإنسان وهو لا يدري إلى مجرد رقم في ملف كبير يجمع ملايين البشر. لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي عدوانا على حرية الأشخاص، وأمام قدرتها الرهيبة على الحشد تحولت إلى وسيلة ضغط غير مسبوقة في تاريخ البشرية.. يكفي انها في أول جولاتها أسقطت نظما مستبدة وأطاحت بحكام يمتلكون كل وسائل البطش والردع والمقاومة وربما أسقطت تلالا من الثوابت التي عاشت عليها الشعوب قرونا طويلة.. ان أمامنا ملفات كثيرة حطمت فيها وسائل التواصل الاجتماعي كل الثوابت في الحريات السياسية والشخصية بل انها أصبحت وسائل ضغط على المستوى العالمي وليس المحلي فقط.. قلت ان هذه الوسائل أسقطت حكاما وأطاحت بمسئولين كبار وشردت نجوما وأسقطت وزراء وأصحاب قرار ولو اننا اخذنا نموذجا مما يحدث في مصر فسوف نجد أنفسنا أمام ظواهر واضحة لا يمكن انكارها.. كانت هذه الوسائل وراء ثورة يناير في أيامها الأولى وكان عدد الشباب الذين خرجوا لا يتجاوز 60 ألف شاب ولكن الحشود زادت وارتفعت الأعداد لتصل إلى الملايين وكانت صرختها الأولى مع نداء كلنا خالد سعيد ثم كانت حشود الشباب الذين جمعهم عصر جديد هو عصر التكنولوجيا لم تكن هناك وسيلة أخرى يمكن ان تجمع هذا العدد من الشباب خاصة بعد حلقات التواصل التي امتدت لأكثر من بلد عربي.. والغريب انه بقدر ما توقف الغرب عند هذا التحول الرهيب في الشارع العربي مع تكنولوجيا العصر اهملت النظم العربية الحاكمة هذا العنصر الجديد الذي خلق مناخا وفكرا وأساليب جديدة في العالم العربي بين الشارع والنظم الحاكمة. لم تستطع الثورات العربية ان تتجاوز منطقة الرؤوس التي سقطت وبقيت أحلام الشباب الثائر ترصد ما يجري حولها وهي لا تعرف ما يحمل لها المستقبل من مفاجآت ثم كانت ثورة يونيه حين أطاح الشارع بدعم من الجيش جماعة الإخوان المسلمين وكان لوسائل التواصل الاجتماعي دور كبير في حسم هذه المواجهة. لم يكن غريبا ان يدير الإرهاب معاركه الدامية وأعماله الإجرامية على مواقع النت دون رقابة من أحد بل ان هذه العمليات التي أحدثت دمارا شديدا في الأرض العربية على يد داعش ثم انتقلت أخيرا إلى باريس وبروكسل كانت تستخدم أساليب تكنولوجيا العصر في المطاردة والقتل والتفجير ورسم الخطط والمعارك.. وفي مواقع القتال ضد الإرهاب كان التصوير وقطع الرقاب ومساحات الدم والتفجيرات تستخدم كل الأساليب الحديثة في مسلسل الدمار، الشامل.. ان من أهم وأخطر الأسباب وراء نجاح العمليات الإرهابية انها تستخدم أحدث ما وصل إليه العقل البشري في القتل والدمار. على مستويات أقل أسقطت حشود التواصل الاجتماعي رموزا كثيرة.. لقد أطاحت ببرامج تليفزيونية ناجحة أمام خطأ فادح اساء لسمعة فتاة بسيطة وانطلقت الحشود تطالب بالحساب والعقاب والمساءلة وتحولت إلى وسيلة ضغط رهيبة حشدت الرأي العام وأسقطت ما أرادت، ولم يكن هذا فقط بل اننا وجدنا هذه القوة غير المرئية الصاعدة تسقط وزيرا في ساعات قليلة أمام لفظ منفلت، واستطاعت قوى التواصل الاجتماعي ان تطيح بواحد من أهم وأخطر الوزراء في مصر ولم تنجح الاعتذارات والرجاءات في عدم تنفيذ حكم التواصل الاجتماعي الذي لا أحد يعرف كيف يتحرك ومن هي القوى التي تحركه.. ولم يكن غريبا ان تسقط هذه الحشود أشهر مطربة خليجية أمام رفض شعبي جارف ورغم الملايين التي أنفقتها إحدى الفضائيات على البرنامج إلا انه قدم حلقة واحدة وانضم إلى مواكب هذه القوة الرهيبة الصاعدة التي أسقطت الرؤساء وأطاحت بالوزراء وأصبحت قادرة على تغيير خريطة الشارع في أي وقت تريد.. الغريب في الأمر ان هذه الحشود لم تظهر بهذه الضراوة وهذا العنف الشديد في دوائر الغرب فلم يسقط النت رئيسا ولم يذبح وزيرا ولم يخترق أوطانا كما حدث في العالم العربي.. قد يكون هذا الإنجاز الحضاري والتاريخي الرهيب نقطة تحول في حياة البشرية ولكن بقدر ما كان له من انجازات في اختصار الوقت والزمن وتسهيل مطالب الحياة والتواصل بين الثقافات والحضارات والشعوب بقدر ما بقي فيه جزء غامض يتعلق بتلك الأيادي التي تعبث في الخفاء وتجعل الإنسان حقا مستباحا أمام جهاز صغير أصبح يدير شئون الكون كله. ان هذا الجهاز يستطيع ان يربط العالم في لحظة واحدة دون قيود أو رقابة من أحد وهو يفرض وصايته بين المنع والقبول.. بمعنى ان ترفضه تماما وتلغيه وهذا أمر مستبعد أو ان تقع تحت وصايته وتتحول إلى جزء في القطيع. على جانب آخر فإن هذا الجهاز أطاح بكل ثوابت الديمقراطيات السابقة واخترع لونا جديدا يمكن ان نسميه ديمقراطية الحشود أو ديمقراطية القطيع لأنه بعيدا عن الإنتخابات وعدد الأصوات واللجان والأحزاب يمكن ان يفرض واقعا ويصدر قرارا وهو خارج السلطة.. انها سلطة الشارع الغامض الذي لا يعرفه أحد، انه كلمة الحشود التي لا يراقبها أحد، انه قادر على ان يجمع الملايين في لحظة ويفرقهم في لحظة بعد أداء المهمة وقد تكون خيرا أو شرا إلا انه في كل الحالات لن يجد من يحاسبه.. لا أحد يدري إلى أي مدى سوف تتوغل حشود التواصل الاجتماعي وإلى أي مدى سوف تتسع دوائرها وتكبر أعدادها وما هو مستقبل الفرد الإنسان وسط هذه الحشود.. لا أحد قال لنا ما هو مستقبل الديمقراطية التقليدية وسط هذه الحشود وهل سنعيش حتى نرى يوما حاكما منتخبا من مواقع التواصل الإجتماعي في أوروبا أو أمريكا أو دول الديمقراطيات العتيقة أم ان الأمر يمكن ان يبقى وسيلة ضغط من قوى مجهولة ضد شعوب حائرة. أصبحت الآن أخاف من هذا الإنفصال الشبكي الذي أصاب هذا الكيان الرائع الذي يسمى الأسرة.. في غرفة واحدة تجد الأب والأم والأبناء وربما بعض الضيوف أمامهم التليفزيون يشاهدون مسلسلا منحطا وكل واحد منهم يمسك الموبايل أو الأيباد ولا ينظر في وجه الآخر.. أنت لا تعرف ما هي السموم التي تتسلل إلى عقل ابنك رغم انه يجلس أمامك.. لم تعد هناك لغة للحوار بين أبناء الأسرة الواحدة وربما تعرف ان أحد الأبناء يتواصل مع جماعة إرهابية منحرفة أو يحاول ان يجد له مكانا في صفوف القتلة والمأجورين لأنه تخرج من الجامعة ولم يجد عملا.. وربما كان الأب نفسه يعيش قصة حب مع زوجة تبعث الرسائل الملتهبة وهي تجلس بين الزوج والأبناء.. انه عالم تفكك تماما وأصبحت الفوضى العنوان الدائم فيه.. انها فوضى التواصل الاجتماعي.. هل يمكن ان يصل العالم يوما إلى وضع ضوابط لهذه السرية وهذا الغموض وهذا الوحش الذي يهدد أمن البشر واستقرارهم.. لقد فتح آفاقا للمعرفة ولكنه فتح أبوابا للضياع.. وقدم للإنسانية خدمات جليلة ولكنه دمر أشياء أكثر.. انك تعرف منه نوع الدواء وخطورته ولكن ابنك يتعلم منه أيضا كيف يصنع قنبلة تقتل البشر. انه وسيلة أمن وإبداع وحياة ولكنه يمكن ان يكون طريق ضياع وسقوط وانهيار.. لقد نجحت التكنولوجيا في فرض أشياء جديدة وطيبة على الواقع الاجتماعي والإنساني.. لقد أبدعت في السياسة حين أسقطت حكاما مستبدين.. وأجادت في الأدوار والحشود حين أطاحت بمسئول كبير لم يدرك مسئولية الكلمة.. ودمرت فنانين كبارا تخلو عن رسالة الفن وغيبت مذيعين أفسدتهم الأضواء وتصوروا أنفسهم من عالم آخر.. هذه الأحداث كانت أمامنا وتعلمنا منها دروسا، وإذا كانت هذه النماذج قد تحولت إلى صوت ضمير حي فما هي الضمانات حتى لا تتحول إلى حشود ظالمة وقطيع غاشم مستبد.. ان الفرق بسيط جدا بين نار تضئ ونار تحرق، بين حشد لحماية وطن وحشد آخر يدمر كل شىء.. المهم كيف نستخدم الأشياء بما يحمي الضمائر ويحفظ حرمة العقول وهل ننتظر في زمان قادم ديمقراطية النت الجديدة. وإذا كانت قد حررت الشعوب من حكام مستبدين فما الذي يمنعها ان تمارس الاستبداد بعد ذلك. ..ويبقى الشعر شاختْ سنينُ العمر ِ والطفلُ الصغيرُ بداخلى مازال يسألُ.. عن لوعةِ الأشواق ِ حين يذوبُ فينا القلبُ عن شبح ٍ يطاردنى من المهدِ الصغير إلى رصاصةِ قاتلى عن فُرقةِ الأحبابِ حين يشدُنا ركبُ الرحيل ِبخطوهِ المتثاقل ِ عن آخر ِ الأخبار ِ فى أيامنا الخائنونَ..البائعونَ..الراكعونَ.. لكلِّ عرش ٍ زائل ِ عن رحلةٍ سافرتُ فيها راضيًا ورجعتُ منها ما عرفتُ..وما اقتنعتُ..وما سَلمتُ.. وما أجبتكَ سائلى عن ليلةِ شتويةٍ اشتقتُ فيها صحبة َ الأحبابِ والجلادُ يشربُ من دمى وأنا على نار ِ المهانةِ أصْطلى قد تسألينَ الآن يا أماهُ عن حالى وماذا جدَّ فى القلبِ الخلى ِ الحبُ سافرَ من حدائق ِعمرِنا وتغرب المسكينُ.. فى الزمن ِ الوضيع ِ الأهطَل ِ ما عاد طفلكِ يجمُع الأطيارَ والعصفورُ يشربُ من يدى قتلوا العصافيَر الجميلة َ فى حديقةِ منزلى أخشى عليه من الكلابِ السودِ والوجهِ الكئيبِ الجاهل ِ أينَ الذى قد كانَ.. أينَ مواكبُ الأشعاِر فى عمرى وكل الكون ِ يسمع شدوها وأنا أغنى فى الفضاءِ..وأنجْلى شاخَ الزمانُ وطفلكِ المجنونُ.. مشتاقٌ لأول ِ منزل ِ مازالَ يطربُ للزمان ِ الأول ِ " شىء سيبقى بيننا ".." وحبيبتى لا ترحلى " * * * فى كلِّ يوم ٍ سوفَ أغرسُ وردة ً بيضاءَ فوقَ جبينها ليضىءَ قلبُ الأمهاتْ إن ماتتْ الدنيا حرامٌ أن نقولَ بأن نبعَ الحب ماتْ قد علمتنى الصبرَ فى سفر ِ النوارس ِ.. علمتنى العشقَ فى دفء ِ المدائن ِ.. علمتنى أن تاجَ المرءِ فى نبل ِ الصفاتْ أن الشجاعة َ أن أقاوم شُح نفسى.. أن أقاوم خسة َ الغاياتْ بالأمس ِ زارتنى..وفوق وسادتى تركتْ شريط َ الذكرياتْ كم قلتِ لى صبرًا جميلا ً إن ضوءَ الصبح ِ آتْ شاختْ سنينُ العمر ِ يا أمى وقلبى حائرٌ مابين ِ حلم ٍ لا يجىءُ.. وطيفِ حبٍ..ماتْ وأفقتُ من نومى دعوتُ الله أن يحمى جميعَ الأمهاتْ.. من قصيدة "طيف نسميه الحنين" عام 2009 نقلا عن جريدة الأهرام