من المفارقات المبكيات أن تحشد إسرائيل قوات إضافية على الحدود المصرية. وتستدعي الاحتياطي في إجراء استثنائي لتأمين بلدهم.. ونجد بعض أبناء مصر يحاصرون مقر وزارة الدفاع رمز قدسية الوطن. وما يدعو للغرابة أن يتكرر سيناريو الأحداث المفتعلة دون أن نستفيد من التجارب. هل أصبحنا بهذا المستوى والفكر؟.. أم أن الجميع يتآمر ويدبر ويخطط لتكرار نفس السيناريو، ثم يلقي كل طرف بالمسئولية على الآخر.. ويكون همه أن يبرئ ساحته.. ولا يهم أكثر من ذلك حتى لو كانت مصر هي الضحية؟.. سيناريو أحداث وزارة الدفاع والعباسية يتكرر بنفس الترتيب والأهداف والنتائج لما حدث في ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء. ولا تبادر الأطراف التي تتحمل المسئولية في وأد المخطط إلا بعد فوات الأوان.. كان من الممكن ببساطة شديدة وبتطبيق ألف باء المسئولية.. وبديهيات إدارة الأزمة، تلافي ما حدث منذ مقدماته وإرهاصاته الأولية.. فجر السبت بتحرك السلفيون وأنصار حازم أبواسماعيل للاعتصام في محيط وزارة الدفاع.. ولكن تركت الأمور كيفما يشاء منظموها.. أو مدبروها.. لنصل إلى ما وصلنا إليه. هل تركت عمداً.. أم إهمالاً.. أم تخليا عن المسئولية وعدم التزام السلطات بالقيام بواجبها في إدارة بلد وحماية شعب ودولة؟! ولماذا صمت القوى الوطنية والتيارات السياسية والفكرية في رفض ما يحدث، ولماذا تصريحات بعض رؤساء الأحزاب والمرشحين للرئاسة وتعليق بعضهم للحملات الانتخابية في مزايدة على مصلحة البلد وهو موقف يدينهم أكثر مما يقيدهم في دغدغة مشاعر الناخبين أو الكتل التصويتية التابعة لهم؟! أصبح من حق المواطن البسيط والفلاح غير الفصيح أن يستنتج بفطنته ونظرته.. أن الجميع يتآمر ومصر تدفع الثمن! يبدو أنه من سمات الثورة المصرية أن يظل اللهو الخفي أو الطرف الثالث هو البطل الحقيقي لإدارة الأحداث، حتى نفاجأ بما يحدث من فوضى وتخريب، ثم ينتفض الجميع، كل طرف من المشاركين في الاعتصام يبرئ نفسه ويلقي بالمسئولية على الآخر.. وكل متفوه ومحلل استراتيجي ينقل مقر إقامته إلى مدينة الإنتاج الإعلامي بمدينة 6 أكتوبر لانشغاله 24 ساعة في برامج التوك شو بالفضائيات لتنظير كلام في كلام والمهم مايندس في جيبه في نهاية كل برنامج من جنيهات ودولارات أو ريالات.. ويهب علينا كل حزبي وسياسي وائتلاف سياسي بتصفية الحسابات من الطرف المغلول منه.. أو قيام تحالف جديد لعلاقات مشبوهة مع تيار آخر كان على خلاف عدائي معه.. فالمهم في مثل هذه الظروف اتفاق المصالح.. وليست المبادئ أو مصر.. التي ينهش فيها الجميع.. ثم تعقد الاجتماعات الرسمية والشعبية والحزبية والمرشحين للرئاسة لركوب الموجة على جسد مصر.. والكل مسئول مسئولية كاملة دون تنصل أو حجج ومبررات وفي مقدمة المسئولية المجلس العسكري والحكومة.. ليس بمنطق أن المجلس العسكري لابد أن يرحل.. ويرد علينا، نحن زاهدون في الحكم.. ولا بمنطق الحكومة يجب أن تقال.. وترد علينا.. نحن لا نسعى لسلطة أو مناصب.. ولكن مسئوليتهما كاملة بمنطق أنهم الحاكمون لهذا البلد.. وأنهم المسئولون أمام التاريخ والشعب عن حمايته ومواجهة أي سلوك أو تصرفات خارجة على القانون أو حدود المألوف لحق المواطن في الاعتصام أو التظاهر السلمي. لماذا لم يتخذ المجلس العسكري إجراءاته بغلق الطرق المؤدية إلى وزارة الدفاع بمجرد علمه بتحرك الاعتصام من التحرير إلى محيط الوزارة؟! وإذا كان قد أبطأ في هذا الإجراء.. فلماذا لم يتم فض الاعتصام في اليوم التالي بالطرق السلمية والحوار المشترك مع الرموز السياسية والدينية؟! ولماذا صمت حتى أتاح الفرصة لمن ينتهزون الفرصة لإحداث العنف ووقوع ضحايا وإلهاب مشاعر الناس.. دون أن يعرف أحد من القاتل ومن القتيل؟! قد يكون المجلس قد رأي أن ينأي بنفسه من البداية حتى لا يزج به أحد في الأحداث.. ولكن هذا المفهوم حياد مرفوض.. فهو المسئول شاء أو أبى عن البلاد وحكمها وإدارتها.. ويعرف من سيناريوهات الأحداث السابقة أن النتائج معروفة مسبقا.. سواء كان مخططا لها قبيل الانتخابات الرئاسية كما حدث في الانتخابات البرلمانية.. أو وليدة صدفة وتجمع الفرقاء.. وهو اولا واخيرا سيكون متهما من القوى المختلفة! وعلى قدر مسئولية المجلس العسكري، مسئولية أداته التنفيذية في الحكم ممثلة في الحكومة ووزاراتها المعنية.. لماذا لا تتحمل مسئوليتها في التعامل مع مثل هذه الاعتصامات من البداية في حدود القانون ودورها في الحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم، وحماية مصالح الشعب واستقرار البلد؟! كيف تتعامل الحكومة مع مثل هذه الأحداث وكأنها خارج نطاق عملها وحدود مسئوليتها.. ثم تضطر في النهاية لنزول قوات الشرطة.. ولو كان رجالها ملائكة فسوف توجه الاتهامات لهم بالعنف والقتل والمسئولية عما حدث طالما أريقت دماء؟! فلماذا التراخي.. طالما أن الاتهام سلط عليهم سواء قاموا بدورهم أم لا؟! إذا تدخلوا من البداية فهم متهمون أيا كانت النتائج.. وإذا لم يتدخلوا فهم متهمون أيضا بالتقصير وأنهم واقفون على الحياد وتركوا الفرصة لما حدث!! مجلس الشعب ليس منزها عن مسئوليته فيما يحدث.. فدوره التاريخي في هذه اللحظات ليس الوقوف متفرجا أو متشفيا في الحكومة والمجلس العسكري، وليس دوره إذكاء روح التوتر والخلاف بصراع وهمي مع الحكومة.. تستقيل أو تقال أو نسحب منها الثقة.. هكذا البلد يضيع في صراع سلطة بين الأطراف الحاكمة أو العناد الشخصي بين مسئول وآخر.. ومصالح حزب أو تيار مهما كانت قوته أو أغلبيته.. أرجو أن يخرج علينا أحد من السادة المحترمين أعضاء المجلس الموقر، ويدلي لنا بدلوه عن أسباب رفض مشروع قانون تنظيم المظاهرات والاعتصامات.. أليس إنقاذ مصر من حالة الفوضى بحجة حق التظاهر، يستحق انتفاضة مجلس الشعب مثلما حدث مع قانون يمنع ترشح شخص واحد.. أم أن الكثير من الأيادي تعبث في الفكر والعقول لأهداف لا يعرفها أحد والضحية أولا وأخيراً شعب وبلد. إذا ابتعدنا عن اتهامات التقصير في إدارة الأزمة.. فليس أمامنا إلا منطق التدبير والتخطيط لما يحدث.. فالهدف أولا وأخيرا إجبار المجلس العسكري على التخلي عن مسئولياته وتسليم السلطة ولو قبل انتخاب الرئيس بيوم واحد.. التسليم لمن..؟.. هذه هي المؤامرة الحقيقية.. وحسب أفضل الافتراضات كما يقولون مجلس رئاسي.. ومحدد له شخص بعينه يتولى رئاسته.. ويتبنى هذا المجلس قراراً بتأجيل الانتخابات الرئاسية لمرحلة انتقالية يتولى هذا المجلس فيها إدارة البلاد.. إلى متى؟! هم الذين سيقررون.. وما المخطط لمصر خلال هذه الفترة؟!.. رئيسه المفترض هو الذي يجيب على هذا التساؤل.. ولن يجيب عليه، إلا إذا حدث ذلك أولا.. ثم نرى الإجابة على أرض الواقع بمجهول ستنزلق له مصر. ولكن.. إذا افترضنا أن هذا ما سوف يحدث.. فكم يوما سيمر لحين الاتفاق على هذا المجلس؟! وكم سيبقى حينها حتى موعد الانتخابات الرئاسية؟! وهل هذه الأيام تحتاج التعجل لمجلس رئاسي يبدأ فترة انتقالية جديدة.. أم الأفضل إجراء الانتخابات في موعدها..؟! نقلا عن جريدة أخبار اليوم