فى حلقة جديدة من دراما الفضائح الثقافية تروج الجهات الثقافية فى الإمارات أن تاريخ الفراعنة هو جزء من التاريخ العربى - وهو الأمر الخطير الذى كشفته مجلة إنجليزية منذ أيام - ومن حقها الاستفادة به واستغلاله.. كما كشفنا فى العدد السابق، ولكن ما حذرنا منه حدث بالفعل. آخر حلقة فى مسلسل السرقات المتعمدة التى تقوم بها الإمارات هو تقليد طبق الأصل لمعابد فرعونية لاتزال قائمة بالإضافة إلى أهرامات الجيزة الثلاثة وتماثيل رمسيس الثانى وميريت أمون وأبوالهول. فى مدينة فرعونية يجرى إنشاؤها حاليا بالإمارات تحت اسم «دبى لاند» بالإضافة إلى سوق تجارية اسمها «وافى مول».. الملاحظ أن كل المنقولات تحمل رسالة معينة إلى العالم، حيث إن كل هذه الرموز تدل على عصر القوة فى مصر الفرعونية.. لهذا اختارت الإمارات هذه الرموز وبتعمد واضح لتضمها إلى رمز الثروة والمال والترفيه فى «دبى لاند» وفى المدن الأخرى التى تنوى الإمارات إقامتها وباقى قائمة الاستثمارات الإماراتية فى التاريخ الفرعونى. ما يجمع «لوفر الرمال» و«دبى لاند» شىء واحد فقط هو سرقة تاريخ الفراعنة، فالأول استغل علاقاته بفرنسا ليستأجر تماثيل ولوحات فرعونية، والثانى استغل أحد مسئولى المجلس الأعلى للآثار فى تقليد المعابد والمدن الفرعونية. وبعيدا عن الجدل القانونى بين حق مصر فى الاستفادة ماديا وفكريا واستغلال ممتلكاتها الثقافية، حسب ما نصت عليه اتفاقية الجات الثقافية وقوانين حق الملكية الفكرية؛ وبين عدم أحقيتها فى مطالبة اللوفر الفرنسى بما يملكه من آثار فرعونية لأنها خرجت بعد عام 1970 بعد اتفاقية اليونسكو الخاصة بحماية التراث. هناك طرق أخرى للضغط على الجانبين الإماراتى والفرنسى فى الحصول على نصيب من الكعكة، لأنه من غير المعقول أن تقف وزارة الثقافة مكتوفة الأيدى والجانبين يروجان ممتلكاتنا دون أن نحرك ساكنا. من حق الإمارات أن تستفيد من الحضارة المصرية، لكن حسب القانون الدولى لابد أن تستأذن أولا صاحبة الشأن وهى مصر، سواء فى المشروعات التى تقلد فيها آثارها أو فى الآثار التى تستأجرها، لأنها فى النهاية هى المستفيد الأول ماديا ويعود لمصر فقط أنها المرجع الثقافى الأصلى للآثار وللتاريخ الفرعونى، فإذا كان فيها عرض واسع ودعاية للتاريخ المصرى وهذا هدف من أهداف التنشيط السياحى لمصر وشىء مرحب به، ولكن فى مثل حالة الإمارات أين حقوق مصر المادية والثقافية لاستغلال تاريخها حسب ما تنص عليه القوانين الدولية؟! الغريب فى الأمر هو حالة الغيبوبة والصمت المريب للمسئولين سواء فى وزارة الثقافة أو فى المجلس الأعلى للآثار، الذين تركوا الأمر لسنوات طويلة دون تحرك لوقف المهزلة، فقد تركوا الأمر يمر كما فعلوا من قبل مع دولة قطر التى أعلنت عن بناء متحف يضم الآثار الفرعونية. الأمر جعل من المباح لمن يملك المال شراء حضارة ولم يجدوا أمامهم سوى الحضارة الفرعونية ليس بهدف البحث عن التاريخ والتعلم منه بل بغرض مشبوه للوصول إلى التاريخ الفرعونى وتشويهه واقتحامه رغم أن الثقافة الخليجية التى ظلت تدعى دون مبرر واضح لسنوات طويلة أن الحضارة الفرعونية حضارة «أصنام». والآن فقط ولانعرف لماذا تحولوا إلى البحث عنها وشرائها من كل مكان، وبأى ثمن من الأبواب الخلفية. أما المجلس الأعلى للآثار فاكتفى بدور المتفرج وترك الأمر كله، وعندما جاءتهم معركة حقيقية هربوا من الساحة وتركوها، فإذا كان المجلس لايعلم ماذا يحدث للآثار المصرية فى الإمارات فتلك «مصيبة» وإذا كانوا يعلمون تفاصيلها ستكون «كارثة» لايمكن السكوت عليها. ولمن لايعلم فإن المدينة الفرعونية فى الإمارات يجرى إنشاؤها منذ عام ,1990 واكتملت الآن بما يعرف ب «مول وافى» - سوق الإمارات الفرعونى - وقد أشرف عليه د.محمود مبروك وقت أن كان رئيسا لقطاع المتاحف!! حيث عمل مستشارا لتنفيذ المشروع، وهذا يؤكد أن المجلس الأعلى للآثار كان على علم بما يحدث بل شارك فى التنفيذ فيه منذ البداية ليضع علامات الاستفهام حول الخلط المتعمد بين الوظيفة العامة والمهمة الإشرافية فى نفس الوقت، وكلها أمور تدخل فى إطار استغلال السلطة. كل هذا النسخ المتعمد للآثار المصرية دون النظر إلى الحقوق المادية المصرية، والسؤال المطروح الآن: إذا كانت الإمارات مثل التاجر الشاطر قد استفادت من الحضارة المصرية بجميع الأشكال فإن وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار مثل التاجر المفلس الذى لايجيد ترويج بضاعته والدفاع عنها رغم أنه يمتلك من الوسائل التى تعطيه الحق ولكن لايجيد استخدامها ولايعنيه أمرها. يعلق الأثرى أحمد صالح عبدالله - مدير آثار ميت رهينة على قضية لوفر الإمارات والمستنسخات الأثرية - بقوله: بالنسبة للآثار المصرية الموجودة فى متحف اللوفر فى باريس، فقد خرجت بطريقتين الأولى طبقا لقانون القسمة فى مجال الحفائر أو بالإهداء، والأخرى بطريقة غير شرعية مثل تمثال حتشبسوت ولوحة الأبراج السماوية - الزودياك - لذا لو أن متحف لوفر الرمال يضم أى قطعة من القطع التى خرجت بطريق غير شرعى فهذه مخالفة قانونية وكان يجب أولا على لوفر باريس مخاطبة الجانب المصرى لاستئذانه على إعارتها. وعلى المجلس أن يعيد ما قام به د.زاهى حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار عندما أقام الدنيا ضد متحف برلين عندما عرض تمثال «نفرتيتى» - الذى خرج بطريقة شرعية - فى معرض خارج متحف برلين لأنه تم دون استئذان مصر. وعلى المجلس - أضاف صالح - تقديم احتجاج رسمى لإدارة متحف اللوفر على قرارها إعارة آثارنا للوفر الرمال ونطالب بحقوقنا سواء فى طريقة العرض أو فى اقتسام الموارد الخاصة بالمتحف. أما بالنسبة للمستنسخات الأثرية التى تقوم بها الإمارات لآثارنا - يواصل - صالح عبدالله - فإن اتفاقية الجات الثقافية - حماية حقوق الملكية الفكرية - قد ضمنت حق مصر فى الاستفادة المادية من هذه المستنسخات التى تتسم بسمات الحضارة الفرعونية فى شكل ضريبة أو جزء من الأرباح، وهذا يجعلنا نلتفت لما يحدث فى نفس الوقت فى الصين التى تسوق منتجات فرعونية لكل دول العالم. فى المقابل لايزال د.زاهى حواس يبحث عن المخرج القانونى لكل ما يحدث فى انتظار ما تسفر عنه الدراسات القانونية لمتحف لوفر الإمارات، على الرغم من أن القضية قاربت على العام والدراسات لم تنته. وهنا يعلق حواس بقوله: لايوجد فى القانون سواء على المجال الدولى أو المحلى ما ينص على ممارسة آثارنا على المستوى الدولى وحتى قانون حماية حقوق الملكية الفكرية لايضمن حقوقنا المادية فى ذلك.. فقانون الآثار الحالى رقم 117 لسنة 1983 لايعطى لنا الحق فى المطالبة أو الحصول على أى عائد مما تقوم به فرنسا حاليا. هذا القانون يقف عقبة فى كل تحركاتى، فالصين تقلد آثارنا وتستفيد منها منذ سنوات ويحتل تقليد الآثار المرتبة الثانية فى الدخل القومى الصينى، ولانستطيع أن نفعل معها شيئا.. لكن كل هذه الإجراءات تمت مراعاتها فى القانون الجديد الذى لايزال مركونا فى أدراج المسئولين، ونتمنى أن يناقش فى الدورة فى مجلس الشعب القادمة. أضاف حواس: لن نقف مكتوفى الأيدى وسنقوم بالضغط على الجانب الفرنسى وسنطالب بحقنا فى تقاسم ما حصلوا عليه والحصول على نسبة سواء من إجمالى المبلغ أو من العائد السنوى بالطرق الودية، وبالاعتماد على أسلوب التخويف، لأنه قانونيا ليس لى الحق فى ذلك. يعود حواس ليبدى دهشته من رفض اللوفر إعارة تمثال الزودياك لعرضه لمدة شهر فى المتحف الكبير أثناء افتتاحه فى 2011 وإعارة مئات القطع للوفر الإمارات بقوله: لانريد أن نتخذ إجراء قبل الدراسة القانونية فلابد من الدراسة أولا. وأخيرا يعترف حواس أن محمود مبروك - رئيس قطاع المتاحف السابق - هو مهندس المدينة الفرعونية فى دبى مبررا وجوده بأن القانون القديم لايعطى لنا حق التدخل لكن القانون الجديد هو الحل، وأن المدينة قد قلدت معبد أبوسمبل، ولكن ليس طبق الأصل، ولانستطيع إيقافها.. وحتى هذا التقليد فى مصلحتنا لأنه دعاية لمصر، وأن الآثار الأصلية موجودة هنا.. ولماذا أمنعها وهى سفير لنا هناك، وكيف أمنعها بدون قانون!!