رفع الزعيم العربي صوته محتجا صارخا.. ما تفعله إسرائيل لا يرضي الله.. ولا يقره شرع أو دين.. وكل ما تقولونه هراء ولا يجدي معه غير القتال.. الحرب.. الحرب.. ولا بديل عن حرب إسرائيل.. رد الرئيس محمود عباس "أبومازن" في هدوء جاد.. أهلا وسهلا يدي على كتفكم وسوف نتقدم الصفوف.. تكهرب الجو وسادت همهمة بين الملوك والرؤساء العرب.. هل سنعلن الحرب على إسرائيل؟. وأدرك الزعيم العربي أن ما قاله لا يعني غير ذلك.. فأسرع مستدركا.. لا أقصد أن نحارب نحن العرب إسرائيل.. ولكن قصدي أن الأشقاء الفلسطينيين ليس أمامهم لاسترداد حقوقهم والحفاظ على القدس العربية أولى القبلتين وثالث الحرمين، غير المقاومة الشعبية المسلحة والانتفاضة على ظلم إسرائيل.. ابتلع الرئيس أبومازن بقية الكلمات ورد ساخراً ومستهجنا.. كيف ذلك؟. وإذا دخلت بندقية عصافير الضفة الغربية لابد من إذن وموافقة إسرائيل.. والشعب الفلسطيني يأكل من المعونات الأمريكية. هذه الصورة الهزلية كانت محاضر اجتماعات "سري للغاية" في القمة العربية الطارئة التي عقدت بمدينة سرت الليبية نوفمبر 2010. كان الهدف منها مواجهة عنفوان الإجراءات الإسرائيلية في تهويد القدس.. مصادرة أراض.. هدم بيوت.. طرد سكانها.. إقامة مستوطنات وشق طرق جديدة.. وكل ما من شأنه التأكيد على أن القدسشرقية وغربية، عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل.. لا تخضع لمفاوضات.. ولا حق لعربي أو مسلم أو مسيحي فيها.. فهي مدينة يهودية، وعاصمة للدولة العبرية. شاء من شاء أو أبى من أبى..! "مع الاعتذار للراحل ياسر عرفات". انتفض العرب.. وكان المطروح أمامهم بحث الخيارات البديلة بعد التوقف التام للمفاوضات.. ورفض اسرائيل لوقف الاستيطان وحينذاك قالها أوباما صريحة للفلسطينيين.. ان إسرائيل ترفض نهائيا أي وقف كلي أو جزئي للتوسعات الاستيطانية.. وإذا رغبتم في التفاوض على هذا الأساس أهلا وسهلا.. ودون ذلك، لا استطيع أن أفعل لكم شيئا.. ذهب الفلسطينيون إلى القمة العربية الطارئة للبحث عن مخرج للمأزق.. أو اتخاذ ما يراه القادة من البدائل المطروحة أو ما يستجد منها خلال النقاش.. حتى كانت المفاجأة بالتراجع العربي المخزي والمتواصل "معلش نعطي الأمريكان 6 شهور أخرى لاستمرار الجهود لإقناع الطرف الإسرائيلي بوقف الاستيطان والعودة إلى مائدة المفاوضات". ما أصعب على النفس من الكتابة عن الضعف العربي أو حديث اليأس والإحباط.. فليس هذا هو المطلوب.. ولن يكون ولكنه حديث الحذر وكشف الحقيقة من كواليس آخر قمة عربية انعقدت من أجل موضوع واحد.. القدس والقضية الفلسطينية.. قضية العرب والمسلمين.. وإذا كانت هذه القمة قد جسدت ما لا يحتاج إلى تأكيد جديد.. اننا أمة قوية، ولكنها ضعيفة الإرادة، متفرقة الكلمة، مختلفة على الموقف.. كان هذا حينا من الزمان.. من الضعف والهوان، وأنظمة عربية، استعذبنا جميعا استخدامها "الشماعة" التي تعلق عليها ضياع القضية وحقوق الفلسطينيين.. فماذا اليوم والمستقبل القريب على مدى السنوات القليلة القادمة؟ ما بعد سنوات ثورات الربيع العربي.. والمصالحة الفلسطينية.. والوضع الإقليمي والدولي ما بين صعود محاور جديدة بالمنطقة.. ونذر حرب ضد إيران.. وكلها عناصر تقوي من وشائج التحالف الأمريكي -الإسرائيلي.. وهو بالإضافة إلى أنه تحالف المودة والرحمة والعائلة الواحدة.. تحالف المبادئ والمصالح كما وصفه أوباما بعد مباحثاته مع رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو. الغطاء العربي للقضية الفلسطينية على المحك اليوم.. لنترك جانبا الكلام الدبلوماسي المنمق الذي يقوله المسئولون الفلسطينيون ان القضية الفلسطينية ستكون أفضل حالا مع الثورات العربية.. الموقف الحقيقي اليوم أنها في خطر.. والأكثر تهديدا لها أن يتم نهائيا رفع الغطاء العربي عن الفلسطينيين، بعد أن ظلت قضيتهم، قضية العرب الكبرى على مدى 60 عاما.. كنت أتوقع أن تكون الأنظمة العربية أكثر قوة علي الساحة الإقليمية والدولية، أكبر دعما أدبيا وماديا وسياسيا للفلسطينيين.. وحتى إقامة دولتهم المستقلة.. ولكن يبدو أن تأتي الثورات بما لا يشتهي الفلسطينيون.. وإذا كانوا ضحية سنوات من التخاذل العربي، فإن قراءة الواقع واستشراف المستقبل العربي تدعو للتشاؤم.. ليس التخوف ان تراوح القضية مكانها لسنوات حتى استقرار النظم العربية الجديدة، ولكن الخطر أن ينجح مخطط تقسيم المنطقة وإضعاف قوتها السياسية والعسكرية.. وإبطال مفعول شعوبها.. فلا يقوي العرب على مساندة الفلسطينيين سياسيا ولا دعمهم عسكريا.. فلا نحن قادرون على حمل البندقية.. ولا نستطيع إجبار إسرائيل على حمل غصن زيتون السلام.
الصورة متشائمة لتوقف أي أمل مفاوضات فلسطينية إسرائيلية على منظور عامين قادمين. سباق الرئاسة الأمريكية انطلق ولمدة عام، يليه عام آخر للإدارة الجديدة لمعرفة أين تضع أقدامها في منطقة الشرق الأوسط القربان الدائم لأي انتخابات أمريكية، فترة مخاض الملامح الرئيسية لها، تحالف أمريكي إسرائيلي ضد إيران. ومنطقة تتشكل ملامحها من جديد.. الإرهاصات تؤشر إلى وضع أكثر سوءا إذا أصرت إسرائيل على حرب مع ايران. وقد كان نتنياهو حريصا على تأكيد ذلك.. عندما قال أوباما إن التزامنا حيال إسرائيل صلب كصخرة وأن الدعم الأمريكي لضمان تفوقها مقدس ولابد أن تكون أقوى من دول المنطقة مجتمعة، فمصلحة أمريكا وإسرائيل هي الأساس في المنطقة. ورغم ذلك كان تعقيب نتنياهو بصفاقته المعهودة "على إسرائيل أن تبقى سيدة مصيرها في مواجهة أي تهديدات".. ببساطة يا أمريكا بكم وبدونكم سوف نتخذ القرار الذي يحمي وجود إسرائيل أو يضمن أمنها وسوف ننفذه حتى لو كان حربا ضد إيران أو أي دولة بالمنطقة، فهم الذين يستعدون علنا اليوم للحرب ضد العرب أو الفرس.. الاعلام الإسرائيلي يمهد لحرب قادمة وليس مستبعداً أن تكون على أكثر من جبهة.. ولم يُشغل بال نتنياهو وأوباما بأي جملة بشأن عملية السلام خلال مباحثاتهما الاسبوع الماضي بواشنطن.. وإن كنت أتوقع أن يكون جانبا كبيرا من القمة الثانية بينهما منذ بدء الربيع العربي، هو مستقبل المنطقة في إطار المخطط لتفتيتها وإضعاف دولها والذي بدأ مع سيناريو حرب العراق.. وأن سيناريو الإسراع في تنفيذ المخطط هو الأنسب في الظروف الراهنة.. دول متناحرة داخليا.. متقاطعة إقليميا، منكفئة على نفسها.. لن تفيق إلى سلام ولن ينشغلوا بشعب فلسطين إلا بعد سنوات إذا استطاعوا في أفضل الأحوال اجتياز المأزق المرسوم. يتواكب مع هذا السيناريو السييء.. الوضع الأسوأ للأشقاء الفلسطينيين.. الذين لم يستوعبوا الدرس حتى الآن.. ومازال الانقسام سيد موقفهم رغم مرور 5 سنوات على انفصال غزة والضفة.. بين فتح وحماس.. دون ذرة خجل بالخلافات على تنفيذ اتفاق المصالحة..! نقلا عن جريدة أخبار اليوم