كثر الحديث عن المياه الجوفية بالصحراء الغربية المصرية وتحدث البعض عن وجود انهار مياه جوفية تحت الصحراء بعضها يتجه من توشكى الى شمال الصحراء الغربية، وغيرها يتدفق من واحة الكفر جنوب شرق ليبيا في اتجاه شمال ليبيا وبعضها أتى من حوض نهر النيجر مخترقا الصحراء المصرية ولا أعرف ما المقصود بهذه الانهار الجوفية؟ إذ لايوجد في علم المياه الجوفية ما يعرف بالنهر الجوفي، والغريب أن اجد الكثير من غير المتخصصين يتحدثون بحماس نحو وجود أنهار جوفية تحت الصحراء المصرية، بل الأدهى ان بعض الباحثين في مجال الاستشعار عن بعد والاقمار الصناعية بوكالات عالمية من المصريين سواء في امريكا أو في اليابان يتحدثون بحماس ويعرضون صورا للأقمار الصناعية وغيرها في محاولات مستميتة لإقناع الناس عبر الفضائيات وبعض محرري الصحف بوجود هذه الانهار الجوفية. وبالطبع فإن المواطنين لهم عذرهم في التصديق لأن كلهم أمل في ان توجد هذه الانهار الجوفية حتى يمكن استثمار مياهها في التنمية والخروج من الوادي الضيق والدلتا، وبالطبع ايضا تضيق صدورهم عندما يكون هناك من يصف مايقول به اصحاب فكرة الانهار الجوفية بأنه كلام عبثي وغير علمي ولا يندرج تحت أي مفهوم تشير اليه علوم المياه الجوفية وربما يتهمون المتخصصين بأنهم معوقون ومحبطون وغير ذلك من اتهامات لمجرد ان المتخصصين التزموا الواقع العلمي. والرأي عندي أن الاحرص على مستقبل وطنه هو من ينطق بالحق وتكون لديه البراهين العملية على صحة ما يقول والمتخصصون لا يحتكرون الحقيقة ولكنهم يؤكدون ان التخصص العلمي هو الذي يجب ان يسود في كل امورنا وان التقييم العلمي لها هو الذي يجب ان يعلو في هذه المرحلة المهمة من تاريخ مصر ضاربين مثلا في علم المياه الجوفية أن أوضاع ماتحت الارض لم تتغير فجأة، كما انها لن تتغير الآن الى ما تحب ان تكون عليه من الاغراق في الامل او الافراط في التشاؤم خاصة في علوم المياه، إننا نؤكد ان العلم علم وان التخصص تخصص والهواية هواية ولكل اساليبه وآلياته ولكل اسلوب وآلية حدود في الحكم على الحقيقة وان هناك متطفلين على علوم المياه لما لها من أهمية حيوية واستراتيجية في تحقيق التنمية، وحقيقة اوضاع المياه الجوفية لا يكشفها الا حفر بئر جوفي أو جس كهربائي يثبت أو لا يثبت ان هناك مياها ثم بعدها تتوالى أسئلة؟ ماهي كميتها ومانوعها؟ وللحكم على امكانات خزان جوفي فلابد من وجود شروط لعدد من آبار الاختبار والملاحظة واجراء التجارب التي تعين على فهم مبدئي لتقدير كميات المياه ونوعها ومصدرها ثم جدوى استغلالها.. عندها فقط يبدأ المشروع إذن، فلا شيء يأتي رجما بالغيب وليست آليات الاستشعار من البعد او صور الاقمار الصناعية ولا كل المتخصصين فيها قادرون على التعرف على وجود مستودعات جوفية او انهار جوفية او الحكم على نوعية المياه الجوفية وكميتها وغير ذلك يكون بيع الوهم للجماهير وللاسف هو مايحدث الآن من ادعاء البعض بأن هناك انهار مياه جوفية تحت الصحراء المصرية. ومن واقع التخصص والخبرة نستطيع استنتاج أنه لا توجد أنهار مياه جوفية تحت الصحراء المصرية عموما ولكن توجد خزانات مياه جوفية في صخور ورواسب تحتوي المياه بين حبيباتها طبقا لفكرة احتواء الاسفنج للمياه وتتحرك المياه بين هذه الحبيبات طبقا لضغط المياه واتجاه هبوطه ويمكن سحب المياه بواسطة طلمبة أعماق يتم تركيبها على البئر الجوفية التي تحفر على عمق في الرواسب والصخور التي بها المياه الجوفية في الخزان الجوفي وتأتي المياه الى البئر عبر فتحات وثقوب في مقطع من أنبوبة البئر تحت وطأة السحب بمضخة أعماق.. هذه هي الحقيقة ولا غيرها. إذن هناك خزانات مياه جوفية بين حبيبات الصخور التي يمكنها حفظ المياه وقادرة على بثها عند ضخ المياه منها وهناك مناطق مياه جوفية ذات ضغط مائي مرتفع عند مناطق تغذية الخزان الجوفي ومناطق مياه جوفية ذات ضغط منخفض عند مناطق سحب المياه من بئر أو مجموعة آبار تضخ مياها من الخزان الجوفي ذاته وبالطبع تتحرك المياه من مناطق التغذية الأعلى الى مناطق السحب داخل ثنايا الصخور وتتحكم فيها كسور وطيات.. الخ. على هذا المقياس الذي نرجو ان يكون واضحا لدى القارئ فإن المياه الجوفية في الصحراء الغربية المصرية تحديدا توجد في مستودع ضخم يمتد أسفلها ذي سمك يتفاوت بين عدة عشرات من الامتار في مناطق جنوب غرب الصحراء الغربية عند بئر مروكسيبة ونحو ثلاثمائة متر في منطقة توشكى ودرب الاربعين ونحو ثلاثمائة الي نحو ألف متر في شرق العوينات، 900 متر عند الواحة الخارجة، 1300 متر عند الواحات الداخلة، 1800 متر عند الواحات البحرية ونحو 2000 متر في منطقة الفرافرة وما حولها ونحو ثلاثة آلاف متر عند واحة سيوة كما توجد المياه الجوفية ايضا في منطقة شمال وادي النطرون وواحة قارة وأم الصغير شرق منخفض القطارة وفي وسطه ثم بعد ذلك تتواجد بكميات ونوعية متواضعة في صخور الميوسين الاوسط والبلبوسين والبلتستوسين ورواسب الكثبان الرملية وهضاب الساحل الشمالي الغربي شمال منخفض القطارة وحتى خط الشاطئ وبالطبع ليس كل هذا السمك للرواسب والصخور حامل للمياه الجوفية بل هناك تداخلات لا تحمل مياها كما انه ليس كل المياه صالحة للاستخدام. اردنا ان نوضح الحقيقة للرأي العام وليت غير المتخصصين يمتنعون ليس فقط في مجال المياه الجوفية ولكن في كل المجالات اللهم هل بلغت اللهم فاشهد. نقلا عن جريدة الأهرام