بعد أسابيع قليلة من تولي جوردن براون رئاسة الحكومة البريطانية خلفا لبلير, مازال الشعب البريطاني يتابع مواقف حكومته الجديدة ليتأكد من تغيير السياسة الخارجية للحكومة والتي كانت من بين أهم الأسباب وراء خروج بلير من الحكم ومجيء براون. وقد أظهر إستطلاع للرأي أجري مؤخرا في بريطانيا ارتفاع نسبة التأييد لحزب العمال لدي الشعب البريطاني عما كانت عليه وذلك بعد أربعة أسابيع فقط من تولي براون رئاسة الوزراء. وقد أعتبرت هذه النتيجة والتي أدهشت زملاء براون في حزب العمال تعبيرا عن رغبة الرأي العام في تغيير السياسة البريطانية وخاصة موضوع العلاقة الخاصة جدا بين بلير وبوش والتي كانت قد وصفتها الصحف البريطانية بالتبعية السياسة لبوش من جانب بلير. ولذلك أعتبرت نتائج الإستطلاع الأخير مؤشرا علي احتمالات تغيير سياسات بريطانيا. وهو ما دعا البريطانيين إلي متابعة اللقاء الذي تم بين براون وبوش في واشنطن حول العلاقة الأمريكية البريطانية والقضايا العالمية. وإذا كان الكثيرون ينتظرون أن تظهر ملامح التغيير في سياسة حكومة براون فقد إعتبر الكثيرون في حزب العمال أن تصريحات براون في المؤتمر الصحفي المشترك مع بوش, وإن كانت قد أكدت استمرار العلاقة الخاصة مع الولاياتالمتحدة إنها حاولت التأكيد علي الإستقلالية البريطانية وليس التبعية التي اتسم بها عهد بلير, ولذلك كان كلام براون واضحا في أن فك الإرتباط مع السياسة الأمريكية لا يؤثر علي العلاقة الخاصة بين الدولتين. وقد شن حزب المحافظين هجوما مضادا علي براون خاصة بعد ظهور نتائج الإستطلاع والتي أقلقت المحافظين وشككوا في نية براون الحقيقية في التغيير وخاصة أنه كان عضوا رئيسيا في حكومة بلير ومشاركا قي وضع سياسة الحكومة. ويحاول المحافظون الأن خلق الانطباع بأن ما سيتغير في عهد براون سيكون محدودا, بل انهم أعادوا نشر تصريحات قديمة لبراون كان قد أظهر فيها تمسكا بقوة العلاقة مع واشنطن وهو ما اعتبروه دليلا علي عدم نية الحكومة البريطانية تغيير سياستها خاصة في العراق. ومن المعروف أن بريطانيا والولاياتالمتحدة كانت تربط بينهما علاقة خاصة يرجع تاريخها إلي الحرب العالمية الثانية, وقد استمرت هذه العلاقة قوية ومتعاقبة مع مختلف الحكومات البريطانية وكانت تعني التعاون والتنسيق في مجالات السياسة الخارجية أكثر مما هو قائم بين الولاياتالمتحدة وأي دولة أوروبية أخري من حلفائها, لكن كانت السياسة البريطانية لها في نفس الوقت هويتها الخاصة بها وإستقلالية قرارها مما كان يميزها عن الولاياتالمتحدة في أحيان كثيرة. ومسألة إستقلالية القرار والمحافظة علي الهوية البريطانية هي ما حاول براون أن يؤكدها في لقائه مع الرئيس بوش. وكانت المحادثات التي جرت بين براون وبوش في واشنطن وفي منتجع كامب ديفيد قد تناولت بالتفصيل الحرب في العراق والتي أبدي خلالها براون إقتناعه بوجود مسئوليات في الأراضي العراقية وأنه لابد من نقل السلطة تدريجيا إلي السلطات العراقية لكنه في نفس الوقت أكد للرئيس بوش نيته في الانسحاب من العراق ولكنه لم يحدد الموعد, كما تناولت المحادثات الأوضاع في أفغانستان وكوسوفو ودارفور التي وصفها براون بأنها أسوأ كارثة إنسانية في العالم, بالإضافة إلي الملف الإيراني والتي إتفق خلالها براون مع بوش علي ضرورة تشديد العقوبات علي إيران لإنهاء برنامجها النووي. وكان براون قد دعا مجلس وزرائه قبل السفر إلي الولاياتالمتحدة إلي إجتماع سيطرت عليه نتائج الإستطلاع وإن كانت قضية الفيضانات التي إجتاحت بريطانيا قد شغلت وقتا طويلا من الإجتماع بالإضافة إلي مناقشة وضع استراتيجية سياسية لمواجهة المشاكل الداخلية وكذلك المشاكل الدولية المتعددة التي تهم بريطانيا. وقد ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أن معظم الوزراء الذين حضروا هذا الاجتماع اعترفوا في تصريحات خاصة بأنهم دهشوا لحجم الترحيب من جانب الرأي العام ببراون بعد وقت قليل من توليه رئاسة الوزراء. وبالرغم من أن بعضهم أصبح يميل إلي إجراء انتخابات مبكرة إلا أن معظمهم لا يميلون إلي ذلك ويفضلون إتاحة الفرصة للحكومة الجديدة لتظهر توجهاتها السياسية التي تميزها في الداخل والخارج وتتقدم إلي الشعب البريطاني في أي إنتخابات قادمة وقد أثبتت أنها تحكم ببرنامج يرضي الشعب البريطاني بعكس ما كان عليه الحال في عهد بلير عندما زاد سخط البريطانيين علي السياسات الخارجية لحكومة بلير. إن القضية الرئيسية التي تشغل البريطانيين بعد تولي براون هي توقعاتهم في التغيير الذي سيطرأ علي سياسة الحكومة, خاصة أن نتائج الإستطلاع الأخير قد أكدت هذه الرغبة العامة في التغيير لكن مدي التغيير وحجمه مازال يعتمد علي السياسة التي ستتبعها حكومة براون وليس علي مجرد تصريحات يعلنها أو توقعات ليس عليها دليل ملموس.