لي صديق من الفلول. بأحكام الغدر. والعزل مشغول.. زاد حزنه واكتئابه بعد عقد النوايا علي محاصرتهم وتنقية جداول الحياة السياسية من اسمهم ورسمهم كما ينقي الثوب الأبيض من الدنس. هذا المعنى قاله لي في مكالمة تليفونية غاضبة يستحلفني فيها أن أقول رأيي بما يرضي الله فيما يحدث من تدبيرات وترتيبات تحاك ضدهم لتجعل كل واحد منهم ينطبق عليه قول الشاعر القديم "كأنني إلى الناس مطلي به القار الأجرب"! أعجبني التعبير الذي يبلور معنى العزل وعقوبته. فالقار هو ما نطلق عليه هذه الأيام "الزفت" أو تركيبة الأسفلت أو الزيت المتسخ الذي يخرج من موتور السيارة. وكان العرب يضعونه فوق فروة وجلد الجمل الأجرب ويعزلونه عن بقية الإبل حتى لاتسري العدوى بينهم وبالتالي فإن مصطلح العزل يرتبط في أذهان البعض بحالات مرضية معينة لايصح إذا أردنا ان نعمل شرط السلامة ان نبقي أصحابها يعيشون بين الناس.. من بين هذه الأمراض والعياذ بالله السل والجزام والأيدز وغيرها. أنا بالطبع لا أقبل معنى الإهانة والذل لأحد. لكنني ومن منطلق أنه استحلفني لم أملك سوى مناقشته بالمنطق. حتى أستمع إلى وجهة نظره.. فقلت له: لو نظرنا الى القضية من منظار الفساد وليس من منظور آخر. هل تتفق معي في ان الحزب الوطني ورموزه قد خرب مصر وامتص الدماء من شرايينها وجرفها من خيراتها وجعلها نهبا للطامعين والطامحين؟ أجاب : بمنطق كل ماركسي شيوعي وليس كل شيوعي ماركسي. نستطيع القول. نعم هناك فاسدون بالحزب الوطني. ولكن لايمكننا ان نعمم الفساد على جميع الأعضاء. فلماذا نأخذ الكل بجريمة وذنب البعض؟ قلت : مصر الآن بصدد اتخاذ كل مايلزم من إجراءات لحماية الثورة المباركة من الفساد والفاسدين. وليس عندنا وقت لوضع معيار أو مقياس نقيس به فساد كل عضو من أعضاء الوطني ونواب الشعب والشورى وأمناء المحافظات.. فالشيطان يكمن في التفاصيل. وسوف يأخذنا الجدل حول نسبة الفساد في الدم التي يجب أن نأخذ بها وهل هي عدوى أم صفة أصيلة خبيثة في جينات الذين دأبوا على الدوران في فلك السلطة. ولذلك فإن المستشار حسني السلاموني نائب رئيس مجلس الدولة الذي أعد مشروع قانون العزل السياسي يقول مامعناه "أرى ان يكون التطبيق على كل القيادات لأنه من الصعب وضع معيار دقيق لفرز القيادات الفاسدة من غير الفاسدة ان لم يكن الأمر مستحيلا. فأعضاء الوطني كانوا إما من الفسدة أو الساكتين على الفساد أو منضوين تحت لواء حزب فاسد. وفي جميع الأحوال يجب عزلهم سياسيا.. فإذا كان هناك عضو صالح في الحزب الوطني فهو كما يقول المستشار السلاموني أقرب بمن يجلس بجوار نافخ الكير الذي بالقطع لن يسلم من أذاه. وبالتالي لابد عليه ان يدفع الثمن مادام قد تحمس وقبل عضوية الحزب. وهو يعلم أنه حزب فاسد ويتحمل النتيجة حتى لو كان وليا من أولياء الله الصالحين. فالعزل هنا جزاء عادل يستحقه. رد صديقي الفل مستنكرا: بدون تهوين. فإن مايقولونه عن الحزب الوطني تهويل في غير محله. ولاتطبق على أعضائه عقوبة العزل.. فالعزل من الناحية السياسية والقانونية لايجوز أن ينطبق إلا على حزب له مبادئ قوية يعتنقها أصحابها طوال سنوات عمرهم. أو حزب ديني عنده فكرة العقيدة التي يشربها الناس كرهاً أو طوعاً منذ نعومة الأظافر. حتى أصبحت تسري في شرايين دمائهم. ويصعب بالتالي تخليصهم منها أو فصلها عنهم أو نزعها من قلوبهم إلا بالعزل. لأن هناك خوفاً منهم ونريد أن نجنب المجتمع شر العدوى بتلك العقيدة. فيكون الحل هو العلاج بالعزل. مثال ذلك حزب البعث في العراق. حيث الأطفال في سن العاشرة يأخذون تحصين وتطعيم البعث فيشبون عليه ويشيبون به. وهؤلاء لا يمكن بسهولة أن نخلصهم منه.. إنما ما هي عقيدة الحزب الوطني. فلو بحثنا في معايير ومواصفات العقيدة فإننا سنكتشف أنه حزب هلامي. يضيف صديقي الفل.. قبل أن تحكموا. ادرسوا وافحصوا أو تبينوا. لن ندافع عن الكل. وإنما نقول هناك من أفسد اعزلوه أو اقتلوه حيث ثقفتموه ووجدتموه. لكن الذين لم يتورطوا في واقعة فساد واحدة ما ذنبهم؟ يزيد على ذلك أن الاشتراك في أحزاب السلطة عضويتها عادة وإرث عند كل العائلات.. ففي العائلات القديمة بالصعيد والدلتا لو نظرنا في تاريخها سنجد أنها قبل ثورة يوليو كانت مع الوفد ثم هيئة التحرير والاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي ثم بعد ذلك حزب مصر وأخيراً مع الحزب الوطني فمصر بطبيعتها دولة مركزية نهرية يرتبط فيها الناس بالسلطة المركزية ويدورون في فلكها. قلت : زمان شيء والآن شيء آخر. فالدنيا تغيرت.. زمان كان الناس يتحركون بالفطرة الطيبة النقية. فكانوا مثلما قلت كالفراشات تنجذب نحو الضوء حتى ولو يحرقها. لكنكم كنتم تنجذبون نحو الوطني وأنتم كالصقور. أهدافكم محددة وصيدكم مرصود وبالتالي ومع سبق الإصرار والترصد يعلن كل منكم قبل أن يملأ استمارته قسم الفساد مؤكداً أنه لن يترك شيئاً في ترابها وسماها ونهرها وبحرها إلا وسعى إليه ناهباً مجرفاً. وأنه سيكون مخلصاً طوال الوقت لصاحب العزة وولي النعمة لمعبد آمون الإله وسائر الكهنة المتعبدين في المحراب. مقاطعاً غاضباً : تتحدثون عن ثورة ولا تعملون بأصولها.. فثورة يناير قد قامت من أجل إرساء قواعد الحرية والديمقراطية. وبالتالي فإن حكاية العزل والغدر وخلافه هي أمور تجافي وتخالف فلسفة الثورة وتضرب الحريات في مقتل. ضاحكاً أرد: يذكرني ما تقوله بالشاعر الذي ضج من صديق مثلك يتلون كالحرباء فقال له: تدل علي التقوي وأنت مقصر.. يا من يداوي الناس وهو سقيم. يا رجل حرام عليك.. تتحدثون الآن عن الحرية والديمقراطية. وأنتم قد سعيتم إلى الحزب الوطني حتى تنسفوا الحريات من جذورها وتصوبوا السهام إلى رأس الديمقراطية. فتزوروا الدفاتر وتغيروا معالم الصناديق حتى لو كانت زجاجية شفافة بغير سوء. فتصبح اللجان "وطني" والبرلمان وطني والقوانين وطني. والنهب والتجريف وطني.. والغاز وطني. والهواء وطني! مغالطة كبرى سيدي الفل أن تتحدثوا عن العدالة وأنتم الذين عشتم وترعرعتم وانتفخت كروشكم وتضخمت ثرواتكم. في غياب ميزانها. نقلا عن جريدة الجمهورية