بإعلانها فرض عقوبات جديدة على نخبة طليعية في الحرس الثوري الإيراني يوم الخميس الماضي، حرصت إدارة الرئيس بوش على التأكيد بأن الولاياتالمتحدة، على الأقل في اللحظة الراهنة، لن تذهب إلى الحرب مع إيران. وقد شدد على ذلك ''نيكولاس بيرنز'' وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية بقوله: ''لا نعتقد بأن الصراع أمر حتمي، لذا يأتي قرار العقوبات لتعزيز الدبلوماسية ولا يؤشر في أي حال من الأحوال على استخدام القوة''. وبموجب التحرك الأخير للإدارة الأميركية، أُدرجت قوات فيلق ''القدس'' التابع للحرس الثوري وأربعة بنوك حكومية في إطار المؤسسات المساندة للإرهاب، فيما اعتبر الحرس الثوري نفسه مصدراً رئيسياً للصواريخ البالستية، وبالطبع ساهم قرار فرض العقوبات في رفع وتيرة المواجهة بين الولاياتالمتحدةوإيران حول قضايا الإرهاب والأسلحة النووية. بيد أن القرار عكس أيضا الحذر الذي اتسمت به الإدارة الأميركية بمقاومتها للدعوات المطالبة بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، رغم أنها تتهم قوات ''فيلق القدس'' بمساعدة الميليشيات الشيعية في تنفيذ هجماتها ضد الجنود الأميركيين، بل وقامت في هذا الإطار باعتقال عناصر من الفيلق. وفي السياق ذاته يقول ''أنطوني كوردزمان'' -الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية-: ''ليس القرار تحذيراً من أن الولاياتالمتحدة ستغزو إيران، بل من أن مستوى التصعيد الإيراني، لا سيما في العراق قد وصل إلى حد غير مقبول''، مضيفاً: ''لذا فإن القرار يظهر ضبط النفس أكثر مما يؤشر على الحرب''. ومع ذلك يشكل القرار الأميركي الأخير انعطافاً واضحاً نحو السياسة الأحادية بعد 18 شهرا حاولت خلالها الولاياتالمتحدة الترويج لفضائل التحرك الجماعي ضد إيران. ويتضمن هذا التغيير في موقف الإدارة الأميركية والمبادرة إلى فرض عقوبات إقراراً ضمنياً بأن الاستراتيجية الدبلوماسية التي أصرت على اتباعها وزيرة الخارجية ''كوندوليزا رايس'' كانت غير فعالة ولم تؤتِ أكلها. وكما كان متوقعاً وجهت روسيا انتقادات إلى القرار الأميركي يوم الخميس الماضي عبر عنها الرئيس ''بوتين'' إلى وكالة الصحافة الفرنسية متسائلا: ''لماذا تعقيد الوضع أكثر والوصول بالأمور إلى الطريق المسدود من خلال التهديد بالعقوبات والتدخل العسكري؟'' وتتطلع الإدارة الأميركية إلى مشاركة حلفائها عبر العالم وتبنيهم موقفاً صارماً، لا سيما وأن الولاياتالمتحدة، التي فرضت عقوبات على إيران منذ الثورة الإسلامية في العام ،1979 لم تعد تملك الكثير من النفوذ على الساحة العالمية. لذا تهدف الإدارة الأميركية إلى توظيف قوتها لعزل إيران من الناحية السياسية والاقتصادية ومنع المؤسسات الأجنبية من التعامل معها. وفي هذا الإطار وصفت ''رايس'' العقوبات بأنها ''ستكون رادعاً قوياً لأي بنك أو شركة دولية تنوي التعامل مع الحكومة الإيرانية''. ومع ذلك يقر المسؤولون الأميركيون بأن المحاولات السابقة للولايات المتحدة الساعية إلى إشراك الحلفاء في تضييق الخناق على إيران لم تثمر النتائج المرجوة بسبب استمرار بعض الدول في التعامل الاقتصادي والتجاري مع طهران. إلى ذلك أكدت وزيرة الخارجية الأميركية ''كوندوليزا رايس'' استمرار المسؤولين الأميركيين في العمل مع نظرائهم الأوروبيين والروس والصينيين للتوصل إلى حزمة جديدة من العقوبات في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للجم طموحات إيران النووية، لكنها قالت أيضاً إنها مستعدة ''للقاء بأي مسؤول إيراني في أي وقت وفي أي مكان'' شريطة تعليق إيران أولا أنشطتها النووية، وهو ما لم يبدر عن إيران حتى الآن، ولا يبدو أنها ستقوم بذلك، بصرف النظر عن دعوات مجلس الأمن لها بوقف تخصيب اليورانيوم. والواقع أن كبير المفاوضين الإيرانيين بشأن الملف النووي ''علي لاريجاني'' -الذي يعتبره المسؤولون الأميركيون من المعتدلين- استقال من منصبه ليستبدل ب''سعيد جليلي'' الذي يعتقد بأنه أحد مؤيدي الرئيس الإيراني المحافظ ''محمود أحمدي نجاد''. ويشار إلى أن الولاياتالمتحدة لم تضع مجمل الحرس الثوري الإيراني في دائرة الاتهام كمنظمة إرهابية حتى عندما ساندت هذه الخطوة السيناتور ''هيلاري كلينتون'' من نيويورك التي صوتت لصالح مشروع قرار يصنف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية خلال الشهر الماضي، معرضة نفسها لهجوم لاذع من أعضاء الحزب الديمقراطي. لكن القرار الأخير الذي استهدف ''فيلق القدس'' يعتبر مع ذلك محاولة لتضييق الخناق على المسؤولين الكبار في الحكومة الإيرانية، بمن فيهم مسؤولون في وزارة الدفاع، وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها وصمة الإرهاب مصحوبة بالعقوبات الاقتصادية لعزل أو معاقبة المؤسسة العسكرية لدولة أجنبية. من جهتها نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية ''إيرنا'' عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ''محمد علي حسيني'' استخفافه بتصريحات واشنطن، قائلا: إن السياسات العدائية التي تتبناها أميركا تخالف القواعد الدولية ''ومآلها الفشل''. وأضاف السيد ''حسيني'' أن الولاياتالمتحدة هي من تنتج الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية وتساند الجماعات الإرهابية، كما وصف اتهامات الإدارة الأميركية لإيران بتسليح الميليشيات الشيعية في العراق ب''السخيفة''. ومن ناحيتها رحبت إسرائيل بتصريحات واشنطن، حيث اعتبرها ''سالاي ميريدور''، السفير الإسرائيلي في أميركا ''خطوة دبلوماسية مهمة لمنع إيران-وهي خطر عالمي وراع بارز للإرهاب- من امتلاك الأسلحة النووية التي تهدد الأمن والسلام والدوليين''. ويذكر أن أربعة بنوك إيرانية، هي ''بنك ميلي'' و''بنك ميلات'' و''بنك سيديرات'' و''بنك كارجوشاي'' وضعت في خانة المؤسسات المساندة للإرهاب من خلال نشاطاتها في أفغانستان والعراق والشرق الأوسط.