التهمة هي تخريب مستقبل مصر إذ في اعتقادي أن الاتهام الشامل الذي يمكن أن يوجه الي النظام السابق وأركانه وأعوانه هو تخريب مصر ومستقبلها وهو أكبر وأشمل ليضم معه ملف القتل والتعذيب واحباط شعب بأكمله وضياع فرص وأحلام أجيال واغتيال مواهب الشعب وقدراته وامكانياته وموارده. ملف تخريب مصر هو ملف تخريب الانسان المصري تعليما وصحة وثقافة وغذاء وهو ما حال دون تحقيق تقدم ملموس سواء للدولة في حد ذاتها أو في حياة المواطن ذاته. تقارير ما قبل 25 يناير محليا ودوليا وبحوث ومقالات ودراسات صرحت وصرخت بالأوضاع وترديها ولم يلتفت أحد الي كل ما تضمنته تلك التقارير والملفات التي راحت تتحدث بحدة عن هموم المواطن والوطن فقد سيطرت عليهم النظره الفوقية والاستهانة بالشعب واحتقار المواطن ومن ثم فإن مشاعر اليأس والبؤس ولدت الشماتة والانتقام لدي الرأي العام عقب ثورة يناير وهو أمر غريب علي المصريين لولا ما تعرضوا له. وأمامنا سؤالان: أولهما البحث ومحاسبة المسئول عن المذبحة الاقتصادية التي أصابت معظم المصريين بالفقر والمرض والجهل وثانيهما البحث عن مخرج من الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تراكمت خلال سنوات طويلة فالقضية أكبر من أن يتم حصرها في حد أدني أو حد أقصي للأجور. قبل ثورة يناير تجمع الكثير من المؤشرات التي تنذر بمخاطر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وهذا هو تقرير التنمية البشرية عن مصر والذي قام باعداده عام 2010 معهد التخطيط القومي وبرنامج الأممالمتحدة الانمائي وقد حدد كثيرا من المحاذير منها تردي حالة التعليم وتدني جودة التعليم وعدم توافق مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل والعجز في المعلمين المؤهلين وأن المناهج تقليدية لاتنمي القدرة علي حل المشكلات بالاضافة الي سوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي حيث ان 41% من السكان تحت خط الفقر فضلا عن ارتفاع معدلات البطالة وأن 90% من المتعطلين يقل عمرهم عن 30 سنة أما الاسكان فانه يمثل تحديا خطيرا امام المواطنين بسبب زيادة تكاليف البناء. قبل هذا التقرير أصدرت الأممالمتحدة تقريرا عن التنمية البشرية بمصر عام 2007 أشارت فيه الي اختلال التنمية بين المحافظات المختلفة وان هناك خللا في العدالة التوزيعية بين المناطق الجغرافية المختلفة. وانطلقت اجراس الانذار غير أن عنجهية النظام وتعاليه لم تلتفت اليها اذ بدأت عام 2003 بنحو 86 احتجاجا وصلت الي 222 عام 2006 ثم بلغت 718 في 2007 أما خلال الأربعة شهور يناير ابريل 2008 فقد وصلت الي 900 احتجاج واعتصام ويشير هذا المتصاعد الي اختلال موازين العدالة الاجتماعية ولقد شملت جميع انحاء مصر. لقد أسهمت جملة السياسات التي تم تطبيقها خلال 25 عاما من 81 2005 في تدهور العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع وتآكل الطبقة الوسطي وزيادة التوترات السياسية والاجتماعية بسبب المعاناة التي تحملها الكثير من المواطنين وانتشار الفقر والفساد وتخفيض الدعم وارتفاع الأسعار والاحتكارات سواء في مواد البناء او المواد الغذائية وفي مقدمتها القمح واستيراده والذي احتكرته مجموعة محددة من المستوردين، مستوردين بقيادات من السلطة. وجاءت حكومة رجال الأعمال لتدير الاقتصاد ادارة شركة يبحثون عن الربح واصبحت الحكومة عائلة واحدة يتناولون إهدار المال العام وتحقيق المصالح ويشغلون الشعب والرأي العام بقضايا وهمية ومسلسلات تليفزيونية وبرامج شاذة وافتعال لقضايا تثير الفتن بين طوائف الشعب والهاء الرأي العام بقضية الدعم ومن يستحقه ومن لا يستحقه وضرورة ان يكون هناك حوار مجتمعي حوله يستمر سنوات بينما هناك صمت تام حول دعم الصناعة سواء الدعم المادي المباشر من برنامج تحديث الصناعة او صندوق دعم الصادرات او وهذا هو الأخطر دعم الطاقة الذي يذهب الي صناعات كثيفة استخدام الطاقة والغاز في مقدمتها مثل صناعات الحديد باحتكارها والأسمنت بالأجانب الذين يسيطرون عليها ثم بيعه في السوق بأسعار عالمية تحقق ارباحا هائلة بالمليارات لأصحابها ولانعرف اذا كان يتم تسديد ضرائب حقيقية علي تلك الأرباح أم لا؟ واستمرأت حكومة رجال الأعمال الأوضاع واستخفت بالقوم ولم تأت بسياسات عامة تكفل تحقيق العدالة الاجتماعية باستخدام دور الدولة وآلياته مثل سياسة الضرائب التصاعدية- التي هاجمها وزير المالية الاسبق يوسف بطرس غالي وذلك ليحافظ علي مصالح دائرة المنتفعين ويضرب عرض الحائط بمصالح وحقوق الأقل دخلا كما اختفت من حكومة رجال الأعمال أية سياسات اصلاحية اجتماعية لتوفير الخدمات الصحية الاساسية كالتعليم والصحة سواء مجانا أو بأسعار رمزية مع جودة في تقديم الخدمة وليس هذا الانهيار والانحدار في مستويات التعليم والخدمات الصحية الذي خرب بنيان الانسان المصري ولم تتخذ أية خطوات لمواجهة تسرب الدعم الي الأغنياء أو سياسية زراعية تكفل تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض السلع الزراعية فأصبحنا نستورد معظم غذائنا حتي الفاكهة والأرز ومنتجات الألبان وغيرها كثير واعتمدت بعض الزراعات علي مياه الصرف الصحي فانتشرت الأمراض بشكل غير مسبوق، كما لم تحدد سياسة لمحاربة الفساد رغم أنه العدو الأول للتنمية والعدالة الاجتماعية وشاركت في نهب الأراضي الصحراوية وتحويلها الي منتجعات وحمامات سباحة وملاعب جولف تستهلك المياه الجوفية في الترفية وليس في الاستثمار والاستصلاح الزراعي وتركت الصناعة ومصانعها للمحظوظين اصحاب السطوة. تلك هي بعض جوانب المذبحة الاقتصادية لبلادنا وهي تمثل ملفات عاجلة لاتحتاج إلي انتظار او دراسة تحليل فالعدالة الاجتماعية والتنمية هي واحدة من أهداف الثورة وقد حان الوقت بعد ستة أشهر أن تفتح هذه الملفات ويبدأ العمل. نقلا عن جريدة الأهرام