تحتفي الأوساط الفنية غدا الأربعاء بذكرى رحيل اثنين من كبار الفنانين الذين أثروا الحياة الفنية المصرية والعربية وأيضا العالمية , هما وحش الشاشة أو ملك الترسو فريد شوقي الذي توفي في 27 يوليو عام 1998والمخرج العالمي يوسف شاهين الذي توفي في نفس اليوم من عام 2008. تعاون فريد شوقي مع المخرج يوسف شاهين في العديد من الأعمال السينمائية التي بلغت نحو خمسة أفلام هي "بابا أمين" و"صراع في الوادي" و"باب الحديد" و"نداء العشاق" و"إسكندرية ليه". يعد فيلم "بابا أمين" أول أعمال شاهين في السينما كمخرج وهو لا يزال في العشرينات من عمره ,والذي شارك في بطولته فريد شوقي مع فاتن حمامة وحسين رياض وكمال الشناوي وماري منيب وهند رستم عام 1950. أما فيلم "صراع في الوادي" 1954 الذي دارت أحداثه في صعيد مصر قبل ثورة يوليو فهو العمل الثاني الذي جمع بين الأداء المميز لفريد شوقي وعبقرية الإخراج لشاهين ,وشارك في بطولته فاتن حمامة وعمر الشريف وزكي رستم. وكان فيلم "باب الحديد" , الذي تم إنتاجه في عام 1958 , هو العمل الثالث الذي جمع بين ملك الترسو والمخرج العالمي الذي ظهر من خلاله كممثل لأول مرة حيث أدى دور بائع الجرائد "قناوي" المريض نفسيا ,وشارك الفيلم " في مهرجان برلين السينمائي مطلع ستينات القرن الماضي. كما شارك فريد شوقي في فيلم "نداء العشاق" من إخراج يوسف شاهين عام 1961 ,وكان فيلم "اسكندرية ليه" عام 1978 هو أخر الأعمال التي تعاونا فيها سويا. وقال الفنان خالد النبوى انه "عمل مع المخرج يوسف شاهين في فيلمين روائيين طويلين هما "المهاجر" عام 1994و"المصير" عام 1997, بالإضافة إلى الفيلم الروائي القصير "القاهرة منورة بأهلها" ,مشيرا الى ان هذه الأعمال يفخر بها لأنها منحته فرصة ,وسمحت له بأنه تعلم في بداية حياته العمل السنيمائى الصحيح ". وأكد النبوي أن شاهين هو سقف السينما المصرية والعربية وأنه صانع أفلام عظيمه فقدته صناعة السينما ,مشيرا إلى أنه لم يستطع أي مخرج حتى الآن ملامسة هذا السقف . وأضاف النبوي : عملي مع شاهين في فيلمي "المهاجر" و"المصير" منحني خبرة عظيمة ساعدتني في عملي بالسينما ,وذلك لطبيعة هذه الأفلام ذات الميزانية الضخمة . وأوضح النبوي أنه خلال عمله مع العديد من الممثلين العالميين كانت تدور بينه وبينهم أحاديث مطولة عن يوسف شاهين .. مشيرا إلى أن أفلام شاهين لها تأثير كبير وحقيقي على المشاهد المصري لأنه صاحب فكر سينمائي عظيم ولا يوجد مخرج في مصر لم يتعلم منه. وأضاف أن أفلام يوسف شاهين تخاطب كل فئات المجتمع ,وأن عبقريته ظهرت في مخاطبته للأجيال القادمة عبر العديد من الأفلام مثل "أنت حبيبي" و"المصير" و"المهاجر" و"القاهرة منورة بأهلها" و"العصفور" و"عودة الابن الضال" و"الناصر صلاح الدين" .. مشيرا إلى أنه كلما جاء جيل جديد وشاهد فيلما من أفلام شاهين فهم منها شيئا جديدا واستخلص فكرة جديدة من أفكاره التي لم تمت بل ستظل باقية . أما تلميذ شاهين المخلص المخرج خالد يوسف فيقول : كان شاهين إنسانا تحركه مشاعره قبل أي شئ , فعندما كنت أختلف معه أثناء مناقشة إحدى السيناريوهات كان يحسم الخلاف بيني وبينه قائلا "أنا حسسها كده" ... وحينها كانت ترجح كافته لإيماني بأنه دئما ما يصل عبر إحساسه إلى كبد الحقيقة . وأكد يوسف أن شاهين كان متمردا شأنه شأن أي فنان مبدع دائما ما يلجأ للتمرد للوصول إلى أقصى درجات الإبداع الفني ,ويتجلى ذلك في فيلم "هي فوضى" الذي شرفت بمشاركتي معه في إخراجه. وأضاف : وجدت شاهين يحركه تمرده في فيلم "هي فوضى" حيث تصور حالة جديدة لمصر من خلال ثورة الطبقة الوسطى على الظلم ومحاصرة قسم الشرطة الذي يمثل استبداد وظلم النظام السابق .. هذا هو يوسف شاهين الذي يرفض الوضع القائم ودائما ما يتمرد عليه. وعن ذكرياته مع شاهين قال خالد يوسف " لازلت أتذكر عندما قرر يوسف شاهين وبعض الفنانين المصريين في عام 2001 الذهاب إلى رفح قرب الحدود مع إسرائيل للتضامن مع انتفاضة الحجارة , إلا أن غالبية الفنانين تراجعوا عن الذهاب بضغط من أمن الدولة الذي اتصل بي لأقنع شاهين بعدم الذهاب إلى هناك , وبالفعل حاولت إقناعه وأوهمني بأنه تراجع ولن يذهب إلى هناك ,ولكن فوجئت بأنه ذهب وصعد إلى أعلى تبة هناك ليعلن تضامنه مع الشعب الفلسطيني". وأكد المخرج خالد يوسف أن شاهين لو كان على قيد الحياة لذهب لميدان التحرير يوم 25 يناير مصطحبا كاميراته وخيمته وهتف كأصغر شاب في الميدان رغم مرضه فهو عند التمرد تجده شابا صغيرا ,فقد حلم شاهين بهذه الثورة وانتظرها بل وتنبأ بها في أغلب أفلامه. وتقول المنتجة ناهد فريد شوقي النجلة الكبرى للفنان الراحل فتحدثت عن مسلسل "ملك الترسو" الذي سيتناول قصة حياة والدها قائلة " كانت تراودني فكرة عمل درامي يتناول فريد شوقي منذ سنوات إلى أن خرج المؤلف بشير الديك بمعالجة درامية لحياة والدي عبر السيناريو الذي لم ينته من كتابته بعد". ونفت ناهد تدخلها في كتابة السيناريو أو التعديل فيه .. مشيرة إلى أن هذا الأمر من اختصاص المؤلف بشري الديك فقط . وأوضحت أنها رشحت الفنان خالد الصاوي للقيام ببطولة المسلسل لأنه ممثل جاد في أعماله .. مشيرة إلى أن اختيار بقية أبطال المسلسل هي المشكلة التي تواجهه . وأكدت نجلة وحش الشاشة أنها اقتبست من والدها بعض الصفات من أهمها حبها للعمل والتفاني فيه . وقالت الفنانة رانيا فريد شوقي في ذكرى رحيل والدها ال13 "إن والدي كان عاشقا للفن منذ الصغر واهبا حياته له , فهو موهوب بالفطرة." وأكدت أن فريد شوقي كان على عكس ما يلعبه من أدوار الشر في معظم أفلامه, قائله "إنه أطيب رجل عرفته في حياتي , لقد تعلمت منه ومن أعماله الفنية الكثير فهو إنسان متواضع جدا يحب الناس ويحب الحياة بارا بأهله ويعشق أسرته وبناته الخمس لذلك لقب بأبو البنات." واستطردت قائله "فريد شوقي أسطورة لم ولن تتكرر ليس لأنه فنان عظيم فحسب بل لأنه إنسان أعظم بكثير ." وأضافت ابنة وحش الشاشة أن فريد شوقي أعطى للفن عمره وحياته والفن أعطى له حب الناس الذي لا يقدر بثمن ,وكان دائما يقول "إن ما من الفن للفن" لذلك كان حريصا على إنتاج معظم أفلامه , وكان يقول أن الفن رسالة يجب التدقيق والإتقان في مضمونها قبل أن تصل إلى الجمهور, قائلة إن الفنان الراحل فريد شوقي متواجد بأعماله في قلوب جمهوره وعشاقه في مصر والعالم العربي." وأكدت رانيا فريد شوقي أن الرئيس الراحل جمال عبدا لناصر كلف والدها بإنتاج فيلم "بور سعيد" قائلا له "أنت بطل شعبي." وأوضحت ابنة ملك الترسو أن والدتها سهير ترك كانت أقرب الناس إلى قلب فريد شوقى, وقالت إن سر نجاح زواجهما أنها كانت تقدر عمله كفنان وكانت دائما تصفه بأنه رجل عظيم , حيث كانت مصدرا للراحة والأمان بالنسبة له لذلك أصر على تواجدها معه في غرفة العناية المركزة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. انتقدت الفنانة رانيا فريد شوقي إهمال وسائل الإعلام لإحياء ذكرى الفنانين ,وقالت "إذا نسي الإعلام ذكرى والدي فإن جمهوره لن ينساه." وحول التحضير لعمل مسلسل "ملك الترسو" أكدت رانيا أنها تتمنى تأخر هذا العمل حتى يتمكن كاتبه من سرد جميع تفاصيل حياة الفنان بدقة ,مضيفة أن الأعمال الدرامية التي تتناول السير الذاتية تحتاج إلى وقت طويل حتى يصبح العمل ملما بجميع جوانب حياة الفنان. ولد يوسف جبريل شاهين بمدينة الإسكندرية في 25 يناير عام 1926 , وحصل على الشهادة الثانوية من كلية فيكتوريا ليلتحق بجامعة الإسكندرية , وحصل على درجة الماجستير فى الدراما والإخراج السينمائي من كاليفورنيا. أخرج شاهين أول أفلامه "بابا أمين" عام 1950 بعد عودته من الخارج , ليقدم بعد عام واحد فقط ثاني أفلامه "ابن النيل" الذي شارك في مهرجان كان السينمائي ثم فيلم "المهرج الكبير" عام 1952 لتتوالى أعماله. قدم شاهين أعمالا سينمائية جريئة جادة لا تعرف الخطوط الحمراء فتناول معاناة الفلاح المصري البسيط في فيلم "الأرض" ,وتطرق إلى قضية فساد الشرطة في مصر عبر فيلم "هي فوضى" , وناقش قضية القدس في فيلمه "الناصر صلاح الدين" ,وفلسفة ابن رشد في فيلم "المصير" ,وهزيمة 67 في فيلم "العصفور" . تناول شاهين سيرته الذاتية في أربعة أفلام هي "إسكندرية ليه ,حدوته مصرية , اسكندرية كمان وكمان ,و"إسكندرية نيويورك" . تخلى شاهين عن مكانه خلف الكاميرا ليقف أمامها كممثل في عدة أفلام كان أهمها فيلم "باب الحديد" الذي أخرجه وشارك في بطولته عام 1958 , ليظهر بعدها في مشهد في فيلم "إسماعيل يا سين في الطيران" إخراج فطين عبد الوهاب عام 1959 ,كما ظهر في مشاهد أفلامه "فجر يوم جديد" عام 1964 ,وفيلم "اليوم السادس" عام 1986, "إسكندرية كمان وكمان" عام 1990 ,وكان "ويجا" إخراج خالد يوسف أخر الأفلام التي ظهر فيها كممثل . دخل شاهين في غيبوبة تامة يوم 16 يونيو 2008 سافر على إثرها للعلاج بأحد المستشفيات القريبة من العاصمة الفرنسية "باريس" ,وعاد إلى القاهرة في 16 يوليو ,وتم نقله إلى العناية المركزة بمستشفى المعادي للقوات المسلحة إلى أن توفي في 27 يوليو 2008 عن عمر يناهز 82 عاما بعد إصابته بنزيف في المخ . أثرى شاهين خلال مسيرة حياته الفنية السينما المصرية والعربية والعالمية بنحو 35 فيلما و6 أفلام قصيرة. أما الفنان فريد شوقي محمد عبده الشهير ب "فريد شوقى",الذي اشتهر بالعديد من الألقاب أهمها "ملك الترسو" و"وحش الشاشة" و"الملك", فقد ولد في 3 يوليو 1920 في حي البغالة بالسيدة زينب بالقاهرة, ونشأ في حي الحلمية الجديدة. حصل على الابتدائية من مدرسة الناصرية عام 1937 ,ليلتحق بعدها بمدرسة الفنون التطبيقية التي حصل منها على الدبلوم كما حصل على دبلوم معهد التمثيل عام 1947 ليعمل بعدها فى مصلحة الأملاك الأميرية. وظل فريد شوقي في تألقه الفني لما يقرب من نصف القرن , حيث اشتهر بأدوار الفتوة والبطل القوي نظرا لما كان يتمتع به من قوة جسدية أهلته للعب تلك الأدوار. كان فيلم "ملاك الرحمة" عام 1946 أول أعمال فريد شوقي , ثم قدم فيلم "ملائكة في جهنم" عام 1947 إخراج حسن الإمام , لتتوالى أعماله بعد ذلك ,والتي جسد فيها شخصية الشرير من خلال أفلام مثل "قلبي دليلي" عام 1947 من إخراج أنور وجدي, وفيلم "اللعب بالنار" عام 1948 للمخرج عمر جميعي, وفيلم "القاتل" عام 1948 إخراج حسين صدقي, و"غزل البنات" عام 1949 إخراج أنور وجدي وغيرها من الأفلام التي أدي فيها أدوار صغيرة كلها تدور في إطار شخصيات الشر . ومع بداية الخمسينات بدأ وحش الشاشة يغير من اسلوبه ليقدم شكلاn آخر للبطل بعيدا عن صورة الشر التي ظل يؤديها طوال الفترة الأولي من مسيرته الفنية , وأصبح البطل الذي يدافع عن الخير في مواجهة الأشرار أمثال محمود المليجي, وزكي رستم وجاءت أفلامه في هذه المرحلة متميزة ومنها فيلم "جعلوني مجرما" عام 1950 للمخرج عاطف سالم , وفيلم "رصيف نمرة 5 " عام 1956 لنيازي مصطفى, والفتوة عام 1956 , وباب الحديد عام 1958 للمخرج يوسف شاهين, وسوق السلاح عام 1960, و"عنترة بن شداد" عام 1961 لنيازي مصطفى , وبطل للنهاية عام 1963 للمخرج حسام الدين مصطفى. واستمر فريد شوقى بطلا حتى وصل إلى مرحلة الكبر فقدم أفلاما كان هو نجمها و منها "رجب الوحش" عام 1985 لكمال صلاح الدين, و"سعد اليتيم" عام 1985 للمخرج أشرف فهمي, و"عشماوي" 1987 لعلاء محجوب , و"قلب الليل" 1989 للمخرج عاطف الطيب . وكان آخر أعماله "الرجل الشرس" 1996 لياسين إسماعيل ياسين, حيث قدم فريد شوقي ما يقرب من ال 300 فيلم إلى جانب أعمال مسرحيه وتليفزيونية عديدة, مثل مسلسلات "البخيل وأنا" , و"العرضحالجى", و"صابر ياعم صابر" ,و"الشباب يعود يوما", و"قلب الاسد". كما كان له 18 مسرحية ومن أشهرها مسرحية "شارع محمد علي" التي قام ببطولتها مع الفنانة شريهان, ومسرحية "الدلوعة" التي شاركته في بطولتها الفنانة نيللي. وحصل الفنان فريد شوقي على جائزة الدولة عن قصة "جعلونى مجرما" 1950 ,وجائزة الإنتاج فى مهرجان برلين عن فيلمه "الفتوة " 1956 ,وجائزة الدولة عن الانتاج والقصة والتمثيل 1962 ,ووسام فى عيد العلم 1964 من الرئيس جمال عبدالناصر ,وجائزة أحسن فيلم عن "لا تبكي يا حبيب العمر" 1977 ,كما حصل على وسام من الطبقة الأولى عام 1978 وشهادة تقدير فى عيد الفن الرابع 1979 من الرئيس محمد أنور السادات. توفي ملك الترسو في 27 يوليو عام 1998 بعد أن ترك أعمالا فنية ستبقى خالدة في ذاكرة الجمهور.