مفردات غريبة دخلت على السينما المصرية في السنوات القليلة الأخيرة، وكلمات لا معنى لها أصبحت تملأ حوار الأفلام، والغريب أن أفلام الصيف المقبل تبحث عن مزيد منها، ويرى صناعها أن هذه المفردات الغريبة أحد عناصر جذب الجمهور. ورغم أن النقاد يعتبرون السينما مسؤولة عن نقل تلك الألفاظ الغريبة للشارع، الا أن صناع هذه الأفلام يدافعون عن أنفسهم بأنهم ينقلون تلك الكلمات من الشارع نفسه ويقتربون بها أكثر من الجمهور. ما هي حكاية تلك المفردات الغريبة؟.. وهل تساهم بالفعل في جذب الجمهور والترويج للأفلام؟ وما الخط الفاصل بين الألفاظ التي تعبر عن شخصية البطل وبين استخدام لغة هابطة ومسفة في الحوار السينمائي؟.. تساؤلات كثيرة تفرض البحث عن اجاباتها. عندما قدم هنيدي بعض الكلمات الغريبة في أفلامه مثل “كماننا” في “اسماعيلية رايح جاي” و”يا.. آيئ” في “همام في أمستردام” وغيرهما، انتشرت بعدها هوجة المفردات الغريبة في معظم الأفلام حتى وصلنا الى “حاحا وأخواتها”. وعن تلك المفردات الغريبة يقول المؤلف أحمد البيه وهو أحد المتهمين بنشرها: لا نخترع ألفاظا لكن كل تلك الكلمات موجودة في الشارع والسادة النقاد الذين يندهشون من مثل هذه الألفاظ هم البعيدون عن الناس، أما المؤلف الشاطر فيجب أن يكون قريبا من الجمهور وأن يعبر عنه وعندما تقدم بطلا من حارة مثلا فلابد أن يتحدث باللغة التي تناسبه والا فلن يصدقه الناس. والمهم في النهاية أنه لا يوجد في تلك الألفاظ ما يخدش الحياء فأنا لا أنقل كلمات بها قلة أدب والا ما كانت الرقابة سمحت بها أصلا. ويعترف المنتج محمد السبكي بأن وجود مثل هذه الألفاظ يربط الجمهور أكثر بالفيلم ويزيد من الاقبال عليه لأنالجمهور يبحث عن الجديد بدليل أنه يردد مثل هذا اللفظ بعد ذلك، بل ويستخدمه أيضا وهناك كلمات و”ايفيهات” قدمتها بعض الأفلام وأصبحت الآن منتشرة بين الشباب خاصة اذا كان دمها خفيفا أو كانت جديدة. ويضيف: لا أرى أن هذه الألفاظ عيب أبدا وأنا كمنتج عندما أجد “ايفيه” أو كلمة جديدة وطريفة استغلها في الدعاية وأعرف أنها ستفرق بالفعل في زيادة الاقبال على الفيلم. الفنان طلعت زكريا هو صاحب إحدى أشهر الكلمات الغريبة في السينما في السنوات الأخيرة وهي كلمة “حاحا”. وعن حكايته معها يقول: في فيلم “التجربة الدنماركية” كنت ألعب دور ضابط، وكان هناك مشهد يجمعني بالفنان عادل امام وأطلب منه أن يقول “حاحا” لأعرف من مخرج اللفظ اذا كان في حالة سكر أم لا وكان يمكن أن أطلب منه أن يقول أي كلمة لكنني كنت أريد كلمة جديدة لتعلق مع الجمهور ويتذكروا المشهد بها، وبالفعل هذه الكلمة من اختراعي ونالت اعجاب الجمهور حتى إنني كنت أسمع جملة “قول حاحا” في أماكن كثيرة ولهذا تمسكت بأن يكون “حاحا” هو اسم الشخصية التي لعبتها في أول بطولة سينمائية لي في فيلم “حاحا وتفاحة”. وليس عيبا أبدا أن استثمر نجاح كلمة اخترعتها ونجحت مع الجمهور، فأنا لم أسرقها ثم ان “حاحا” ليس لفظا بذيئا ولا توجد فيه أي ايحاءات سيئة. ويؤكد المخرج وائل احسان الذي أخرج عدة أفلام امتلأت بمفردات غريبة في مقدمتها “اللمبي”، أن كل زمن له لغته وأن أفلام زمان كانت فيها مفردات ربما اندهش منها البعض وقتها، لكننا الآن نرددها باعجاب ونحفظها عن ظهر قلب مثل مفردات النجوم الكبار عبد الفتاح القصري وزينات صدقي واسماعيل ياسين وغيرهم. ويقول في السينما الكوميدية تحديدا يرتبط البطل ب “ايفيه” أو تعبير يظل يردده في معظم أحداث الفيلم لكن المشكلة لو لم يجد هذا اللفظ اعجابا أو قبولا من الجمهور، وقتها سيؤثر بالسلب في نجاح الفيلم ولذلك اختيار أي مفردات جديدة يجب أن يتم بذكاء وبتشاور بين المؤلف والبطل والمخرج حتى يتأكد الجميع أن هذا اللفظ سيجد استحسان الجمهور وليس شرطا أبدا أن يكون المؤلف نفسه هو صاحب تلك المفردات لأنها أحيانا قد تكون من اختراع البطل أو اضافة من المخرج نفسه. المؤلف محمود أبو زيد هو أشهر المؤلفين الذين قدموا في أفلام الثمانينات مفردات غريبة منها مثلا “فيّش الهوامش” في فيلم العار و”يافت” و”أشفور” في فيلم “جري الوحوش” وغيرها، لكنه ينفي أن تكون مثل هذه المفردات من اختراعه. ويقول: هذه المفردات موجودة بالفعل لكنها غريبة لأنها متداولة بين أصحاب مهن وأوساط معينة مثلا في “العار” “فيّش الهوامش” كانت تعبيرات يستخدمها تجار المخدرات فيما بينهم لتوصيل أو قطع الكهرباء عن المخدرات التي تخزن ولذلك استخدمتها في الفيلم، وفي “جري الوحوش” يستخدم الجواهرجي كلمة “يافت” للدلالة على المعدن الأصيل، وعندما لعب نور الشريف دور جواهرجي كان من الطبيعي جدا أن يستخدم ألفاظ هذا الوسط مثلما كان يستخدم محمود عبد العزيز ألفاظا تعبر عن مهنة “المنجد”، ويضيف: في كل أفلامي استخدم الألفاظ التي تناسب الشخصية الموجودة بالفعل، لكن ما يحدث الآن شيء آخر تماما فالمؤلفون يخترعون كلمات غريبة ويظنون أنها ستحقق النجاح لأفلامهم، وهذا غير صحيح لأنه لا يمكن أبدا أن ينجح فيلم ضعيف أصلا لمجرد أن به بعض المفردات الغريبة فهؤلاء يضحكون من أنفسهم والذين لا يعرفونه أن مفردات أفلام زمان لا تزال تعيش في أذهان الناس لأنها كانت مرتبطة بأفلام جيدة وناجحة. ويرى المؤلف والناقد السينمائي رؤوف توفيق أنه ليس كل ما يقال في الشارع يمكن نقله الى السينما وأن هناك فرقا بين التعبير عن البطل الشعبي بلغته وبين انتشار مفردات بذيئة وهابطة في السينما، ويضيف: أنا بالطبع مع التعبير عن كل شخصية بلغتها لأن هذا جزء من مصداقيتها على الشاشة لكن هذا المبرر الفني يجب ألا يصبح حقا يراد به باطل بحيث يصبح هناك صراع على مزيد من الهبوط في حوار السينما المصرية، وهو للأسف ما يحدث الآن وزاد منه انتشار الأغاني الهابطة في الأفلام أيضا. وقبل أن نطالب أن يكون للرقابة دور يجب أن يكون لضمير المؤلف نفسه دور أيضا لأن السينما لها تأثير كبير في لغة الشباب تحديدا.