في الوقت الذي انشغلت فيه حركة «حماس» بالاحتفال ب «نصرها» في قطاع غزة، وانشغلت «فتح» باستعراض عضلاتها امام «حماس» في الضفة، كان هناك شيء آخر يشغل الشارع الفلسطيني وهو: الى اين يقودنا هذا الانقسام؟ وفيما عبَّرت المشاهد القادمة من غزة وتلك القادمة من الضفة عن عمق الانقسام السياسي والجغرافي في الاراضي الفلسطينية، كان الناس يعبرون عن عدم رضاهم عن كل ما يشاهدون: «هذا شيء غير معقول، هل نسوا اننا ابناء شعب واحد يعيش تحت احتلال؟» قال الشاب محمد حمايل (25 عاماً). وتخشى غالبية الفلسطينيين ان يؤدي الانقسام بين «حماس» و «فتح» الى انقسام بين الضفة وغزة يؤدي الى تبديد حلمهم التاريخي بإقامة دولة مستقلة لجميع الفلسطينيين في الوطن والشتات. وقال صلاح هنية (47 عاما): «اسرائيل هي الرابح الأكبر من دون اي جهد، اذ ظهر بين الفلسطينيين من ينفذ لها حلمها بالفصل بين الضفة وغزة لمنع اقامة دولة فلسطينية مستقلة». واضاف: «رغم نفي حماس نيتها اقامة كيان في غزة، الا ان كل المؤشرات من هناك تشير الى ان هذا ما يحدث فعلا، لقد سيطرت على اجهزة الامن وترفض الاعتراف بقرارات الرئاسة، هذا هدم لرموز السلطة وتقسيم لها الى سلطتين ومنطقتين جغرافيتين منفصلتين». ورغم شدة الانقسام السياسي والجغرافي، الا ان كثيرا من المراقبين يعتقد انه سيكون انقساما موقتا. وقال استاذ العلوم السياسية في جامعة بير زيت الدكتور باسم الزبيدي: «هناك انقسام سياسي عميق ابعد من الانقسام الجغرافي، اذ وصلت الامور الى حد نفي الطرف الآخر، وهذه الهوة ستتسع وستكون لها تعابير جغرافية حيث حماس في غزة وفتح في الضفة، وسيكون لدينا كيانان، لكن هذا لن يستمر لأن الشعب الفلسطيني سيجد الطريقة لاعادة توحيد نفسه حول اهدافه الوطنية». واضاف: «يبدو لي ان من المستبعد ان تقدم حماس على اقامة دولة او امارة اسلامية في غزة، لأن مثل هذه الخطوة ستجعل المجتمع الدولي يساويها مع خطوات من هذا النوع جرت في افغانستان والصومال والعراق. صحيح ان حماس تسيطر على غزة، لكن لديها جمهور هنا في الضفة وبين الفلسطينيين في الشتات، والامر ذاته بالنسبة الى فتح التي لن تستطيع ان تعزل نفسها عن غزة، لذا سيجد الطرفان نفسيهما امام حاجة فعلية للاتفاق». ويرجح البعض ان تستخدم «حماس» ورقة سيطرتها على قطاع غزة لتحسين شروط تفاوضها مع «فتح» على تقاسم السلطة، وقال الزبيدي: «قريبا ربما نرى الطرفين يجتمعان في مكة ليتوصلا الى اتفاق شراكة يطلقان عليه مكة 2». وكانت «حماس» اصدرت اشارات عديدة في الساعات الاخيرة عن عدم نيتها اقامة كيان مستقل منفصل عن غزة. غير ان عدم اعتراف الحركة بحكومة الطوارئ التي يشكلها الرئيس محمود عباس، يعزز الانقسام في الفترة المقبلة. ويتطلع كثير من الفلسطينيين الى ان تتمكن حكومة الطوارئ التي يرأسها وزير المال في الحكومة السابقة سلام فياض الى رفع الحصار الدولي والاسرائيلي واستئناف الدعم الخارجي للمشاريع التنموية ومشاريع البنية التحتية. ويتوقع كثيرون ان يشكل استئناف الدعم الخارجي عامل انقسام جديداً، اذ سينصب هذا الدعم على الحكومة التي مقرها الضفة وتحرم منه سلطة «حماس» في غزة. لكن رجالات «فتح» يحاولون طمأنة الجمهور الى ان غزة لن تكون بعيدة عن برنامج الحكومة الجديدة. وقال نبيل عمرو المستشار السياسي للرئيس محمود عباس: «غزة جزء اصيل من الوطن ولن نبتعد عنها قيد انملة».